تقارير

بسبب الحرب.. هكذا يعاني أطفال اليمن من صدمات نفسية عميقة

20/10/2024, 08:23:17
المصدر : قناة بلقيس - خاص

أصوات الحرب المفزعة، وفراق أشقاء وأصدقاء قضوا برصاص الحرب، وذكريات تُركت للحاق بشتات النزوح، وقسوة أيامها المستمرة تبعات نفسية غير مباشرة للحرب، يحمل آثارها الأطفال في مختلف مناطق اليمن.

تحوّلت تلك التبعات إلى أمراض نفسية متعددة لم تحصل على حقها من العلاج، ويحملها الأطفال طيلة سنوات الحرب في البلاد، وتكبر وتتسع دائرتها يوما بعد آخر في ظل انعدام وعي الأهل بمعاناة أبنائهم، وشح شديد في قطاع الصحة النفسية في البلاد.

يقدّم مهيوب المخلافي -طبيب نفسي يُعد واحدا من 59 طبيبا نفسيا فقط في اليمن- خدمات متعددة في عيادته النفسية بالمركز الحكومي في محافظة مأرب.

يستقبل المخلافي فئات المجتمع المختلفة؛ لتقديم خدمات الصحة النفسية، في عيادته الوحيدة في وسط المحافظات الشرقية اليمنية، ويستقبل حالات من محافظات مأرب والجوف والبيضاء وشبوة.

يقول المخلافي لموقع "بلقيس" إنه كُلف من قِبل السلطة في مأرب بافتتاح عيادة نفسية؛ لتقديم العلاج النفسي للمواطنين، لكنه لم يستقبل حتى الآن الكم المتوقع من المرضى، ومحتاجي العلاج النفسي، بالقدر الذي تتسع فيه الأمراض النفسية في الأوساط المجتمعية، خاصة في ظل الحرب، والتأثير الكبير على مختلف شرائح المجتمع.

ويشير المخلافي -متأسفا- إلى أن "الوعي المنتشر لدى اليمنيين هو أن المريض -الذي يحتاج إلى العلاج النفسي- هو من بات يحتاج إلى القيود على أقدامه ويديه؛ لمنعه من قذف الناس بالحجارة، فقط".

واعتبر المخلافي ذلك "مشكلة معقّدة نواجهها اليوم في العيادة النفسية"، موضحا أن الناس يأتون بأبنائهم وهم في حالة يصعب علاجها نفسيا، دون حُقن دوائية، وذلك بفعل تراكم المرض الذي بدأ باكتئاب بسيط كان يمكن السيطرة عليه بسهولة لو وصل المريض إلى الطبيب مبكرا" -حسب قوله.

- خطر نفسي على الأطفال

من جهتها، تقول الطبيبة النفسية المتخصصة بالأطفال، نظرة العمري، إن الحرب تشكّل واحدة من أخطر الصدمات التي يعاني منها الأطفال في اليمن حاليا، حيث أثّرت على صحتهم النفسية، وحياتهم الاجتماعية، ومردودهم الدراسي.

وأضافت: "ظهرت لديهم مشكلات نفسية وصحية واجتماعية لم تظهر آثار مشابهة لدى الأطفال قبل الحرب الدائرة في البلاد".

وأوضحت العمري (التي تعمل أخصائية نفسية ضمن مشروع إنساني لإعادة تأهيل الأطفال المتأثرين بالحرب) أن القلق والخوف، والتوتر، والاكتئاب، وعدم الثقة بالنفس، والتبوّل اللا إرادي، والأحلام المُزعجة، وعدم التركيز، وتشتت الذهن، وانخفاض التحصيل العلمي، وعدم الرغبة بالحياة، وحب الانتقام، والأرق، وغيرها من الأمراض والسلوكيات غير الجيّدة ظهرت كنتائج للحرب لدى الكثير من الأطفال اليمنيين في مختلف المحافظات.

تقول العمري إن غياب وعي المجتمع والأسرة بتأثير الحرب على نفسيات الأطفال من أهم المشكلات التي تعمّق الأثر النفسي في الأطفال، موضحة أن ذلك زاد من معاناة الأطفال.

وأضافت: "المجتمع لا يعير اهتماما كبيرا لنفسية الأطفال ظنا منهم أنهم مجرد أطفال لا يتأثرون مثل الكبار، وأنهم سرعان ما ينسون ما مروا به من تجارب، وهذا زاد من معاناتهم النفسية".

وتابعت: "العكس، نجد أن الأطفال أكثر شريحة في المجتمع تأثرت بالحرب؛ نتيجة عدم قدرتهم على التعبير عمّا يدور بداخلهم من مشاعر كالكبار".

وأكدت العمري أن "ذلك يعكس مردودا سلبيا لدى الأطفال، سواء كان نفسيا أو سلوكا اجتماعيا وصحيا وتربويا".

- حالات نفسية خطيرة

تقول العمري إن عيادات الصحة النفسية، التي عملت فيها، ومركز تأهيل الأطفال المتأثرين من الحرب، استقبلت أطفالا يعانون من اضطرابات الصحة العقلية المختلفة مع أعراض خفيفة إلى شديدة، وكذلك القلق، ونوبات الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، والمشاكل السلوكية.

