تقارير

بين ضغط واشنطن ووعيد تل أبيب.. كيف يستخدم الحوثيون حرب غزة لإعادة تموضعهم إقليمياً؟

20/05/2025, 08:26:52
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص

ازدادت حدة التصعيد بين مليشيا الحوثيين والاحتلال الإسرائيلي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 مايو الجاري، عن التوصل إلى اتفاق تهدئة مع الحوثيين، قائلا إنهم "استسلموا" وطلبوا من إدارته وقف الهجمات ضدهم مقابل وقف تهديداتهم للملاحة في البحر الأحمر وعدم استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.

وفي حين أبدت إسرائيل انزعاجها من الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين، فإن الحوثيين من جانبهم أعلنوا أن الاتفاق لا يشمل إسرائيل، وأن هجماتهم ضد أهداف إسرائيلية ستظل مستمرة، ويبدو أن تصعيدهم هذه المرة محاولة منهم للتشويش على طلبهم التهدئة مع واشنطن، حتى لا يُفهم أن الاتفاق يعكس هزيمتهم أو انهيار معنوياتهم أو تكبدهم خسائر فادحة ومؤلمة.

- توعد إسرائيلي

وبعد إطلاق الحوثيين لعدد من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة صوب أهداف إسرائيلية، إثر اتفاق التهدئة مع واشنطن، توعد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في 16 مايو الجاري، بتوسيع دائرة الرد العسكري لتشمل "قيادة الحوثيين والبنية التحتية التي تتيح لهم مهاجمتنا"، في حال استمرار هجماتهم باتجاه أهداف إسرائيلية، في حين هدد وزير دفاعه بتوجيه "ضربات موجعة" للحوثيين، مؤكدا أن عبد الملك الحوثي سيكون هدفا للتصفية الجسدية.

ومع أن المعطيات الحالية تشير إلى أن استمرار الهجمات ضد إسرائيل لن يكون له تبعات كبيرة بالنسبة للحوثيين، كون إسرائيل ليس لديها استخبارات ميدانية في مناطق سيطرتهم، وضرباتها في تلك المناطق تطال المؤسسات الخدمية والمدنية فقط، ولم تنجح في استهداف أي قيادي من القيادات العليا للمليشيا، لكن قد تحصل إسرائيل على معلومات استخباراتية من الولايات المتحدة تمكنها من توجيه ضربات موجعة للحوثيين.

وقد تعاود الولايات المتحدة الأمريكية استئناف عملياتها العسكرية ضد الحوثيين بعد انتهاء زيارة دونالد ترامب إلى بعض دول الخليج، الذي لوح قبل أيام بإمكانية استئناف العمليات العسكرية ضد مليشيا الحوثيين، في حال أقدمت على تنفيذ هجمات جديدة، في أعقاب اتفاق التهدئة الأخير الذي تم بوساطة عمانية. 

تلويح ترامب جاء بعد إعلان المليشيا الحوثية تنفيذ عدد من الهجمات التي قالت إنها استهدفت مطار "بن غوريون" ومطار "رامون"، بالإضافة إلى "هدفين حيويين" آخرين داخل إسرائيل، وتحدثت عن تصعيدها لإعاقة الملاحة الجوية في المطار الرئيسي بتل أبيب، كما هددت باستهداف ميناء حيفا.

مع العلم أن الهجمات الأمريكية الأخيرة ضد الحوثيين، قبل اتفاق التهدئة بين الجانبين، جاءت بعد إعلان الحوثيين استئنافهم الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، مما دفع واشنطن (إدارة ترامب) إلى المبادرة بتوجيه ضربات عنيفة ومتواصلة ضد الحوثيين استمرت 50 يوما، بهدف إجبارهم على وقف تهديداتهم للملاحة البحرية، وهو ما تم بالفعل.

من الواضح أن الهجمات الأمريكية تلك كانت ردا على إعلان الحوثيين استئناف هجماتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي إثر انهيار الهدنة في قطاع غزة، وبالتالي فالهجمات كانت تهدف إلى إجبار الحوثيين على وقف هجماتهم ضد إسرائيل وضد السفن التجارية في البحر الأحمر أيضا، بيد أن اتفاق التهدئة الذي استثنى إسرائيل، يعزز من صحة الفرضية بأن واشنطن أرادت من وراء ذلك الاتفاق تأمين زيارة ترامب إلى المنطقة، خصوصا بعد أن أبدى الحوثيون رغبتهم في التهدئة.

وربما أن وساطات عدة مهدت الطريق لذلك وليس الوساطة العمانية فقط، ورغم أن الاتفاق تم بعد تلقي واشنطن رسائل من الحوثيين يطالبون فيها بوقف الهجمات ضدهم، فإن مساعي التهدئة كانت قد بدأت في وقت سابق ولم تنجح إلا بعد توالي الضربات الأمريكية على مواقع حوثية يبدو أنها حساسة مما كبدهم خسائر فادحة.

- تحول في الخطاب الإسرائيلي

لا تتهاون دولة الاحتلال الإسرائيلي في مسألة أمنها، ويكون ردها قويا ضد أي تهديدات فعلية، ولوحظ في الآونة الأخيرة تحول في خطابها ضد الحوثيين، فرئيس الوزراء الإسرائيلي يتوعد بتوسيع دائرة الرد العسكري لتشمل قادة الحوثيين وبنيتهم التحتية التي تتيح لهم مهاجمة دولة الاحتلال، ووزير دفاعه أعلن عزمه توجيه "ضربات موجعة" للحوثيين، مشيرا إلى أن عبد الملك الحوثي سيكون هدفا للاغتيال أو التصفية.

