تقارير

إنهاء انقلاب مليشيا الحوثي.. كيف سيعزل إيران داخل حدودها؟

05/11/2025, 10:25:01
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص

تمثل مليشيا الحوثيين حاليا بوابة الفوضى الإيرانية في المنطقة بعد تراجع دور بقية أطراف المحور الإيراني، إذ تواصل تصعيدها السياسي والتلويح بالخيار العسكري داخليا وخارجيا، ففي الداخل تدفع بتعزيزات عسكرية إلى مختلف الجبهات، وتنفذ، من حين لآخر، هجمات مباغتة على بعض مواقع الجيش الوطني، كما تنفذ محاولات اختراق في بعض الجبهات. 

وأما خارجيا، فإنها تهدد بقصف الأراضي السعودية، وتلوح بمعاودة استهداف الملاحة في البحر الأحمر، كما تواصل حشد وتعبئة مقاتلين جدد بذريعة الاستعداد لمواجهة إسرائيل، رغم أنها توزعهم في جبهات الداخل، فضلا عن استمرارها في تهريب السلاح من إيران، والتنسيق مع التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي.

وبموازاة ذلك، تنفذ المليشيا حملات اعتقال واسعة في مناطق سيطرتها، تشمل أكاديميين ومدرسين ووجاهات اجتماعية وقيادات وأعضاء في أحزاب سياسية ومدنيين بسطاء بتهم مختلفة، من بينها التجسس والاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962م، كما اختطفت عددا من موظفي المنظمات الإغاثية والإنسانية الدولية، وتعتزم محاكمة بعضهم بتهمة التجسس، في تصعيد آخر يفاقم مناخ القمع والتوتر الداخلي.

يأتي هذا التصعيد بعد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إذ كانت المليشيا تنفذ هجمات رمزية مستهدفة الكيان الإسرائيلي بذريعة مساندة القضية الفلسطينية، بينما الهدف الرئيسي هو تحقيق مكاسب سياسية في الداخل توظفها لصالح مشروعها الإمامي، والآن وجدت المليشيا الحوثية نفسها في حالة فراغ تسعى لملئه في جبهات أخرى كانعكاس لنهجها القائم على إدامة الحروب دون توقف إلا استعدادا لجولات صراع متتالية.

علاوة على ذلك، تواصل المليشيا نهجها في ترهيب المجتمع وعسكرته وتخويفه وجعله في حالة من القلق والترقب المستمر، وصرفه عن المطالبة بتوفير خدمات عامة أو صرف رواتب الموظفين، بالإضافة إلى تحميله فاتورة الحرب والتصعيد المستمر، من خلال فرض الإتاوات والجبايات على التجار والمزارعين ومؤسسات القطاع الخاص، فتنعكس تلك الجبايات على الأسعار التي يتكبدها المواطن البسيط وتذهب لصالح الحوثيين.

- عواقب التلاعب بالملفات الأمنية

عندما تدخل التحالف السعودي الإماراتي في اليمن عسكريا بمبرر دعم السلطة اليمنية الشرعية للقضاء على الانقلاب الحوثي، كانت قوة الحوثيين محدودة، حتى بعد أن ورثوا معظم القوة العسكرية التي كانت تتبع الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، ولم يكن لديهم صواريخ باليستية أو طائرات مسيرة يصل مداها إلى قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة أو إلى أي مدينة خليجية.

وبعد مضي عشر سنوات على ذلك التدخل، كانت نتيجته عكسية تماما، إذ أصبح بإمكان مليشيا الحوثيين إطلاق صواريخ باليستية أو طائرات مسيرة إلى أي دولة من دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، وهو ما يعكس فشل الرياض وأبوظبي في التعاطي مع انقلاب مليشيا الحوثيين من منظور إستراتيجي أوسع يضع في قائمة أولوياته أمن اليمن والخليج والبحر الأحمر، وليس من منظور مشاريع جانبية ضيقة غير مضمون تحقيقها وثباتها، أو مؤامرات حتى في حال تحققها فإن عوائدها لا تمثل شيئا يُذكر قياسا بالخطر المستدام الذي سيشكله الحوثيون ومن ورائهم إيران على أمن الإقليم والملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، وكذا أمن مصادر الطاقة في الخليج.

