تقارير
دراسة: المساعدات الاجتماعية في اليمن رهينة الصراع والفساد
كشفت دراسة حديثة أن المساعدات في اليمن أصبحت جزءًا من الصراع القائم وأداة للتلاعب السياسي والاقتصادي في مناطق سيطرة مختلف الأطراف.
وأظهرت الدراسة، التي أعدها الباحث إبراهيم جلال فقيرة لصالح برنامج "أبحاث المساعدات"، أن مشهد المساعدات الاجتماعية في اليمن منقسم بشكل حاد بين مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا ومناطق سيطرة الحوثيين.
وأفادت الدراسة أن العمل الإنساني في مناطق الحوثيين يواجه قيودًا صارمة تشمل الحد من حركة العاملين الإنسانيين، خاصة النساء، واشتراط مرافقة محرم، وصعوبة الحصول على تأشيرات للعاملين الدوليين، وفرض ضرائب وإتاوات على مشاريع المساعدات، إضافةً إلى تهديدات أمنية واعتقالات تعسفية استهدفت أكثر من 70 موظفًا إنسانيًا منذ مايو 2024، وفق ما وثقته الدراسة.
وبحسب الدراسة، سيطر الحوثيون، حتى أكتوبر 2024، عبر "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية" على كامل عمليات المساعدات في مناطق سيطرتهم، بما في ذلك منح التصاريح واختيار المستفيدين ومتابعة المشاريع، قبل أن يحلوا المجلس وينقلوا صلاحياته لوزارة الخارجية التابعة لهم بهدف تحسين صورتهم أمام المجتمع الدولي، إلا أن الهياكل السابقة للمجلس لا تزال تعمل فعليًا على الأرض، وهو ما يزيد من صعوبة ضمان وصول المساعدات لمستحقيها الفعليين.
وكشفت الدراسة أن تدخلات الحوثيين أدت إلى توجيه المساعدات لدعم مقاتلي الجماعة وأسرهم، وتضمنت عمليات تعديل قوائم المستفيدين لاستخدام الدعم في تجنيد المقاتلين، بما في ذلك الأطفال، وهو ما يوثق كيف أصبحت المساعدات أداة لتعزيز الجهود العسكرية للحوثيين بدلًا من تخفيف معاناة المدنيين.
- دور رمزي ومحدود
في المقابل، وجدت الدراسة أن دور الحكومة اليمنية في تخطيط وإدارة المساعدات الاجتماعية ظل رمزيًا وضعيفًا، مع تضارب الصلاحيات بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتسبب ذلك في تعطيل منح التصاريح وتأخير تنفيذ المشاريع بسبب البيروقراطية والفساد وغياب التنسيق، وهو ما جعل المنظمات الدولية تعتمد بشكل أساسي على تنفيذ المساعدات عبر منظماتها وشركائها دون إشراك فعّال للوزارات اليمنية.
وأوضحت الدراسة أن المؤسسات الحكومية، خاصة الصندوق الاجتماعي للتنمية، كانت حتى وقت قريب من الكيانات القليلة القادرة على العمل في جميع مناطق اليمن عبر برامج التحويلات النقدية الممولة من البنك الدولي، لكنه بات مهددًا بفقدان استقلاليته نتيجة محاولات الحوثيين التدخل في إدارته وتعيين موالين لهم منذ يونيو 2024.
- أزمة تمويل حادة
ووثقت الدراسة تراجع حجم التمويل الإنساني لليمن بنسبة 56%، من 5.2 مليارات دولار في 2018 إلى 2.3 مليار فقط في 2024، ما أدى إلى تقليص عدد المستفيدين وخفض الحصص الغذائية إلى أقل من نصف المتطلبات اليومية لملايين اليمنيين.
وأشارت إلى أن قرابة 21.6 مليون شخص بحاجة إلى نوع من أنواع المساعدة الإنسانية في اليمن، فيما يعيش أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر.
- توصيات بإصلاحات جذرية
خلصت الدراسة إلى ضرورة تبني المجتمع الدولي والجهات المانحة نهجًا أكثر استدامة وإصلاحًا يركز على بناء القدرات المؤسسية للجهات الحكومية الشرعية، وتحسين التنسيق بينها، وتطوير أنظمة شفافة لإدارة المساعدات وبيانات المستفيدين، وإعادة تفعيل مؤسسات الرقابة والمساءلة في مناطق الحكومة لتقليل مخاطر الفساد والتلاعب السياسي.
وشددت على أهمية استمرار الدعم الإنساني المبدئي وتحييده عن الصراعات السياسية بما يضمن وصوله إلى الفئات الأكثر هشاشة، مع الاستثمار في إعادة بناء أنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية لتقليل الاعتماد طويل الأمد على المساعدات الخارجية.