تقارير

سنوات الغليان.. حال اليمن عشية اندلاع ثورة 11 فبراير 2011

11/02/2022, 07:40:05
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد

لم تكن ثورة 11 فبراير 2011 فعلا ترفيا منكرا للواقع، كما يحاول خصومها تصويرها، وإنما كانت رد فعل شعبي طبيعي على الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد حينها. فعندما اندلعت الثورة، كان السخط الشعبي على النظام الحاكم قد بلغ ذروته، بينما كانت شرعية النظام تتآكل، كما أن الثورة لم تكن نتيجة للتدافع السياسي الذي كان سائدا حينذاك بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة (اللقاء المشترك)، لأن الثورة رفعت مطالب متقدمة لم تكن قد وردت في خطاب أحزاب المعارضة، ولم يكن النظام الحاكم يتوقع أن أحدا سيرفعها في وجهه.

لقد أسهمت العديد من العوامل في اندلاع الثورة بدون ترتيب مسبق أو قيادة منظمة، حتى وإن سبقها غليان شعبي ومظاهرات كانت تسيّرها أحزاب المعارضة من حين لآخر ضد النظام الحاكم قد تكون مهدت الأرضية لتلك الثورة، لكن أحزاب المعارضة لم تدعُ للثورة، والتحقت بها بعد نحو نصف شهر من اندلاعها، كما تأثرت ثورة شباب اليمن بثورات الربيع العربي في تونس ومصر ولاحقا في سوريا وليبيا وما رفعته من شعارات تطالب بإسقاط النظام ورفض مشاريع توريث السلطة وتأبيدها، باعتبار ذلك المدخل الرئيسي للتغيير السياسي الشامل، خصوصا أن البلدان التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي اتسمت جميعها بحكم فردي عائلي، والتمهيد لمشاريع توريث السلطة في مصر وليبيا واليمن، بعد نجاح مشروع التوريث في سوريا قبل ثورات الربيع العربي بسنوات عدة.

وخلال السنوات الأخيرة، زاد خصوم ثورة 11 فبراير من حدة هجومهم عليها، محملين شباب الثورة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع حتى اليوم، ويعكس ذلك تحاملا على الثورة لا يستند إلى أي دليل منطقي، لأن المرحلة الانتقالية التي تلت الثورة كانت على وشك أن تنقل اليمن إلى مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والأمني والنمو الاقتصادي وتحسن الوضع المعيشي، وكان النموذج اليمني يعد نموذجا ملهما لبقية بلدان ثورات الربيع العربي وجرى تداوله على نطاق واسع، لكن عملية التغيير الوشيكة أفسدها تحالف الرئيس السابق علي صالح مع الحوثيين والانقلاب على السلطة الشرعية وعلى التوافق السياسي، ضمن مؤامرات ومعادلات إقليمية معقدة للقضاء على ثورات الربيع العربي (الثورات المضادة).

وأما أسباب اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، فهي في مجملها تعكس واقع الحال الذي كانت قد وصلت إليه اليمن عشية اندلاع الثورة، ويمكن إيجاز أهم ذلك فيما يلي:

- عدم الاستقرار الدستوري:

رغم أن ثورة 11 فبراير كانت نتيجة تراكمات السخط الشعبي ضد نظام علي صالح وفساده وفشله، لكن الانقلاب الثاني على الدستور -إن جاز التعبير- من قِبَل حزب المؤتمر الحاكم، في ديسمبر 2010، كان بمنزلة القشة التي كسرت ظهر النظام الحاكم، بسبب محاولته تمرير تعديلات دستورية تمهد لإعادة انتخاب علي عبد الله صالح رئيسا لليمن مدى الحياة وتوريث السلطة من بعده لنجله أحمد. 

وقد رفض نواب المعارضة المشاركة في الجلسة التي عقدها البرلمان اليمني في 1 يناير 2011، وذلك احتجاجا على التعديلات الدستورية التي وافق نواب الأغلبية من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم على بدء مناقشتها وإحالتها إلى لجنة فرعية من أجل مزيد من الدراسة، على أن تتم المصادقة عليها في غضون ثلاثين يوما، أي في 1 مارس وفقا للدستور المعمول به، واعتصم نواب المعارضة أمام البرلمان رافعين لافتات كُتب عليها "لا لإعادة الانتخاب، لا لتوريث السلطة"، وأخرى تقول "الأول من يناير يوم القضاء على دستور الجمهورية".