فالسعودية، مثلا، ترى في الإبقاء على مليشيا الحوثيين كطرف رئيسي فاعل في اليمن ذريعة لتواجدها العسكري في البلاد بهدف تحقيق حلم قديم يتمثل في الحصول على منفذ بحري يطل على البحر العربي لتصدير النفط من خلاله، وهذا حلم، أو هدف، بالإمكان تحقيقه بطرق قانونية وفق اتفاقيات مع الحكومة اليمنية، وستكون عوائده كبيرة ومضمونة ولا تثير أي إشكاليات قانونية أو متاعب وتوترات سياسية، وقد يتطور الأمر مستقبلا إلى حرب بين البلدين الجارين في حال تم تحقيق ذلك بالقوة.

كما أن الإبقاء على مليشيا الحوثيين كذريعة لتحقيق هذا الهدف ستكون نتائجه عكسية أيضا من جوانب أخرى، فالمليشيا ستظل تهدد السعودية بقصف أراضيها ومنشآتها النفطية، وستظل تهدد بتعطيل الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر وإغلاق مضيق باب المندب، فضلا عن تهديد أي منفذ بحري تنشؤه السعودية في الأراضي اليمنية بالقوة.

وهذه التهديدات ستفرغ أي منفذ بحري للسعودية في حضرموت أو المهرة من أهميته، ذلك أن أي تصدير للنفط عبره سيتوقف في حال هدد الحوثيون بإغلاق مضيق باب المندب أو معاودة استهداف السفن التجارية، وبالتالي فإن أي ناقلات نفط تنطلق من موانئ حضرموت أو المهرة ستكون مضطرة للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، باستثناء الناقلات التي ستتجه شرقا، وستكون السعودية مضطرة لتصدير نفطها للدول الغربية عبر الطرق التقليدية التي تمر عبرها صادرات النفط حاليا، أي عبر موانئ المملكة المطلة على البحر الأحمر.

وكذلك فيما يتعلق بدعم الرياض وأبوظبي لانفصال جنوب اليمن، فإن الانفصال، في حال تحققه، سيثير توترات جنوبية بينية وسيحيي ثارات مناطقية قديمة لم يخمد أوارها بعد وستتطور إلى مواجهات عسكرية، كما سيثير الانفصال توترات أخرى مع الحوثيين في شمال اليمن، وهذه التوترات ستظل تؤثر على أمن اليمن والخليج وعلى أمن البحر الأحمر، وستتسبب باستنزاف مستمر لجميع الأطراف الداخلية والخارجية.

فضلا عما سيسببه ذلك من الحاجة الدائمة لشراء أسلحة حديثة كلما تبين أن هناك أخطارا وتحديات جديدة تقتضي مواجهتها، لا سيما في حال ظهر لدى الحوثيين أسلحة إيرانية حديثة ذات قدرات تدميرية هائلة وقدرة على تجاوز أحدث الدفاعات الجوية، بمعنى أن استمرار انقلاب الحوثيين أو تثبيت حكمهم في شمال اليمن مقابل انفصال الجنوب، سيمنحهم الوقت الكافي لمراكمة قوتهم العسكرية وتهديد الجميع في الداخل والخارج.

هذا التنامي لقوة الحوثيين يمثل نتيجة طبيعية لعبث السعودية والإمارات بالملفات الأمنية في جوارهما الإقليمي. ورغم أن تراكم قوة الحوثيين لسنوات أخرى سيزيد من حدة الأخطار على أمن اليمن وأمن الخليج بشكل عام، فإن الرياض وأبوظبي لم تفيقا من مؤامراتهما على اليمن بعد، ويبدو أنهما لن تفيقا من غفلتهما إلا عندما تشاهدان خطر الحوثيين واقعا في عمق أراضيهما، وتصل شظايا صواريخهم وطائراتهم المسيرة إلى عمق الأراضي السعودية والأراضي الإماراتية.