وبيّنت: "معظم المرضى يصلون وهم يعانون من حالات خطيرة -مثل؛ الاكتئاب الشديد، والذهان، والاضطراب ثنائي القطب- تتطلب علاجًا نفسيًا، بالإضافة إلى الرعاية النفسية".

وأشارت العمري إلى أن "سنوات الحرب الماضية أدت إلى تدمير المنازل، وخسائر في الأرواح، وتشريد آلاف السكان، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وكل تلك العوامل أثرت سلباً على الصحة النفسية للناس في اليمن".

ولفتت إلى أن "الكثيرين أيضاً يعانون من مشاكل وصدمات عائلية في أوساط الأطفال الذكور والإناث، على حدٍ سواء".

- 7 ملايين مريض

وخلال سنوات الحرب التسع الماضية، شهد اليمن ارتفاعا كبيرا في احتياجات الصحة النفسية، التي شكلت التراكمات المؤثرة؛ نتيجة الصراع والحرمان بشكل كبير على الصحة النفسية لليمنيين، لاسيما الأطفال، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وأشارت المنظمة -في تقرير لها- إلى أنه "رغم الاحتياج الكبير تظل الرعاية الصحية النفسية شحيحة في مختلف مناطق البلاد، التي يتعرض فيها المريض نفسيا لوصمة اجتماعية".

وبحسب تقرير الاحتياجات للعام الجاري، يعاني حوالي سبعة ملايين شخص في اليمن من الأمراض النفسية.. وهم بحاجة إلى الرعاية الصحية النفسية، لكن هناك فقط 120 ألف يمني فقط يمكنهم الوصول إلى خدمات الصحة النفسية - بحسب المنظمة العالمية.

- 59 طبيبا نفسيا فقط في اليمن

ورجّحت منظمة الصحة العالمية أن يكون معدل الانتشار الواسع للأمراض النفسية أعلى بين الفئات الضعيفة المحددة؛ مثل النازحين، والأطفال، والنساء، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأشخاص المصابين بأمراض غير مُعدية، والمجتمعات المهمّشة، والإصابات المرتبطة بالصراع، بما في ذلك الناجون من الألغام الأرضية.

تقول المنظمة الدولية إن "الحاجة إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي باتت تتزايد بسرعة، وأن الناس في اليمن يعانون من الصدمات، والمشاكل التي تفاقمت؛ بسبب العنف، والنزوح، والبطالة، والجوع، والفقر".

وأوضحت: "تظل هذه الاحتياجات الصحية من بين الاحتياجات الأكثر تعرضًا للوصم ثقافيًا والأقل أولوية".

ورغم تزايد الحاجة إلى الخدمة إلا أن هناك نقصا حادا في المُمرضات، والأخصائيين الاجتماعيين، والأخصائيين والأطباء النفسيين -بحسب منظمة الصحة العالمية.

وقدرت المنظمة أن عدد العاملين في الطب النفسي -في اليمن بأكملها- لا يتجاوز 59 طبيبا نفسيا فقط.

- 10 ملايين طفل دون صحة نفسية

تقول منظمة الصحة العالمية إن "10.76 ملايين طفل (فتاة وفتى) في اليمن يعانون من عدم قدرتهم على الوصول إلى الصحة العقلية، كما يعانون من انقطاع الوصول إلى التعليم الجيد، الذي يشكِّل مصدر قلق فيما يتعلق بالنمو المعرفي والعاطفي للأطفال".

وأضافت -في تقرير لها- "تشهد اليمن حربا واسعة بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية، منذ أواخر عام 2014، دمّرت البنى التحتية المختلفة، والكيان الاقتصادي للدولة، والنسيج الاجتماعي في البلاد، فيما لا تزال بوادر إيقافها غير واضحة الملامح حتى الآن، رغم الكلفة الواسعة التي دفعها المدنيون حتى اليوم؛ تبرز آثارها يوما بعد آخر، وما صحة الأطفال النفسية إلا واحدة من مشكلات لا حصر لها".

تقارير

لماذا يستمر الحوثيون في شن حربهم الاقتصادية ضد اليمنيين؟

تتفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية في اليمن، في ظل استمرار الانقلاب، حيث تنهب مليشيا الحوثي كافة مقدرات البلاد في مناطق سيطرتها، دون أن تعكسها على شكل خدمات، بل إنها تفرض الجبايات غير القانونية، الأمر الذي يفاقم من الأزمة الاقتصادية والإنسانية.

تقارير

مؤتمر "العهد الديمقراطي" في سراييفو.. هل يحقق العدالة في العالم العربي؟

في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية، التي تعصف بالعالم العربي، انعقد مؤتمر "العهد الديمقراطي العربي: خارطة طريق للديمقراطية العربية" في "سرايفو"، بحضور نخبة من المفكرين والسياسيين والناشطين العرب، المدافعين عن الديمقراطية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.