تقارير

باب موسى الأثري .. ذاكرة مدينة تعز المجهدة

10/12/2020, 09:46:42

قناة بلقيس - هشام سرحان

يشيخ "باب موسى" الأثري في تعز، كما يتهدده الانهيار، ويتداعى جسده المنهك، وتتصدع بنيانه، وتتساقط أحجاره تباعاً، كما تتغضن ملامحه، وتوغل التجاعيد وندوب الحرب الداخلية في بنية هذا المعلم التاريخي القديم، الذي شيّده الرسوليون، وأهملته سلطات اليوم، بعد مئات السنين من الحضور، وتشكيل هوية وذاكرة المدينة، التي أضحت اليوم مجهدة ومنسية، ما يجعلها تغفو بُعَيد صحوٍ طويل.

ويبدو اليوم ككهل أنهكته الأيام وعاديات الزمن، وغزاه الشّيب، وألمّ به الإهمال، كحال الكثير من الآثار في مدينة تعز، وغيرها من المُدن اليمنية. 

ويتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذه، وترميم وإصلاح ما أفسدته الاشتباكات المسلحة، التي دارت مطلع مارس من العام 2019، في المدينة القديمة، بين فصائل مسلحة تابعة للمقاومة وقوات الحكومة الشرعية من جهة وأتباع القيادي السلفي المدعوم إماراتياً عادل عبده فارع (أبو العباس) من جهة أخرى.

وألحق ذلك أضراراً بليغة، ودماراً ملحوظاً بالباب، جراء تعرّضه لنيران الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ما دفع العديد من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي إلى التحذير، مؤخراً، من انهياره وسقوطه على رؤوس المارّة، ومن مغبّة تجاهل ذلك.. كما تحدثوا عن وضعه الحرج، وتداولوا بشكل واسع صوراً تظهر الواقع المأساوي للبوابة العريقة، والحجم الحقيقي للمخاطر المحدقة بها.

في حضرة التاريخ

وتفاعل مهتمون وإعلاميون ومثقفون مع الموضوع، متطرّقين لتاريخ "باب موسى" وأهميته، ومكانته، ورمزيته، والأدوار التي لعبها خلال مراحل زمنية مختلفة، كما لفتوا إلى قيمته التاريخية والثقافية والسياحية.

إنه -في نظرهم- ليس مجرد باب عادي، إنه هويّة وجُزء من ثقافتهم، وذكرياتهم، وموروثهم، ومنه مرّ الحُكام، والساسة، والعسكر، والتجار، والباعة، والسياح، والرحّالة، كما عبر منه "الرسوليون" و"الطاهريون" و"العثمانيون" والأئمة والثوار والجمهوريون، واتسع لمواكبهم وقوافلهم وخيولهم وعرباتهم. 

وفي حين يحتل شُهرة واسعة، داخل البلاد وخارجها، تحظى هذه الإيقونة الأثرية باهتمام وإعجاب: السياح، والأطباء، والصحفيين، والدبلوماسيين، والرحّالة الأجانب، والذين زاروا مدينة تعز خلال سنوات متفرّقة من القرن الماضي، ووثّقوا لزياراتهم، كما التقطوا صوراً ل"باب موسى" واحتفظوا بها منذ عقود، لينشروها خلال السنوات الأخيرة، ما يدلّ على المكانة التي يحتلها الباب، والذي يُذكر كُلما ذكرت تعز.

ويعرف سكان المكان وزائروه أنه معلم أثري، ووجهة سياحية مشهورة، على الصعيدين (المحلي والدولي)، لكن القليل من يدركون أنه ليس مجرد بوابة للعبور من وإلى المدينة القديمة، كما يعون جيداً أنهم في حضرة التاريخ، وعُمق ذاكرة المدينة، وواجهتها الأشهر على مستوى البلاد. 

ويتنفسون نكهة الماضي، متماهين مع روحانية المكان، التي تأخذهم بعيداً إلى حيث ماضيهم وإرثهم العامر بدفء التفاصيل والذكريات وحكايات الأجداد وشجون السياسة والحكم والتجارة والدفاع والأمن ومراقبة الوضع من نوبات حراسة، كان يقبع فيها "عكفي وبورزان".