هذه التصريحات النارية تعكس انزعاجا إسرائيليا واضحا من الهجمات الحوثية حتى وإن كانت بلا جدوى عسكرية ولا يترتب عليها قتل جنود أو مستوطنين صهاينة أو خسائر عسكرية أو مدنية، وتقتصر الكلفة فقط على ثمن التصدي لها وما تخلفه من خوف لحظي في أوساط مواطنيها عند إطلاق صفارات الإنذار.

غير أن التهديد باستهداف قيادات حوثية، وفي مقدمتهم زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، يثير تساؤلات عن جدية النوايا الإسرائيلية، في ظل غياب سوابق مشابهة أو مؤشرات ميدانية على قدرة دولة الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليات دقيقة في مناطق سيطرة الحوثيين.

فمنذ يوليو 2024 وحتى منتصف مايو الجاري، نفذت دولة الاحتلال ثماني عمليات جوية في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين، لكنها ركزت على موانئ ومصانع ومحطات كهرباء، مما يعكس افتقار إسرائيل لاستخبارات ميدانية فعالة، وبالتالي كان البديل انتهاج سياسة استنزاف محدودة بدلا من إستراتيجية شاملة لضرب المليشيا.

وهذه السياسة لا تردع الحوثيين، بل تغريهم بمواصلة الهجمات على إسرائيل ولكن بشكل مدروس وحذر، وهذا ما تدركه إسرائيل، التي توظف التهديدات كأوراق ضغط إعلامية تهدف إلى طمأنة الداخل الإسرائيلي وردع الخصم لإبقاء الهجمات ضمن حدود معينة، دون الحاجة إلى تدخل بري أو عمليات اغتيال لقيادات تتخفى وتغير أماكنها باستمرار.

- لماذا يواصل الحوثيون هجماتهم؟

لا يمكن فصل هجمات الحوثيين ضد الاحتلال الإسرائيلي عن سياق العلاقة التي تربطهم بإيران، الداعم العسكري والسياسي الأبرز لهم. وبما أن مليشيا الحوثيين ما زالت الرابح الوحيد من بين أذرع إيران في المنطقة منذ بدء التصعيد الإقليمي في أعقاب عملية 7 أكتوبر 2024، فإن إيران ستظل تدفع بالحوثيين للتصعيد المدروس ضد إسرائيل للإيحاء بأن محورها ما يزال على قيد الحياة، على أمل خلق حالة من الاستنزاف لإسرائيل عبر ساحات غير متوقعة، لا سيما بعد انهيار حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

من جانبهم، يأمل الحوثيون أن تمكنهم هجماتهم ضد إسرائيل من تحقيق مكاسب في أكثر من مسار داخليا وخارجيا، وأن تمكنهم أيضا من تجاوز صورتهم كجماعة محلية منخرطة في نزاع داخلي بتوصيفات سلبية (مليشيا سلالية عنصرية انقلابية)، والارتقاء إلى موقع الفاعل الإقليمي المؤثر، على أمل أن يمنحهم ذلك شرعية في الداخل وشعبية في أوساط الجماهير العربية.

أي أن هجمات الحوثيين ضد إسرائيل، وإن كانت بلا جدوى إستراتيجية تعود على القضية الفلسطينية، لكنهم يعتقدون أنها ستمنحهم نقاطا سياسية في الداخل والخارج، وستعزز سرديتهم كقوة "ممانعة"، كما يمكن أن تمنحهم أوراق تفاوض في أي تسوية قادمة، سواء على مستوى اليمن أو الإقليم.

ورغم خطاب الحوثيين المفعم بالثقة والتحدي، حتى بعد الضربات الأمريكية التي أثرت على قدراتهم العسكرية جزئيا، فإنهم يدركون حجم المخاطر المرتبطة باستهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فهجماتهم حذرة ومدروسة، كما أظهرت تقارير إعلامية أنهم شددوا من الإجراءات الأمنية حول قياداتهم، تحسبا لأي عمليات اغتيال إسرائيلية، خصوصا بعد التهديدات العلنية التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون بشأن تصفية قيادات في المليشيا وفي مقدمتهم عبد الملك الحوثي.

ورغم البعد الجغرافي، فإن استهداف إسرائيل يظل مغريا سياسيا وإعلاميا للحوثيين، لكن دون الدخول في معركة وجودية مباشرة، خشية من أن يعرضهم ذلك لضربات قد تهدد هيكلهم السياسي والعسكري، ولذلك فإنهم يميلون إلى سياسة "الاستفزاز المحسوب"، التي تكفل لهم الحضور والمكانة، دون التورط في مواجهات تخرجهم من معادلات التوازن القائمة، فإسرائيل تبدو من منظور الحوثيين هدفا رمزيا أكثر من كونها عدوا مباشرا، يتم استهدافه ضمن هامش محسوب.

وفي ضوء ما سبق، لا يبدو أن مآلات التصعيد بين الحوثيين والاحتلال الإسرائيلي ستصل إلى مستوى المواجهة الكاملة أو الاستهداف للقيادات العليا للمليشيا الحوثية، على الأقل في المدى القريب، فالعوائق الاستخباراتية، والقيود السياسية، والحسابات الإقليمية، كلها عوامل تسهم في ضبط إيقاع التصعيد ضمن مستوى يمكن التحكم فيه، وبذلك تظل الغارات والتهديدات جزءا من معركة محسوبة الأهداف، لا تسعى إلى الحسم بقدر ما تسعى إلى إدارة الأزمة واحتواء تداعياتها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.