تقارير
بين مخاطر الحرب وتكاليف الطريق.. رحلة الشتاء الشاقة لبرتقال مأرب
تكتسي مزارع مأرب -مع مطلع الشتاء- بفاكهة البرتقال التي تنتشر في أسواق المدن اليمنية.
تعد البرتقال فاكهة الشتاء المنتظرة، لكن الحرب جلبت معها معانات للمزارعين في موسم الحصاد؛ وأيضا صعوبة في إيصالها إلى مناطق البلاد المقطعة أوصالها، انعكس ذلك على مختلف شرائح المجتمع من خلال دفع التكلفة المالية.
محمد الحبيشي - سائق شاحنة يعمل في نقل البرتقال - يستعد لقطف فاكهة البرتقال، ونقلها إلى محافظة صنعاء، مع بداية موسم الشتاء الجاري في مزارع المحافظة الممتدة على طول واديها، الذي يلامس أطراف صحراء الربع الخالي.
يسارع الحبيشي، وهو يجني فاكهة البرتقال بطرق تقليدية وإلى جواره شابان آخرن، إلى ملء شاحنته بسلال البرتقال في مزرعة ممتدة وسط وادي المحافظة.
ينتظر متذوقو البرتقال المأربي والمُزارعون وأيضا التجار هذا الموسم؛ لكسب لقمة عيشهم.
- بين الحرب والسلم
يعمل الحبيشي منذ أكثر من خمسة عشر عاما في تجارة ونقل البرتقال من مزارع مأرب إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي؛ شمال وغرب البلاد.
يقول الحبيشي، لموقع "بلقيس"، إنه وناقلي فاكهة البرتقال يواجهون مشكلات متعددة: "المسافة، التي كنت اجتازها قبل الحرب من مأرب إلى صنعاء عبر الطريق الرسمي، ساعة ونصف بالشاحنة المتوسطة، اليوم نحتاج إلى عشر ساعات حتى نصل بالشاحنة إلى مدينة الحزم في محافظة الجوف".
يبلغ طول الطريق من مأرب إلى الحزم في الجوف حوالي 400 كم؛ عبر طريق بديلة ووعرة تمر عبر الصحراء.
وهناك طريق البيضاء - ذمار - صنعاء، يحتاج سائق الشاحنة إلى أربعة أيام -على الأقل- للوصول عبرها إلى العاصمة صنعاء.
- مخاطر كثيرة
يقول الحبيشي: "هناك مخاطر كثيرة تواجه سائقي الشاحنات في مناطق الصحراء، ومناطق التماس بين أطراف الحرب شرق مدينة الحزم (عاصمة محافظة الجوف) الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي".
وأضاف: "يواجه السائق عوائق ورمالا متحركة تعيق حركة الشاحنات، وأحيانا تؤدي إلى توقفها لأيام، مما يؤدي إلى تلف الخضروات والفواكه المحملة على متنها".
وأوضح: "ذلك يكلف تجار الفواكه مبالغ كبيرة قد تؤدي إلى إفلاسهم في بعض الأحيان".
طريق البيضاء - ذمار - صنعاء، التي فتحت مؤخرا، يقول عنها الحبيشي إنها منهِكة ماليا، وقد تكلّف التاجر قيمة حمولته.
بحسب الحبيشي، تكاليف نقل ومصروفات وإتاوات تدفع على مداخل المحافظات الثلاث، التي يمر بها خلال ثلاثة إلى أربعة أيام، وقد تصل إلى خمسة أيام.
ويضيف الحبيشي: "هناك مشكلات أخرى؛ قد تتعطل مكينة الشاحنة، أو تنفجر الإطارات، أو تتعرض الشاحنة للنهب والسرقة من قِبل مسلحين مجهولين في المنطقة أثناء الأعطال"، موضحا أن "المهندس قد يأتي إلى مكان توقفها في عمق الصحراء بعد يومين أو ثلاثة أيام".
- خسائر كبيرة
وأشار الحبيشي إلى أن قطع الطريق الرئيسي بين مأرب وصنعاء من قِبل طرفي الحرب كلّف تجار الفواكه خسائر كبيرة من حيث التأخير، واستهلاك محروقات إضافية لشاحنات النقل، ومصاريف الطريق، وقِطع غيار، ودفع إتاوات إضافية للنقاط العسكرية المنتشرة على طول الممر الصحراوي.
"هذا إذا لم تتعطل الشاحنة، وتتلف الفاكهة في ظل بقائها تحت حرارة الشمس مدة أسبوع"، يقول الحبيشي.
وأضاف: "سعر جالون الديزل (20 لترا) وصل إلى 26 ألف ريال يمني؛ فيما كان سعره قبل الحرب 3000 ريال يمني (الدولار الواحد = 2054 ريالا في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا)".
وتابع: "تحتاج الشاحنة المتوسطة من مأرب إلى صنعاء حوالي 13 جالونا من الديزل، وكل تلك التكاليف تُضاف قيمتها إلى قيمة فاكهة البرتقال، حيث يدفعها مكتملة ويتحمّلها المواطن اليمني".
- انقسام مصرفي
وبحسب الحبيشي، سعر سلة البرتقال الواحدة (عشرة كيلو جرامات) من المزرعة (تتراوح قيمة المزرعة الواحدة ما بين 15 و20 مليون ريال يمني) 12 ألف ريال في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، وتُباع في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي بمبلغ 5 آلاف ريال يمني (الدولار الواحد = 533 ريالا في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي).
ويرجع هذا الفارق في الأسعار إلى أن قيمة صرف الدولار في صنعاء ومناطق سيطرة مليشيا الحوثي تختلف عن قيمته في عدن ومناطق سيطرة الحكومة، وهو ما يعقّد حالة المعيشة بالنسبة للمواطنين والتجار.
- سلة غذاء اليمن
تعد محافظة مأرب -بالنسبة لليمنيين- سلة غذاء مهمة؛ حيث إنها تنتج الكثير من الخضروات والفواكه، تكتفي من خلالها السوق المحلية -بحسب مدير الإنتاج الزراعي في مكتب وزارة الزراعة والري اليمنية، أحمد العزيزي.
إجمالي ما تنتجه المحافظات اليمنية من البرتقال سنويا حوالي 120 ألفا و241 طنا -بحسب تقرير الإحصاء الزراعي لعام 2012- 74% منه تنتجه محافظة مأرب، حيث يقدّر حجم إنتاج مأرب السنوي بحوالي 130 ألف طن.
بالإضافة إلى ذلك، تحتل محافظة مأرب المرتبة الثالثة -بعد محافظتي الحديدة وصنعاء- في إنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة (يقدّر إنتاج المحافظة ب7,6% من الإنتاج الزراعي المحلي).
يقول العزيزي: "هناك مشكلة إضافية برزت بفعل الحرب، وهي إبقاء المزارعين فاكهة البرتقال في الأشجار؛ حتى لا يؤدي جنيها، في وقت واحد، إلى إغراق السوق، وقد يعود ذلك بخسائر كبيرة على المزارعين؛ بفعل كثافة العرض وقلة الطلب، وصعوبة نقل الفاكهة إلى محافظات أخرى".