تقارير
ضربات أمريكية ومساعٍ أممية: فرص الحل السياسي أم استمرار المواجهة؟
على وقع الضربات الأمريكية لمواقع مليشيا الحوثي، يتصاعد خطاب الحرب، وكأن الأمور باتت محسومة، لكن الأمور لا تزال غامضة، بسبب تباين مواقف الأطراف المختلفة.
في العاصمة العُمانية مسقط، التقى المبعوث الأممي بقيادات المليشيا لبحث تجنّب التصعيد والعودة إلى مسار السلام، بحسب ما أعلنه رئيس وفد الحوثيين المفاوض.
أما المبعوث الأممي، فقد أكد دعمه للحل السلمي والتفاوضي للصراع في اليمن، وهو حل استعصى لسنوات.
في المقابل، تبدو واشنطن عازمة على تدمير أكبر قدر ممكن من القدرات العسكرية للحوثيين، لكن هذا لا يعني بالضرورة دعمها لعملية عسكرية واسعة تهدف إلى إسقاط سلطة المليشيا في صنعاء.
- تعقيدات كثيرة
يقول الصحفي طالب الحسني: "في الحقيقة، الجولة الحالية من الحرب ستحدد مستقبل الأزمة في اليمن، سواء من حيث فرص الحل السياسي، أو استمرار المواجهة".
وأضاف: "يبدو أن الأمور تميل لصالح صنعاء (الحوثيين) والقوى (المتحالفة معهم)، خاصة وأنه، حتى الآن، لا توجد نتائج ملموسة للعدوان الأمريكي، ولا للجولة الأمريكية حول اليمن".
وتابع: "هذا الوضع يعني أن هناك تعقيدات كثيرة تنتظر الأطراف الإقليمية، وكذلك بعض القوى المحلية، التي كانت تراهن على نتائج هذه الحرب".
وزاد: "ولا شك أن خروج صنعاء (الحوثيين) من هذه الجولة دون أن تحقق الولايات المتحدة أهدافها، التي رُفعت في بداية التصعيد بشكل كبير، يعني أن صنعاء ستخرج أقوى".
واستطرد: "ورغم تراجع حدة التصريحات الأمريكية في الأسبوعين الماضيين، إلا أن عدم تحقق الأهداف سيمنح صنعاء (الحوثيين) موقعًا تفاوضيًا أفضل".
وأوضح: "المفاوضات المقبلة قد تبدأ باستكمال خارطة الطريق التي جرت مناقشتها سابقًا بين الرياض وصنعاء، أو ربما بخارطة جديدة تبدأ أولًا بالتفاوض مع التحالف بقيادة السعودية، ثم مع الأطراف المحلية".
ويرى أن "تلك المفاوضات -من المرجح- أن لا تكون جماعية، بل قد تتعامل صنعاء (جماعة الحوثي) مع كل طرف على حدة. وقد تتواصل الحرب مع بعض الأطراف حتى مع انخراط آخرين في الحوار".
واعتبر أن "الانقسام بين القوى المحلية هو انقسام جذري، لا يمكن ترميمه بسهولة، وهو انعكاس أيضًا للانقسام الإقليمي، خاصة بين السعودية والإمارات".
وقال: "يبدو أن الخلاف بينهما (السعودية والإمارات) لا يتجه نحو الحل، بل إلى مزيد من التوسع، ما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا ومرتبطًا بمقاربات مختلفة في المرحلة المقبلة".
وأضاف: "في الحقيقة، الإدارة الأمريكية حتى الآن، وكذلك البنتاغون، لم يتمكنا من تحديد اسم واحد من القيادات الكبيرة التي استهدفوها".
وأوضح: "لا تزال أهداف الحرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية غير محققة؛ لأن الهدف المعلن، وهو حماية السفن الإسرائيلية، لم يتحقق بعد".
وتابع: "لا يمكن الادعاء بأن حركة الملاحة آمنة إذا كانت السفن الإسرائيلية لا تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب".
وزاد: "هذا هو الفشل الذي واجهته إدارة بايدن طوال الفترة الماضية، رغم أن التحالف الذي قادته كان أكبر بكثير مما هو عليه الآن".
وأردف: "نعم، هناك فارق جوهري: فالتحالف السابق، المعروف بتحالف الازدهار 'حماية الممرات البحرية'، كان في جوهره دفاعياً، وتركَّز الجهد الأمريكي فيه على حماية السفن، وخاصة الإسرائيلية، ومحاولة تأمين مرورها".
وأشار إلى أن "إدارة ترامب، الآن، جاءت بنهج مختلف، حيث لم تركز على حماية السفن، بل بدأت من هدف آخر، وهو تدمير القدرات الصاروخية والطيران التابع لجماعة الحوثي".
