تقارير
انعكاس لفقدان الثقة.. كيف أصبحت تصريحات المسؤولين في الشرعية غير مقنعة لليمنيين؟
في كل مرة يخرج فيها مسؤول حكومي بتصريح جديد، سواء من داخل اليمن أو من إحدى العواصم الإقليمية، تتدفق مئات التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن الناس باتوا في سباق يومي لإفراغ ما تبقى من الغضب المكبوت، لا لمجادلة مضمون التصريحات، بل لتفريغ اليأس مما تبقى من صورة الدولة.
فبعد عشر سنوات من الحرب، تحوّلت كلمات المسؤولين، في الحكومة وأعضاء المجلس الرئاسي، إلى “مادة كوميدية” لدى شريحة واسعة من اليمنيين.
يقول سامح اليوسفي، وهو ناشط من تعز: “لم أعد أتابع التصريحات لأعرف ما سيحدث، بل لأضحك قليلاً من حجم الانفصال بين كلامهم وحياتنا اليومية”.
ويضيف أيمن القدسي: “في بداية الحرب، كانت هناك ثقة نسبية، وكان لدى اليمنيين أمل أن النخبة السياسية ستحقق شيئًا. أما الآن، فكل تصريح يُقرأ على أنه فصل جديد من مسرحية طويلة مملة”.
الانفصام عن الواقع
بحسب متابعين، تعود أسباب هذا الانفصال بين الشارع والمسؤولين في اليمن إلى جملة من العوامل، في مقدمتها الفشل الذريع في استعادة الدولة بعد سنوات من الحرب، وعدم قدرة الحكومة على السيطرة الكاملة على الأرض، إضافة إلى أن معظم أعضاء المجلس الرئاسي يعيشون خارج اليمن ويتحدثون عن الأزمات وكأنهم محللون من فندق خمس نجوم.
كما أن غياب الشفافية والتبريرات المكررة للانهيار الاقتصادي وضعف الخدمات، جعلت وعود المسؤولين تفقد أثرها، خصوصًا في ظل تكرار نفس الشخصيات في المشهد دون أي مساءلة أو تغيير.
وبذلك، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى منبر يومي للسخرية من التصريحات الرسمية، حيث بات اليمنيون يتداولون التصريحات بتعليقات من قبيل: “العام القادم سيكون أفضل… للمسؤول فقط”، أو “تصريحات تصلح فقط للنشر في كوكب آخر وليس في اليمن”.
هذه السخرية الواسعة تعكس حجم الفجوة بين الشعب والسلطات الشرعية، وقد وصل الأمر إلى أن مجرد الصمت من جانب المسؤولين أصبح هو الآخر محل تندر واستهزاء.
يقول الباحث السياسي نبيل الشرعبي إن الشرعية لا تواجه فقط تحدي الانقلاب، بل أزمة شرعية حقيقية في عيون اليمنيين، والتصريحات الرنانة لم تعد قادرة على صناعة أي أمل، بل تعمّق الشعور بأن الدولة لم تعد موجودة سوى في نشرات الأخبار، وعندما تتحول السخرية إلى أسلوب تعامل يومي مع المسؤول، فهذه ليست مجرد أزمة تواصل، بل سقوط في الوعي الجمعي تجاه مؤسسات الدولة.
وبالرغم من قتامة المشهد، يرى البعض أن استعادة الثقة ممكنة، لكنها تتطلب من القيادات السياسية العودة الحقيقية إلى أرض الواقع، والاعتراف بالأخطاء، وتجديد النخبة، والتوقف عن مخاطبة الناس من الخارج بلغة مفرغة من أي التزام حقيقي.
مقارنات دائمة
ولعل أكثر ما يثير غضب اليمنيين، إلى جانب تصريحات المسؤولين على منصات التواصل واستعراض صورهم، هو الطريقة التي يعيشيون بها مقارنةً بحال المواطنين أنفسهم.
فبينما تقبع المدن الرئيسية، وفي مقدمتها تعز والعاصمة المؤقتة عدن، في ظلام دامس وتعاني العائلات من انقطاع المرتبات وانهيار التعليم وشح الوقود، يتنقل المسؤولون بين الفنادق والعواصم المختلفة، من الرياض إلى أبوظبي والقاهرة، ويتقاضون مرتباتهم بالدولار شهريًا دون انقطاع، كما تقيم عائلاتهم في مساكن راقية مزوّدة بكل سبل الراحة.
وغالبًا ما يذكر اليمنيون المسؤولين بالحال الذي يعيشونه، وهم يتقاسمون رغيف الخبز مع أطفالهم في ظل انقطاع المرتبات منذ سنوات، وينتظر المرضى في المستشفيات الحكومية قارورة أوكسجين أو جرعة دواء لا تصل.
الطرقات هي الأخرى وسيلة للمقارنات التي برزت خلال الحرب، وغالبًا ما يشير النشطاء عند نشرهم صور الحوادث المرورية إلى أحاديث المسؤولين التي يطلقونها من داخل الصالات المكيّفة وتنقلهم في سيارات فارهة، في وقت يُجبر فيه المواطن العادي على المشي أو التكدس في سيارات متهالكة للوصول إلى مقاصدهم، إن استطاع دفع أجرة الطريق.
وهكذا، تحولت هذه المفارقة الصارخة إلى عامل أساسي في تعميق السخرية، حتى فقد اليمنيون قدرتهم على تحمّل خطابات تُلقي باللوم على الظروف الدولية أو الانقلاب، في حين أن ممثلي الشرعية أنفسهم يعيشون في عزلة مريحة بعيدًا عن كل المعاناة التي يتحدثون عنها.