لم تكن تلك المحاولة الأولى للحزب الحاكم لتمرير تعديلات دستورية لأجل التمديد لعلي صالح في السلطة، إذ سبق ذلك تعديلات مماثلة لذات الغرض، وتعد تعديلات ديسمبر 2010 بمنزلة الانقلاب الثاني الرجعي على الدستور، لأجل التمديد لعلي صالح في السلطة والتهيئة لمشروع التوريث، فبدت ظاهرة عدم الاستقرار الدستوري مقلقة، وكانت من أبرز الأسباب التي جعلت السخط الشعبي يبلغ ذروته وبالتالي اندلاع ثورة 11 فبراير.

بدأت لعبة التعديلات الدستورية فيما يتعلق بالفترات الرئاسية منذ تسعينيات القرن الماضي، وكان الدستور المصادق عليه في استفتاء شعبي، في منتصف مايو 1991، قد نص على أن تكون مدة أعضاء مجلس الرئاسة (القيادة الجماعية) خمس سنوات، ولم يحدد عدد المرات التي يمكن فيها للشخص الترشح لعضوية مجلس الرئاسة أو رئاسته. وحدد دستور أكتوبر 1994 خدمة رئيس الجمهورين بفترتين رئاسيتين فقط، مدة كل واحدة منها خمس سنوات فقط.

وكان من المفترض -وفقا لدستور عام 1994- أن تنتهي فترة رئاسة علي صالح لليمن في عام 2003، لكنه -أي علي صالح- تقدم بطلب تعديل للدستور في عام 2001، وبطريقة تكفل مد فترة خدمة الرئيس من خمس سنوات إلى سبع سنوات، وجعل الفترة الأولى من خدمة الرئيس تبدأ من عام 1999 وليس من عام 1994، ويمكن وصف ذلك بأنه الانقلاب الأول الرجعي على الدستور، تلاه الانقلاب الرجعي الثاني في أواخر 2010 وبداية 2011، وكان عدم الاستقرار الدستوري والتلاعب بالدستور لأجل تأبيد علي صالح في السلطة وتوريثها لنجله أحمد من أهم أسباب اندلاع ثورة 11 فبراير.

- الفساد المالي والإداري وتدهور الخدمات العامة:

كان تنامي الفساد في عهد الرئيس علي صالح من أبرز أسباب تراكم السخط الشعبي ضده، ومن مظاهر الفساد حينها تركيز السلطة في أقارب الرئيس وأبناء منطقته على حساب مبدأ الكفاءة ومبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ التمثيل المتساوي لليمنيين، حيث سيطر أقارب الرئيس وأبناء منطقته على المناصب العسكرية الحساسة في القوات المسلحة والأمن، وفي المناصب الاقتصادية الهامة، وفي المناصب الرئيسية في المحافظات والمديريات، والمواقع الدبلوماسية الهامة، والمناصب الرئيسية في الجهاز المدني، يضاف إلى ذلك توريث المناصب العامة للأبناء، والاستيلاء على الممتلكات العامة، وممارسة المسؤولين للتجارة بالمخالفة للدستور والقوانين النافذة.

ووفقا لعالم السياسة الأمريكي والمتخصص في الشؤون اليمنية والمدرس السابق بجامعة واشنطن، روبرت بيروز، فإن النظام القائم في الجمهورية اليمنية قد تطور خلال عقدين من الزمن (العقد الأول كان في ظل الجمهورية العربية اليمنية) إلى نوع من نظام حكم القلة هو "الكلبتوكراسي"، والتي يعرفها بيروز بأنها "حكم اللصوص باللصوص وللصوص"، حيث تكونت طبقة صغيرة من المشايخ والضباط ورجال الأعمال تتمتع بقيمها ودوافعها وثقافتها السياسية المختلفة عن قيم ودوافع المجتمع اليمني، وتمكن أفراد تلك الطبقة الصغيرة -من خلال سيطرتهم على المواقع الحكومية التي تتدفق من خلالها الإيرادات (النفطية على وجه الخصوص) والمعونات الخارجية- من الإثراء الشخصي على حساب التنمية والأهداف الأخرى.

وقال بيروز، في ورقة بعنوان "اليمن واقتصادها السياسي وجهود مكافحة الإرهاب"، في 25 فبراير 2005: "لقد استخدمت تلك الفئة الصغيرة من المحظوظين مواقعها في الدولة لتحصيل ثمن ما تقدمه من خدمات وما تمنحه من تراخيص. وعلى مشارف القرن الواحد والعشرين تقوم تلك الطبقة بتوريث مواقعها للجيل الثاني بكل ثقة ودون أي درجة من التساؤل حول أحقيتها في تلك المواقع، وهذه المجموعة الصغيرة من السكان تستحوذ على أكبر قدر ممكن مما يمكن الاستحواذ عليه وقبل أن يتغير الوضع، ودون اعتذار".

