تقارير

ضحايا الرِّبح.. مرضى يدفعون ثمن تواطؤ الأطباء وشركات الأدوية

20/05/2025, 15:41:43
المصدر : خاص - بشرى الحميدي

قبل أشهر، لم يستطع سليم (20 عاماً) تحريك قدميه بعد أن أصيب بتدهور عصبي. تجمَّع حوله العديد من الأقارب، ونقلوه إلى عيادة طبيب في مدينة تعز؛ بحثاً عن الشفاء والدّواء.

بعد أن بدأت معاناة سليم من المرض، ظهرت معاناة أخرى: غلاء الأدوية واستغلال الطبيب.

أحد أقارب سليم تحدّث لموقع "بلقيس" عن تفاصيل محزنة، قائلاً: "في زيارتين فقط، دفعنا خمسة آلاف ريال كرسوم معاينة، ثم طلب الطبيب إجراء فحوصات بتكلفة 99 ألف ريال، ووصف أدوية تجاوزت قيمتها 350 ألف ريال".

المفاجأة، بحسب القريب، لم تكن فقط في التكلفة الباهظة، بل في أن الأدوية لم تكن متوفرة إلا في صيدليات محددة.

وعند محاولة شراء بدائل أرخص من شركات أخرى، كان الطبيب يرفض ويصرّ على أن "هذا النوع من العلاج أقوى"، في إشارة واضحة إلى تمسكه بأنواع معيّنة دون النظر إلى ظروف المريض أو كفاءة البدائل.

وأضاف: "في البداية صدقناه، وذهبنا لأكثر من صيدلية نبحث عن الأدوية التي وصفها، لكنه كان يرفض أي بديل".

وتابع: "لاحقًا، اكتشفنا أنه يتعامل مع شركة تمنحه نسبة من مبيعات تلك الأدوية، خصوصًا وأن الوصفات كانت تتكرر بنفس الأسماء التجارية".

-ممارسات غير أخلاقية

ما واجهه سليم ليس حالة فردية، بل جزءٌ من ظاهرة متفشية، حيث تُربط الوصفات الطبية أحيانًا باعتبارات تجارية تتجاوز مصلحة المريض، وفقًا لصيادلة في اليمن.

أحد الصيادلة أشار إلى وجود ممارسات وصفها بـ"غير الأخلاقية" من قِبل بعض الأطباء وشركات الأدوية، وتؤثر هذه الممارسات بشكل مباشر على صحة المرضى، وتضع الصيدليات في مواقف حرجة.

وقال الصيدلي لـموقع "بلقيس" إن هناك اتفاقات بين بعض الأطباء وشركات دوائية، يُشترط فيها تصريف كميات معيّنة من أدوية محددة مقابل الحصول على مبالغ مالية، أو دعوات للمؤتمرات والسفرات، مؤكدًا أن هذه الظاهرة تهدّد نزاهة العمل الطبِّي، وتزعزع ثقة المرضى بالمنظومة الصحية.

وأضاف: "نواجه يوميًا حالات يُصرف فيها للمرضى أدوية بديلة فعّالة، لكن الطبيب يرفضها بحُجة أنها غير مناسبة، وأحيانًا يدّعي أن صرفها كان خطأ، أو يحذّر من أنها قد تؤدي إلى الوفاة، ما يدفع المرضى إلى العودة للصيدليات وهم في حالة غضب قد تصل إلى التهديد".

وأوضح: "ولاءات الأطباء تتغيّر بين الشركات في فترات قصيرة، ما يجعل المرضى ضحايا لهذا التلاعب".

ولفت إلى أن "هذه الظاهرة لا تقتصر على القطاع الخاص، بل امتدت إلى بعض المستشفيات الحكومية، حيث يتورّط بعض الكوادر الطبية في توجيه المرضى إلى صيدليات بعينها مقابل عمولات، وهو ما يُسهم في رفع أسعار الأدوية، وتحميل المرضى أعباء مالية إضافية".

