تقارير
"دوافع مختلفة".. ما ارتباطات روسيا والصين مع الحوثيين؟
في الثاني من يوليو، استضاف نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وفدا من الحوثيين في موسكو.
ووفقا لتقرير وزارة الخارجية الروسية، ناقش بوغدانوف "تفاقم الوضع في البحر الأحمر"، والحاجة إلى حوار بين اليمنيين تحت رعاية الأمم المتحدة.
وفي الثامن من يوليو، أكد القائم بالأعمال الصيني في اليمن، شاو تشنغ، أن حكومته على اتصال بالحوثيين بشأن المخاطر التي يتعرض لها الشحن البحري في البحر الأحمر.
وربط الدبلوماسي الصيني أزمة البحر الأحمر بحرب غزة المستمرة، ودعا إلى "سلام فوري في غزة، ومساعدات إنسانية لمنع انتشار الأزمة".
وبالرغم من أن روسيا والصين تجريان حوارا مستمرا مع الحوثيين، إلا أن الدوافع التي تقوم عليها هذه الارتباطات تختلف بشكل ملحوظ.
وبما أن المصالح التجارية الروسية غير مهددة إلى حد كبير بسبب هجمات الحوثيين، تعرب روسيا عن تضامنها مع روايات الحوثيين حول العدوان الغربي، وترى في هذه الجماعة شريكا مستقبليا في صراع موسكو ضد حلف شمال الأطلسي (الناتو).
من ناحية أخرى، فإن انخراط الصين مع الحوثيين مدفوع بتخفيف التهديدات؛ لأنها تريد ضمان ألا تمتد الهجمات على السفن التجارية الغربية إلى الأصول البحرية الصينية.
يعتبر الحوثيون كلا من روسيا والصين شريكين ضد الأحادية الأمريكية، لولا أن لديهم علاقة أكثر حميمية مع موسكو.
- تضامن روسي متزايد مع الحوثيين
يعكس ارتباط روسيا الفاعل مع الحوثيين مواقفها الطويلة الأمد تجاه الحرب الأهلية اليمنية.
امتنعت روسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (الذي حث الحوثيين على التخلي عن الأراضي اليمنية الخاضعة لسيطرتهم ونزع سلاحهم من جانب واحد)، وانتقدت التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، وعارضت تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية في عام 2021.
وفي حين اعترضت روسيا بشدة على اغتيال الحوثيين للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، في ديسمبر 2017، فضلا عن اعتراضها على الضربات الصاروخية، التي شنها الحوثيون على أبو ظبي وجدة في أوائل عام 2022، إلا أنها كانت الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي الأكثر تصالحية تجاه جماعة الحوثي.
وتماشيا مع هذا النهج، تعارض روسيا الحل العسكري لهجمات الحوثيين على السفن التجارية.
قوبل إنشاء الولايات المتحدة لتحالف أمني متعدد الجنسيات في البحر الأحمر في ديسمبر 2023 بسخرية في موسكو.
وقال سيرغي بالماسوف، الخبير في معهد موسكو للشرق الأوسط، إن تحالف البحر الأحمر سيكون غير فعال على الإطلاق؛ لأن العملية البرية ستكون ضرورية لمواجهة إطلاق الحوثيين للطائرات المسيّرة والصواريخ.
عندما شنّت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات صاروخية على أهداف حوثية في 12 يناير الماضي، أدان السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، هذه الهجمات باعتبارها "عدوانا مسلحا صارخا" على اليمن.
وقد واجهت روسيا الأعمال العسكرية الغربية من خلال التواصل الدبلوماسي مع الحوثيين.
وفي 18 يناير الماضي، أشاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لقاء الحوثيين مع السعودية، ووصفه بأنه "مثمر"، وحذّر من أن استمرار الضربات الأمريكية والبريطانية سيجعل الجماعة المسلحة أقل استعدادا لتقديم تنازلات.
وفي حين رفض لافروف الالتزام بإجراء مزيد من المحادثات الروسية مع الحوثيين، استضاف بوغدانوف وفدا من الحوثيين، في 25 يناير، لمناقشة أمن البحر الأحمر.
لم تخفف التدخلات الدبلوماسية الروسية من سلوك الحوثيين، غير أنها جنبت سفنها من الأذى.
وبصرف النظر عن وقوع ضربة صاروخية حوثية عرضية على ناقلة ترفع علم بنما تحمل نفطا روسيا في 13 يناير، التي سقطت على بُعد 500 متر من الهدف، تفادت السفن الروسية الهجمات.
وتؤكد سخرية المعلق القومي المتطرف سيرغي ماردان الذي قال إن "السفن التي تحمل النفط الروسي وحدها ستمر قريبا عبر قناة السويس" ثقة روسيا في أن سفنها البحرية محصنة من هجمات الحوثيين.
مع تدهور العلاقات بين روسيا والغرب إلى مستويات غير مسبوقة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وصف القوميون الروس المتطرفون الحوثيين بأنهم قوى مقاومة معادية للغرب.
ففي 3 يوليو الماضي، شارك ألكسندر دوغين منشورا يدعي فيه إن تعبيرات من قبيل "شجاع كحوثي" و"أنا حوثي في الصميم، يمكنني فعل ذلك" ستصبح سائدة قريبا في روسيا.