ويمثل غياب الدولة الحديثة، وفق بيروز، سببا ونتيجة لتطور نظام الحكم العسكري-القبلي الحالي (نظام حكم علي صالح) الذي يحكم قبضته بشدة على اليمن، فغياب الدولة مكن هذا النوع من حكم القلة من التطور والحفاظ على السلطة ثم البدء بنقلها إلى الجيل الثاني من هذه المجموعة، وبدورها فإن تلك القلة عملت على استخدام سلطتها في الدولة لمعارضة وإضعاف محاولات بناء الدولة وعلى نحو أخص تلك الجهود المتعلقة بإحلال معيار الكفاءة محل معيار الولاء ومحاربة الفساد.

- عسكرة القبيلة وقَبْيَلَة الجيش:

لم يقبل اليمنيون أن يستمر نظام علي صالح في بناء قوات الجيش والأمن وفق أسس عائلية بحتة، وكان ذلك من بين أبرز أسباب اندلاع ثورة 11 فبراير، حيث اعتمد علي صالح، منذ صعوده إلى السلطة عام 1978، على قوات الجيش والأمن كأهم عامل لحماية كرسي الحكم، ولأجل ذلك فقد تم إعطاء المناصب الحساسة والمواقع الرئيسية في الجيش والأمن لإخوانه وأبنائه وأبناء إخوانه وأقاربه وأبناء منطقته (سنحان)، وظل يعمل على تصفية الجيش من العناصر غير الموالية له ولعائلته، واقتصر التجنيد في الجيش على القبائل الموالية وأحيانا بواسطة تزكية مشايخ القبائل، وأنفق علي صالح معظم موارد البلاد لصالح الجيش على حساب التنمية. 

- الطفرة الشبابية وتراكم الاحتجاجات: من العوامل التي مهدت لثورة 11 فبراير، ما يمكن وصفه بـ"الطفرة الشبابية"، حيث يمثل الشباب في المرحلة العمرية من 15 إلى 30 عاما أكثر من ثلث سكان البلاد، ومعظم هذه الفئة السكانية عانت من البطالة والفقر والجوع واليأس من تحسن الأوضاع، وكثير منهم من خريجي الجامعات الذين لم يحصلوا على وظائف، ومن حصلوا على وظائف يعانون من تدني الرواتب، ولأن هذه الفئة العمرية عانت من البطالة والتهميش الاقتصادي والإقصاء السياسي، فقد كانت في مقدمة الفئات التي أشعلت الثورة والمحركة لها، علما أن الثورة سبقتها احتجاجات شعبية متراكمة كانت تطالب بالقضاء على الفساد والفقر والبطالة وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية، ونظرا لأن تلك الاحتجاجات قوبلت بالإهمال أو القمع من قبل النظام الحاكم، فقد تراكم السخط الشعبي إزاء تلك الأوضاع حتى انفجرت ثورة 11 فبراير 2011 الشبابية الشعبية السلمية.

تقارير

لحم العيد يغيب عن فقراء اليمن .. كيف أصبح الكيلو يساوي نصف راتب؟

في أحد أحياء مدينة عدن القديمة، جلست أم يوسف، وهي أرملة خمسينية، أمام بسطة صغيرة تبيع عليها أعواد البخور وبعض الخردوات، وبيدها آلة حاسبة تحاول من خلالها “حساب المستحيل”: كم يتبقى من راتب ابنها الجندي بعد دفع إيجار المنزل وفاتورة الماء؟ وهل يمكن أن تشتري نصف كيلو لحم لأطفالها في عيد الأضحى؟

تقارير

"ليس بيدنا شيء".. كيف يمكن قراءة تصريحات طارق صالح بشأن الحوثيين؟

أثار تصريح أدلى به طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد ما يسمى بالمقاومة الوطنية، موجة واسعة من الجدل في الشارع اليمني، حيث ألمح في تصريحه إلى عجز سلطته عن مواجهة مليشيا الحوثي قائلا، إن أمريكا دخلت اليمن وخرجت بلا نتيجة، ونحن لا نستطيع أن نحارب الحوثي لأنه ليس بيدنا شيء.

تقارير

تسليح الجيش اليمني.. عقبات مزمنة وتحديات راهنة

مع امتلاك مليشيا الحوثيين لصواريخ باليستية وطائرات مسيرة يصل مداها إلى فلسطين المحتلة أو أي دولة خليجية، يتضح مدى اختلال موازين القوة الجوية بين مليشيا الحوثيين من جهة، والحكومة الشرعية والمكونات المناهضة للحوثيين من جهة أخرى، وهذا الخلل ما كان له أن يزداد عمقا لولا طريقة إدارة التحالف السعودي الإماراتي للأزمة اليمنية منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" وحتى اليوم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.