وقال: "في الحقيقة، ما يُطرح الآن على الطاولة هو تأكيد على أن التحالف الذي قادته السعودية، أو السعودية والإمارات معًا، لن يعود إلى الحرب. هذا ما وصل إلى صنعاء (الحوثيين)، خاصة بعد زيارة وزير الدفاع السعودي إلى الجمهورية الإسلامية (إيران)، التي أكد فيها الجانبان على هذه النقطة: عدم العودة إلى الحرب".
وأضاف: "ليس لأن السعودية ترغب في ذلك برغبة مفتوحة، بل لأن قرار وقف الحرب في أبريل 2022 جاء نتيجة مخاوف سعودية حقيقية -من الخسائر، ومن عدم جدوى الاستمرار في الحرب- ولا تزال هذه المخاوف قائمة حتى اليوم".
وأوضح: "كلما فشلت جولة أمريكية في التصعيد، أو في المواجهة مع اليمن (الحوثيين)، ابتعدت السعودية أكثر عن خيار العودة إلى الحرب".
وتابع: "حتى زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية ستناقش هذه المسألة، ولكن المملكة لا تزال بحاجة إلى ثلاثة شروط أساسية، كانت قد طرحتها سابقاً:
أن تكون هناك ضمانات بوجود دفاعات جوية قوية تحمي السعودية، وتمنع استهداف منشآتها النفطية أو أراضيها،
أن تنخرط الولايات المتحدة في الحرب بشكل مباشر ومكثف، لا أن تكتفي بالدعم العسكري واللوجستي والسياسي فقط، أن تكون هناك ضمانات بحسم المعركة بسرعة، بحيث لا تطول الحرب لفترة طويلة".
ويرى أن "الخطاب المنطقي الآن هو تشجيع السعودية على مغادرة الحرب في اليمن"، مشيرًا إلى أهمية الدفع باتجاه انسحاب السعودية والإمارات من المشهد العسكري وعدم العودة إليه، وتهيئة الأجواء نحو اتفاق سياسي شامل".
وأضاف الحسني أن "العودة إلى الحرب ليست مستبعدة، خاصة في حال وجود ضمانات أمريكية بهذا الشأن"، لكنه شدد على أن "هذه الفرضية لا تزال ضمن منطقة غير يقينية، ولا يمكن الجزم بها حتى الآن".
وحذَّر من أن "استئناف القتال سيؤدي إلى نتائج كارثية"، داعيًا إلى التركيز على فرص السلام، وتجنب الانزلاق مجددًا إلى دائرة العنف.
- أهداف غير معلنة
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة الدكتور فيصل الحذيفي: "الوقت لم يستكمل بعد، أو لم تأخذ الحرب مداها حتى نستطيع أن نحلل أو نقرأ ما هو مسار هذه الأزمة".
وأضاف: "لكن، ابتداءً، هناك أكثر من مسار. الأول يتعلق بالضربات الأمريكية على الحوثيين لإجبارهم على عدم قصف الممرات البحرية والسفن الدولية. إذا قبلت جماعة الحوثي بذلك، فقد يتوقف الهجوم عليها".
وتابع: "أما المسار الآخر، فتمثّل في تشدد جماعة الحوثي في محاولتها لإظهار نفسها كقوة قادرة على مواجهة أقوى دولة في العالم، مهددة نفسها واليمن ومنشآته المدنية".
وزاد: "للأسف، كل ما يتم قصفه حتى الآن هو منشآت مدنية، حيث لا توجد منشآت عسكرية إستراتيجية في اليمن تستحق القصف. في النهاية، هي مجرد جبال وأماكن تحتوي على مخازن أسلحة قديمة لا تصلح حتى للمواجهة مع دولة عظمى. إنه كرهان بين حصان وحمار في مجتمع بدائي، ناهيك عن سباق بين طائرة وقطار سريع".
وأردف: "المسار الثاني يتعلق بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الضغط على طهران، عبر إجبارها على التخلي عن حلفائها في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، من أجل الحفاظ على مصالحها. في هذا السياق، ستتبادل الولايات المتحدة مع طهران التنازلات، وفي المقابل ستحقق نجاحًا في المفاوضات".
واستطرد: "أما المسار الثالث، فيتمثل في الزيارة المرتقبة للإدارة الأمريكية إلى السعودية لتجس نبض الموقف، إلى أي مدى يمكن للسعودية أن تقبل بتصعيد الوضع مع اليمن وفقًا لشروط قد تطرحها السعودية سرًا على الولايات المتحدة الأمريكية؟".
