تقارير
أوضاع المتقاعدين في زمن الحوثي.. جحيم لا يُطاق
يعيش المتقاعدون في المحافظات غير المحررة حالةً إفقار بالغة البِؤس، بسبب إيقاف عملية صرف مرتباتهم التقاعدية من قِبل مليشيا الحوثي منذ قرابة 6 سنوت.
عملت المليشيا على نهب ومصادرة كل المبالغ المالية من البنك المركزي وصندوقي التقاعد، التي كانت مخصصة كمعاشات للمتقاعدي (مدنيين وأمنيين وعسكريين).
وتشتت هؤلاء المُسنون لمواجهة بُؤس ظروف العيْش والمعاناة في جحيم لا يُطاق، بعد أن أفنوا أجمل سني العمر في خدمة البلد والناس، من كافة المؤسسات والهيئات الرسمية.
يقول المتقاعد محمد معيض لموقع "بلقيس": "كنت موظفا برئاسة الوزراء بعد ما جاء الحوثي قطع راتبي، ما معي مصدر دخل ثانٍ أعيش مع أسرتي، بهذلونا ورجعت أعمل هنا مع أحد بائعي القات، ما قدّروا خدمتي للدولة أكثر من 35 سنة".
أوقفت مليشيا الحوثي رواتب المتقاعدين، مطلع العام 2017، برغم أن اشتراكاتهم، البالغة نحو تريليوني ريال، كانت مودعة باسم الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء.
القانون يعتبر أموال التقاعد خاصة لا يحق لأحد التصرّف بها، طبقاً للمختص وليد محمد يحيى في هيئة التأمينات أثناء حديثه لموقع "بلقيس".
- حياة بلا تأمين
تفاقمت الأزمة الإنسانية في اليمن، وانزلق ملايين المواطنين نحو خط الفقر، بمن فيهم المتقاعدون، الذين يصل عددهم في الهيئة العامة للتأمينات 124.51 رجالاً ونساء، إضافة إلى المسجلين في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وصندوقي التقاعد العسكري والداخلية والأمن.
عدد من المتقاعدين المدنيين والعسكريين في صنعاء شكوا لموقع "بلقيس" بقولهم: "حقنا المعاشات كانت في البنك والحوثيون نهبوها، صحيح أنها قليلة لكنها المصدر الوحيد لتأمين لقمة العيْش لأسرنا".
وأشاروا إلى أنهم يتجرّعون مرارة الحياة واللادولة في ظل بطش وظلم كبير في شتّى مجالات الحياة في مناطق سيطرة الحوثي.
الباحث والناشط مروان الصبري يقول لموقع "بلقيس": "المتقاعدون أكثر فئة وظيفية تضررت من انقطاع صرف المرتّبات، ليسوا قادرين على ممارسة أي عمل بحكم سنهم الكبير، لجأ كثير منهم إلى التسوّل أو العمل في مهن بسيطة، من أجل تأمين لقمة العيْش لأسرهم".
- معاناة لم يعتادوها
لم يألف المتقاعدون طبيعة الأوضاع الراهنة، ولم تناسبهم تعقيداتها البالغة، التي ألقت بهم في عالم من الشقاء والبُؤس، برغم اختلاف فوارق المستويات المعيشية لدى البعض، إلا أن الحرمان وحّد معاناتهم جميعاً على ضفاف الشتات.
وبحثاً عن النجاة من الموت جوعاً أو فقراً، بدد بعضهم كل ما اكتسبوا، أو ما جمعوا من مدّخرات خلال سنوات العمل، إذ هدت الأيام قوّتهم وألقت بهم خُطة الحوثي الاقتصادية إلى النّهب والسطو في دروب الجحيم.
يقول المتقاعد ناشر أحمد الضبي (66 عاماً) لموقع "بلقيس": "بعد ما قطعوا معاشي التقاعدي إلى اليوم، بعت كل الأشياء التي اكتسبتها لما كنت موظف، حياتي وحياة أُسرتي مهددة بالموت من الجوع، ما أفعل؟ لا أقدر أشتغل ولا أعمل حاجة".
وكانت مليشيا الحوثي -منذ انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد أواخر العام 2014- قد صادرت جميع الأموال والممتلكات الخاصة بصندوقي التقاعد الأمني والعسكري بصورةٍ شاملة.
- سطو ممنهج
تشير مصادر تأمينية رسمية إلى أن المتقاعدين في اليمن يصل عددهم إلى أكثر من نصف مليون متقاعد مدني وعسكري وأمني، حرموا من معاشات التقاعد، أغلبهم يعيشون في المدن الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي.
الخبير في مجال التأمينات، علي سيف داؤود، يقول لموقع "بلقيس": "كانت الهيئة العامة للتأمينات أكبر مؤسسة مالية في اليمن، لديها استثمارات في معظم المشاريع العملاقة، وتملك أصولا ضخمة، لكن الحوثيين استولوا على أرصدتها المالية وممتلكاتها، نهبوها كلياً، وقطعوا معاشات التقاعد، وأوقفوا كل استثمارات الهيئة".
لم يُستثنَ المتقاعدون من البطش والنّهب الذي تمارسه مليشيا الحوثي بحق السكان، إذ حوّلت واقعهم إلى مأساةٍ شديدة، وتوفير الاحتياجات إلى حُلم بلا تحقيق.