- إنهاء الانقلاب الحوثي كضرورة أمنية

لا يبدو أن مليشيا الحوثيين ستتوقف عن تهديد مختلف الأطراف المحلية والأجنبية، خصوصا في ظل استمرار التوتر الإقليمي الذي تثيره إيران، وانخراط المليشيا في ذلك التوتر. وبما أن المليشيا الحوثية تخشى من أن يكون مصيرها مثل مصير بقية مكونات المحور الإيراني، فإنها ترى أن التصرفات الجنونية وتهديد الجميع، مع تكثيف حملات القمع الداخلي، تعد أفضل وسيلة حاليا للدفاع الاستباقي والحرب النفسية ضد الخصوم، والإيحاء بأنها قوية، وأنه بإمكانها إلحاق أضرار بالجميع.

قد تعكس التهديدات الحوثية المتواصلة حالة ضعف وارتباك تمر بها نتيجة للعديد من العوامل وترى في تلك التهديدات إعطاء صورة مغايرة لحقيقتها حاليا، لكن لا يعني ذلك أنها ستظل في دائرة التهديد فقط، أو أنها قد تستسلم لخصومها بسهولة في حال تم الترتيب لمعركة واسعة ضدها، وإنما ستتعمد إيذاء خصومها بما لديها من أسلحة نوعية وغيرها، ولن تتورع عن قصف المدن الآهلة بالسكان بالصواريخ والطائرات المسيرة، سواء كانت الأوضاع في حالة سلم أو حرب، أو حالة اللاسلم واللاحرب.

ونظرا لأن المليشيا الحوثية تتبنى العنف كنمط حكم وسلوك يومي، مع استمرار تهديد الجميع، فإن ذلك سيجعل أمن المنطقة في حالة من عدم اليقين، خصوصا في حال أن إيران وحزب الله استعادا عافيتهما، أو أن إيران امتلكت السلاح النووي ونجحت في تهريب تلك التكنولوجيا إلى مناطق سيطرة أتباعها، وهو ما سيؤثر على أمن الطاقة وتدفقاتها، وأمن التجارة، وحتى السياحة. وكلما استشعر الحوثيون أنه بإمكانهم الاستمرار في إثارة التوتر دون ردع حازم، فإن ذلك سيغريهم بالاستمرار في تهديد الجميع.

وعطفا على ذلك، فإن إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة يعد الشرط الأساسي لتحقيق الأمن في اليمن والخليج والبحر الأحمر، والتخلص من التعبئة الدائمة والتهديدات التي تثيرها المليشيا الحوثية، فهي وإن لم تر في الحرب وسيلة لتحقيق جميع أهدافها، لكنها ترى فيها أداة تفاوضية رابحة من خلال السلوك التصعيدي المتكرر.

وإذا لم يتم دعم الحكومة اليمنية الشرعية لإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة، وتم الإبقاء على المليشيا الحوثية كقوة مسلحة تسيطر على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات شمال البلاد لسنوات مقبلة، فإن الخطر على اليمن والخليج وأمن الطاقة والتجارة الدولية سيظل دائما ولا يمكن التنبؤ به بمساراته. ومع احتمال تصاعد التسلح والتدريب للحوثيين، فإن تهديداتهم ستصبح أكثر قدرة وفتكا مع الوقت، وهذا لا يعني أنهم سينتصرون في نهاية المطاف، وإنما كلفة القضاء عليهم ستكون كبيرة.

- عزل إيران عبر القضاء على وكلائها

لا يمكن النظر إلى الخطر الإيراني بمعزل عن أذرعه ووكلائه، فإيران لا تقاتل بشكل مباشر، وإنما تدير حروبها بالوكالة عبر مليشيات طائفية في عدد من الدول العربية، ولذلك فإن القضاء على مليشيا الحوثيين، بعد تراجع دور بقية وكلاء إيران، يمثل خطوة أساسية نحو عزلها إقليميا، وتجريدها من أدوات النفوذ والابتزاز التي تعتمد عليها لإثارة التوتر وتهديد أمن اليمن والخليج والبحر الأحمر.

فإيران لا يمكنها المغامرة لخوض مواجهات مباشرة مع جيرانها، وإنما تراهن على مليشياتها الطائفية لتوسيع نفوذها وابتزاز جيرانها، وإذا تم تحييد تلك المليشيات وتجريدها من قوتها، فإن إيران ستجد نفسها معزولة داخل حدودها، بلا أدوات ضغط خارجية، ولن يكون لديها مبرر أو قدرة على تهديد أحد، لأن كل خطوطها الخارجية تقوم على وجود الوكلاء وليس على قوتها المباشرة.