ويرى أن "وضع السعودية مع الحوثيين معقد، والولايات المتحدة لا ترغب في التصعيد بما يتعارض مع مصالح السعودية".
وقال: "فيما يخص استكمال المسار الأول، قد يقامر الحوثيون بتسليم العديد من الجزر والشواطئ اليمنية عبر إنزال بري وبحري لصالح القوات الأمريكية والقوات الغربية في إطار تحالف أوسع من أن تديره الولايات المتحدة منفردة".
وأشار إلى أن "هذه مغامرة غير محسوبة في حرب غير متكافئة. اليوم، لو أخرجنا خالد بن الوليد من قبره وقلنا له: تعال حارب أمريكا وأوروبا، سيكون له رأي آخر، هو كان يحارب الروم والفرس بنفس السلاح المتشابه، مثل السيف والنبل. أما الآن، فالحرب بين أسلحة لا يوجد بينها أي مقارنة من حيث القوة والفتك والتوجيه".
وأضاف: "الحوثيون لم يستوعبوا بعد ذلك، وهم يسعون فقط لرفع أسهمهم على المستوى الدولي والعربي والإقليمي، معتبرين أنهم يحاربون من أجل القضية الفلسطينية. لكن من غير المفهوم كيف يمكن رفع شأن اليمن بينما اليمني نفسه هو المستهدف بالقتل والتدمير وتدمير منشآته".
وتابع: "في نهاية الأمر، الحوثيون ورثوا جيش دولة وسلاحًا تقليديًا متهالكًا. هذا السلاح تم تطويره وتجديده جزئيًا بمساعدة خبراء إيرانيين، من خلال استبدال بعض محركاته، وتعديل مدى الصواريخ وسرعتها ونظام التحكم فيها. لكن الفارق لا يزال شاسعًا بين مليشيا مسلحة وبين قوة عظمى كأمريكا".
وأردف: "الحوثيون، في نظر البعض، صناعة أمريكية، الإرهاب صناعة أمريكية، إيران صناعة أمريكية، في النهاية هؤلاء هم أبناء أمريكا، وهي ستؤدبهم إذا خرجوا عن الدور المحدد لهم براحتها".
وزاد: "لدى الولايات المتحدة أهداف غير معلنة. فهي دولة عظمى تصنع السلاح لا لمجرد الدفاع، بل لتُرهب العالم وتفرض سيطرتها؛ لا لتخيف بها مليشيات أو دول متخلفة".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تستخدم هذه الحروب كمسار لاختبار أسلحتها في ساحات حقيقية -سواء في إيران، لبنان، أو اليمن. وهذه الرسائل ليست موجهة إلى الحوثيين، أو حتى لإيران بشكل مباشر، بل إلى النظام الدولي، وإلى قوى كبرى مثل الصين وروسيا، ودول 'البريكس'".
ويرى أنه "من غير المعقول أن تحشد أمريكا حاملات طائرات، وتُنفِق مئات الملايين يوميًا لمجرد التعامل مع جماعة مثل الحوثيين، بينما لديها طرق أبسط لإسقاطهم، كدعم سلطة شرعية وجيش موحّد قادر على إنهاء وجودهم بأقل كلفة".
واعتبر أن "ما يجري هو اختبار للأسلحة، وتجريب للقدرات، وإرسال رسائل إستراتيجية لكل من يطمح في منافسة أمريكا عالميًا. لا الحوثيون، ولا أي دولة من دول العالم الثالث، قادرة فعلًا على تهديد الولايات المتحدة، أو إنزالها من مرتبة القوة الأولى عالميًا".
وقال: "أما عن الملاحة الدولية، فحتى مجرد التهديد من الحوثيين قد يدفع شركات الشحن العالمية إلى تغيير مساراتها، وعدم المقامرة، ما يؤدي إلى أضرار اقتصادية ضخمة، وارتفاع تكاليف التأمين والنقل".
وأضاف: "لكن هذه الجماعة تغامر بالشعب اليمني عن بكرة أبيه وباليمن، وتفتح الباب أمام احتمال احتلال مباشر عبر إنزال بري وبحري على الشواطئ والجزر اليمنية. وهذا الاحتلال، في حال حصوله، سيكون من الصعب جدًا التخلص منه، لا من قِبل الحوثيين ولا من بقية اليمنيين".
وختم حديثه بالقول: "لا الحوثيون بجنونهم، ولا الشرعية برمزيتها يبحثون عن وطن، كل طرف يبحث عن سلطة، وبالتالي وجد الأمريكيون الفوضى المستباحة التي تسمح لهم بإعادة رسم خارطة دولية للصراع الدولي".