وردا على إعطاء الدول الغربية الضوء الأخضر لاستخدام أوكرانيا للأسلحة التي زودها بها حلف شمال الأطلسي لضرب أهداف في شبه جزيرة القرم المحتلة وروسيا، حثّ كل من المذيع التلفزيوني فلاديمير سولوفيوف وماردان الرئيس فلاديمير بوتين على تسليح الحوثيين.
وفي حين أن هذه المخاطر كانت حتى الآن في معظمها مجرد تهديدت، ادعى مسؤول أمريكي كبير مؤخرا أن بوتين يخطط بتزويد الحوثيين بصواريخ كروز مضادة للسفن.
وبعد زيارة بوتين إلى الرياض، في شهر ديسمبر الماضي 2023، أعرب ولي عهد، محمد السعودي بن سلمان، عن معارضته لتسليح روسيا للحوثيين، ويقال إنه تم إلغاء هذه الخطة. يوضح الحادث أن التعاون الروسي الحوثي مقيّد بالخطوط الحمراء السعودية.
- التخفيف من حِدة الخطر الحوثيين
منذ أن أعرب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن دعمه للوحدة اليمنية، خلال زيارته إلى الرياض في يناير 2016، قدمت الصين دعما خطابيا للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
وبسبب هذا الموقف، كان سجلها في التعامل مع الحوثيين محدودا أكثر من روسيا.
ومع ذلك، ففي وقت مبكر من ديسمبر 2016، استضافت الصين مسؤولين حوثيين في بكين لمناقشة آفاق التسوية السلمية في اليمن. كان هذا الاجتماع متوترا، حيث أعربت بكين عن قلقها إزاء قرار الحوثيين تشكيل حكومة من الموالين لها في صنعاء بدلا من حكومة وحدة شاملة. لم يؤدِ انحسار الأعمال العدائية النشطة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين في مارس 2022 إلى تغيير حسابات الصين.
وفي حين وقع الحوثيون مذكرة تفاهم، في شهر مايو 2023، مع شركة "أنطون أويلفيلد" الصينية للاستثمار في التنقيب عن النفط قبالة الساحل اليمني، سارعت شركة أنطون إلى إلغاء هذا الاتفاق.
وبسبب علاقة بكين المضطربة مع الحوثيين، كانت قلقة من إمكانية استهداف سفنها التجارية. وستكون هذه نتيجة كارثية بالنسبة للصين، حيث تعتمد على قناة السويس لنقل 60٪ من صادراتها إلى أوروبا، كما أن إعادة الانعطاف حول رأس الرجاء الصالح تزيد بشكل ملحوظ من تكاليف الشحن الصينية.
بصرف النظر عن إطلاق الحوثيين خمسة صواريخ باليستية مضادة للسفن على السفينة هوانغ بو المملوكة للصين، التي ترفع علم بنما في مارس 2024، تفادت الصين حتى الآن الهجمات على أصولها البحرية.
وبينما تصر وزارة الخارجية الصينية على أن الحوثيين لم يمنحوا السفن الصينية ضمانات أمنية صارمة، تفادت بكين السيناريو الأسوأ.
وقد خففت الصين من هذه المخاطر من خلال الخطاب الحذر ودبلوماسية الظل.
وفي 4 يناير، شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، على أهمية حماية السفن المدنية، لكنه لم يلوم الحوثيين على تصعيد أزمة البحر الأحمر.
وفي 10 يناير، انضمت الصين إلى روسيا والجزائر وموزمبيق في الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722، الذي أدان هجمات الحوثيين "بأشد العبارات".
كما تعارض الصين التوصل إلى حل عسكري لأزمة الشحن في البحر الأحمر. وفي حين لم تنضم الصين إلى روسيا في الإدانة الصريحة للضربات الأمريكية والبريطانية على الحوثيين، إلا أن بيانهما المشترك الصادر في 14 يناير مع جامعة الدول العربية يشدد على الحاجة إلى "احترام سيادة اليمن وسلامة أراضيه".
وحذّر تانغ تيتشاو، وهو أكاديمي في معهد بكين لدراسات غرب آسيا وأفريقيا، من أن "العمل العسكري الأمريكي هو بمثابة صب الزيت على النار، مما قد يؤدي إلى تصعيد الأزمة الأمنية في البحر الأحمر إلى صراع إقليمي".
وبالرغم من أن البحرية الصينية رافقت سفن الشحن الصينية التي تمر عبر البحر الأحمر والمياه الصومالية، إلا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع تشانغ شياو قانغ أكد على الطبيعة الروتينية لهذه التدريبات في 29 فبراير.
على عكس استضافة روسيا العلنية للمسؤولين الحوثيين، اعتمدت الصين على التواصل الثنائي السري مع الحوثيين لتأمين سفنها التجارية.
وقد ربطت بكين مثل هذه المبادرات بالتواصل مع طهران بشأن الحاجة إلى حماية السفن الصينية. هذا النهج المنفصل يمنع الصين من لعب دور في خفض التصعيد في الأزمة الأمنية الأوسع في البحر الأحمر، بالرغم من أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية طلبتا مساعدتها.