ذاكرة مجهدة

ويطيل المواطن المسنّ عبد الرحمن الحبشي النّظر إلى "باب موسى" الأثري (أحد أبرز أبواب المدينة القديمة في تعز) وما حلّ به، فتنتابه الحسرة على الحال التي آل إليها أبرز وأشهر المواقع الأثرية في المدينة. 

ويقول لموقع "بلقيس" -متأوهاً- "الباب مهدد بالسقوط، ولم نلمس تحركاً لإنقاذه".. ثم يستذكر أوضاعه، وكيف شكَّل -سابقاً- واجهة لجذب السيّاح الأجانب، الذين كانوا يتوافدون إليه، ويُبدون إعجابهم به ويلتقطون صوراً له. 

ويضيف "في الأول سقطت عدد من الأحجار في أحد جوانبه، ثم سقط الجزء العلوي بالكامل من العقد، الخاص بالجهة الخارجية".

وطال دمار وخراب الحرب الدائرة في البلاد، للعام السادس على التوالي، إلى جانب التجاهل المتعمّد، عشرات المعالم التاريخية والمُدن الأثرية القديمة، والتي يتجاوز عُمرها مئات، وربّما آلاف السنين.

وتعرّضت الآثار والمواقع الأثرية في تعز، منذ العام 2015، لهجمة شرشة، تنوعت أساليبها ما بين: النهب، والقصف، والتفجير، والنّبش، والعبث، ما ألحق دماراً مُرعباً بتلك المعالم المنهكة بعوامل التعرية والإهمال المتعاقب على مدى عقود.

وتعيش اليوم وضعاً بالغ السّوء في مشهد

يبعث على الوحشة في نفس الزائر أو المقيم، ويثير دهشته، وهو يتطلّع إلى: تاريخ مُعاق، وذاكرة مدينة مغيّبة، وقصة ماضٍ غير مكتملة، وروحانية مكان مسلوبة، وذكريات متوارثة، خبتت جذوتها، ولم يتبقَّ منها سوى شجون عابرة، تحوم في أفق صار بلا نكهة.

وتتوارى الكثير من شواهد الحالمة، كما تشارف آثارها على الاندثار، وفقاً لباحثين ذكروا لموقع "بلقيس" أنها لن تصمد كثيراً، وذلك في مدينة كانت غنيّة ب: أبوابها، وقبابها، ومأذنها، ومدارسها، وقلاعها، وحصونها، ونوباتها، وسواقيها، وطرقها القديمة، وأضرحتها التي شكلت روح اليمن وتعز، وجمالها الأصيل منذ أمد بعيد. 

بين الأمس واليوم

ويقول الباحث في الآثار منير طلال لموقع "بلقيس": "باب موسى الأثري مهدد بالسقوط، لتعرّضه للأضرار، جراء الحرب الأهلية، أو الاشتباكات التي دارت مؤخراً، بين فصائل محسوبة على المقاومة، وتعرّض لقذائف، ولم يتمْ ترميمه حتى اللحظة".

وتستمد منه تعز بهاءها وألقها وفخرها، حسب طلال الذي يضيف: "يعد الباب أحد الأبواب الرئيسية والهامة للمدينة القديمة، التي صمدت حتى الآن، وإذا انهار فإنه لم يبقَ للمدينة ما تعتزّ به، كونها بدأت تفقد الكثير من آثارها وتراثها".

ويعتبر تجاهل وإهمال "باب موسى" الذي شُيّد في عهد الدولة الرسولية، التي حكمت اليمن، واتخذت من تعز عاصمة لها خلال الفترة " 626 – 858 هـ / 1229 – 1454 م"، جريمة كبيرة جداً.

وتم توسعته في عهد الدولة العثمانية، حيث كان الباب ضيقاً وملتوياً ومطلاً على منطقة لم تكن مأهولة بالسكان، وعندما توسعت المدينة أمر الوالي العثماني، محمود باشا، بتوسعته بما يتناسب مع احتياجات السكان، ويسمح بإدخال العربات والجمال والخيول.

ويتابع "يُنسب الباب إلى القاضي موسى بن أحمد بن عجيل، والذي تم تعيينه قاضياً في تعز بالعهد الرسولي، وعاش فيها ومات، كما دفن بالقرب من الباب، وعلى مسافة قصيرة، حيث تتواجد قبته حتى اليوم، لكنها مهملة، ومنها جاءت تسمية باب موسى". 