وبخصوص إمكانية تحقيق السلام في الإقليم دون القضاء على المليشيات الطائفية، فالتجارب السابقة أثبتت أن لا صفقات مضمونة مع إيران أو مليشياتها، فكل التفاهمات التي تعقدها سرعان ما تنهار أمام أول فرصة للابتزاز أو التوسع، إذ لا تؤمن طهران إلا بسياسة التمدد والتهديد المستمر، ولهذا فإن أي رهان على التهدئة المؤقتة أو التسويات الجزئية مع الحوثيين أو غيرهم لن يحقق الأمن، وإنما سيمنح إيران وقتا إضافيا لإعادة ترتيب صفوفها وبناء شبكات نفوذها من جديد.

ورغم تعدد الأنظمة في المنطقة العربية، لكنها تعيش حالة من التجانس في المصالح والأهداف، باستثناء إيران ومليشياتها التي تمثل الخطر الحقيقي والمستمر على أمن الإقليم، إذ لا توجد دولة أخرى تشاركها هذا السلوك العدائي الممنهج تجاه جيرانها. فإيران هي الطرف الوحيد الذي يهدد أمن الخليج بكامله، من خلال تطوير برامجها العسكرية، ودعمها للمليشيات الطائفية التي تعيق استقرار دول المنطقة وتعرض الملاحة والطاقة والتجارة الدولية للخطر المستمر.

- الحوثيون.. عداء مفتوح مع الجميع

إن الإبقاء على مليشيا الحوثيين يعني بقاء مضيق باب المندب والبحر الأحمر عرضة للاضطراب الدائم، ويعني أيضا استمرار حالة القلق الأمني في اليمن والخليج على السواء، لأن مليشيا الحوثيين في حالة عداء مفتوح مع الجميع، داخليا وخارجيا، بل ومع المجتمع الذي تسيطر عليه، إذ تمارس ضده القمع والتجويع والإرهاب، وتحول حياة الناس إلى سجن كبير.

وإذا كان الحوثيون بهذه الدرجة من العداء بترسانتهم الحالية المحدودة، فكيف سيكون حالهم إن امتلكوا أسلحة أكثر فتكا أو حصلوا على تدريب نوعي متقدم؟ إن الدور الإيراني في تمكين الحوثيين ما زال قائما، من خلال الإمداد بالسلاح والتدريب والتخطيط، وهو جزء من إستراتيجية ثابتة تقوم على إدارة الصراع عبر الوكلاء وليس عبر الجيوش النظامية.

وعليه، فإن الطريق إلى أمن اليمن والخليج والبحر الأحمر يمر عبر إنهاء الانقلاب الحوثي ومحاصرة المليشيات الطائفية التابعة لإيران في المنطقة ومنعها من النهوض مجددا، لأن القضاء على الوكلاء هو الضمانة الحقيقية لعزل إيران وتحويلها إلى دولة منغلقة داخل حدودها، بلا أذرع أو أدوات تهديد، وبذلك تستعيد المنطقة توازنها وأمنها واستقرارها الدائم.

تقارير

الإصلاحات الاقتصادية  للحكومة.. ترحيب حذر ومخاوف من التعقيدات

لاقى إعلان مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن خطة الإصلاحات الاقتصادية ترحيباً وجدلاً واسعين في الأوساط الاقتصادية، وسط تحذيرات من عدم إمكانية تنفيذ الخطة بسبب تعقيدات المشهد السياسي، وانتشار الفساد، ويتوازى ذلك مع مخاوف شعبية من تبعات بعض الإجراءات على الأوضاع المعيشية والقوة الشرائية للسكان.

تقارير

من الحرب إلى إعادة صياغة المجتمع.. تقرير أممي يفضح مشروع السيطرة الناعمة لمليشيا الحوثي

كشف تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات في مجلس الأمن، أن ميليشيا الحوثي انتقلت من مرحلة المواجهة العسكرية إلى مرحلة إعادة هندسة المجتمع اليمني، من خلال السيطرة على مؤسسات الدولة، وتقييد الفضاء المدني والإعلامي بما يؤدي إلى بناء نظام اجتماعي خاضع كلياً لسلطتها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.