-انحراف في الممارسات الترويجية

تتزايد الشكاوى بشأن الممارسات التي يقوم بها الأطباء الذين يسعون إلى تحقيق العائد المادي، بغضّ النظر عن الأعباء المالية التي يتسببون بها للمرضى.

لكن مسؤولين في قطاع الدواء يرون أن أصل المشكلة لا يكمن في الترويج للأدوية، بل في انحراف بعض الممارسات عن أهدافها العلمية، ما يستدعي ضبط آليات الرّقابة دون التشويش على الدَّور المشروع للترويج الدوائي.

يقول الدكتور محمد عبد الغني الحماطي، نائب مدير الهيئة العامة للأدوية في مأرب لموقع "بلقيس": "الترويج العلمي للأدوية يُعد جزءًا من الممارسات التسويقية المعتمدة عالميًا، ويهدف إلى تعريف الأطباء بالمنتجات الدوائية وآلية عملها، وذلك تحت ضوابط ولوائح معتمدة من منظمة الصحة العالمية".

وأوضح: "الترويج العلمي يشمل تقديم المعلومات الدقيقة للأطباء، وتزويدهم بالأبحاث العلمية، والمشاركة في المؤتمرات ذات العلاقة".

وأضاف: "تقديم بعض الهدايا التعريفية والمنشورات أمر معمول به ضمن الإطار المسموح".

لكن الحماطي أشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انحرافًا في آليات الترويج، بسبب تدهور الظروف المعيشية وزيادة التنافس بين الشركات، ما أدى إلى دخول 'الحوافز المالية المباشرة' في العلاقة بين بعض الأطباء والشركات، وهي ممارسة وصفها بـ"غير الصحية".

وقال: "نلاحظ وصف أدوية بكميات تفوق حاجة المريض، وهي ممارسات يقوم بها من 'ضعاف النفوس'، ما يؤثر سلبًا على صحة المرضى، ويضرّ بمبدأ الشفافية".

وشدّد الحماطي على ضرورة قيام وزارة الصحة، عبر الهيئة العليا للأدوية، بدورها الرقابي، من خلال تنظيم عمل المكاتب العلمية، واعتماد بطاقات المندوبين، ومحاسبة الشركات المخالفة، بل وإيقاف نشاطها إذا لزم الأمر؛ حفاظًا على نزاهة المهنة وسلامة المرضى.

بدوره، يقول الدكتور محمد الصوفي، مدير الهيئة العامة للأدوية في تعز، إنه لم ترده حتى الآن أي بلاغات أو معلومات رسمية حول وجود حالات يتلقى فيها أطباء نِسبًا أو حوافز من شركات دوائية مقابل وصف أصناف محددة للمرضى.

وأكد أن "الهيئة تأخذ مثل هذه القضايا على محمل الجد، لكنها لا يمكن أن تتعامل مع الموضوع إلا استنادًا إلى معلومات موثقة".

ودعا، في هذا السياق، كل من لديه أدلة أو ملاحظات إلى التقدّم بها رسميًا للهيئة، مؤكدًا أن "الهيئة ستقوم بدورها في التحقق واتخاذ الإجراءات اللازمة إن ثبتت أي مخالفات أو ممارسات تهدف إلى استغلال المرضى من خلال إجبارهم على شراء أدوية لشركات محددة".

تقارير

بين ضغط واشنطن ووعيد تل أبيب.. كيف يستخدم الحوثيون حرب غزة لإعادة تموضعهم إقليمياً؟

ازدادت حدة التصعيد بين مليشيا الحوثيين والاحتلال الإسرائيلي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 مايو الجاري، عن التوصل إلى اتفاق تهدئة مع الحوثيين، قائلا إنهم "استسلموا" وطلبوا من إدارته وقف الهجمات ضدهم مقابل وقف تهديداتهم للملاحة في البحر الأحمر وعدم استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.