ولعب الباب، الذي يطلّ على طريق المخا، أدوراً مختلفة خلال العصور، التي عاشتها تعز، بدءا بالعهد الرسولي والطاهري والعثماني، مروراً بدخول الأئمة الزيدية إلى المدينة، في عهد المطهر بن شرف الدين، وما تلاه في التاريخ المعاصر، واندلاع الثورة وغيرها، ما يجعل الباب شاهداً حياً على تلك المآثر التاريخية، التي شيّدت قديماً، ومازالت ماثلة حتى اليوم، حد تعبير طلال .. والذي لفت إلى استخدام نوبات الباب لأغراض دفاعية، ومراقبة الأعداء، وحركة الدخول والخروج من المدينة. 

شجون مكان

ويذكر أن "باب موسى" لم يحظ مع غيره من أبواب المدينة باهتمام وعناية خاصة، من قبل السلطات المحلية، إذ تم تحويله إبان الحرب من مركز للتراث الشعبي إلى قسم شرطة، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يكون مكاناً تراثياً وشبيهاً بالمتحف، ويتم الحفاظ على كل معالمه. 

ويتكون الباب من نوبتين، وفي الوسط بوابة خشبية ضخمة، كما توجد في أعلى الباب غُرف، من المرجّح أنها كانت سكناً للجنود، وهي مرافق متواجدة في "الباب الكبير" بتعز، و"باب اليمن" بصنعاء، وغيرها من الأبواب المتواجدة في باقي المدن اليمنية والبلدان الأخرى. 

واستخدمت النوبات للحراسة والإشراف على فتح الباب وإغلاقه بشكل يومي، كغيره من أبواب المدينة، والتي كانت تغلق كل مساء، وتعلن حالة الطوارئ، التي عرفها الناس ب"اليسك"، وهي كلمة تركية تعني "ممنوع الدخول". 

وعلى جانبي الباب توجد غرف، تم تأجيرها من قبل مكتب الأوقاف، وكانت مقراً للعسكر، الذين كانوا يقومون بنفخ آلة موسيقية معدنية ذات ثلاثة مخارج، وتُعرف "البورزان"، وذلك في وقت الفجر، لإعلام الناس بموعد فتح الباب، كما يطلقونها بعد صلاة المغرب، لإعلان موعد الإغلاق، فيتسابق سكان المدينة نحو الداخل، ويسارع المقيمون خارجها للخروج.

تقارير

لحم العيد يغيب عن فقراء اليمن .. كيف أصبح الكيلو يساوي نصف راتب؟

في أحد أحياء مدينة عدن القديمة، جلست أم يوسف، وهي أرملة خمسينية، أمام بسطة صغيرة تبيع عليها أعواد البخور وبعض الخردوات، وبيدها آلة حاسبة تحاول من خلالها “حساب المستحيل”: كم يتبقى من راتب ابنها الجندي بعد دفع إيجار المنزل وفاتورة الماء؟ وهل يمكن أن تشتري نصف كيلو لحم لأطفالها في عيد الأضحى؟

تقارير

"ليس بيدنا شيء".. كيف يمكن قراءة تصريحات طارق صالح بشأن الحوثيين؟

أثار تصريح أدلى به طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد ما يسمى بالمقاومة الوطنية، موجة واسعة من الجدل في الشارع اليمني، حيث ألمح في تصريحه إلى عجز سلطته عن مواجهة مليشيا الحوثي قائلا، إن أمريكا دخلت اليمن وخرجت بلا نتيجة، ونحن لا نستطيع أن نحارب الحوثي لأنه ليس بيدنا شيء.

تقارير

تسليح الجيش اليمني.. عقبات مزمنة وتحديات راهنة

مع امتلاك مليشيا الحوثيين لصواريخ باليستية وطائرات مسيرة يصل مداها إلى فلسطين المحتلة أو أي دولة خليجية، يتضح مدى اختلال موازين القوة الجوية بين مليشيا الحوثيين من جهة، والحكومة الشرعية والمكونات المناهضة للحوثيين من جهة أخرى، وهذا الخلل ما كان له أن يزداد عمقا لولا طريقة إدارة التحالف السعودي الإماراتي للأزمة اليمنية منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" وحتى اليوم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.