تقارير
طلاب الجامعات اليمنية.. سباق الغش عن بُعد لنظرائهم السعوديين!!
قناة بلقيس - هشام سرحان
يواكب الطالب في قسم الصيدلة، عاصم الحداد (22 عاماً)، وغيره من طلاب الجامعات اليمنية، أنشطة وتكاليف واختبارات الطلبة الجامعيين والدارسين عن بُعد في عدد من الجامعات السعودية، وينكَب على هاتفه المحمول معظم أوقاته، منشغلاً بالبحث عن المحتاجين للمساعدة، وحلّ الواجبات، وإعداد البحوثات، والإجابة عن الاختبارات لمن يعرفهم، مقابل المال.
ويشاطر عدد من زملائه المقيمين معه في دكان صغير وسط مدينة تعز هذا النشاط، كما يقاسمهم الجهود، ويوزّع عليهم العمل حسب التخصص، والمقرر الدراسي، ومجال نبوغ كل واحد منهم.
تجربته في ممارسة الغش عن بُعد أكسبته ثقة العديد من طالبات وطلاب الجامعات في السعودية، الذين أضحوا بالنسبة له كزبائن دائمين، يمنحهم جهده، ووقته، ويبيعهم المعرفة والحلول، في عملية يتقاضى فيها 50 ريالا سعوديا مقابل السؤال الواحد، ومثلها لحل الواجبات، كما يأخذ 100 ريال سعودي للبحث الواحد، حد قوله لموقع "بلقيس".
أضحت مؤخراً ظاهرة الغش العابرة للحدود نشاطاً رائجاً، وأبرز ما يصدره طلاب الجامعات اليمنية لنظرائهم السعوديين، ويجدون في هذا النشاط مصدر دخل مناسب، يمكِّنهم من تجاوز ظروفهم الصعبة، وعجزهم عن توفير نفقات التعليم، والمصاريف الجامعية، فيتدافعون -بشكل يومي- نحو تقديم المساعدات للطلبة السعوديين الأثرياء، المتخمين، والأقل ذكاءً، وذلك مقابل المال، الذي يخففون به من وطأة عوزهم، وشدّة حاجتهم، ولو كان ذلك على حساب مذاكرتهم، وتفوقهم الدراسي.
مجموعات الجامعات السعودية في "التلجرام" والمكتظة بألآف الطلبة الباحثين عن المساعدة، هي السوق الإلكتروني الذي يحضره المئات وربما الآلاف من طلاب الجامعات اليمنية، الذين يلازمون -طوال الوقت- تلك المنصات، ويتلقفون طلبات المساعدة المنشورة فيها من قِبل مئات الطالبات والطلاب السعوديين بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم الدراسية، لينتقلوا بعد ذلك من التواصل في الصفحة العامة للمجموعة إلى المُراسلة على الحساب الخاص، لاستكمال عملية التفاوض، والاتفاق على الأجر المادي.
* الغش مقابل المال
يطلب الطالب اليمني المال مقابل خدماته المعرفية المتعددة، فيما يشترط الطلبة السعوديون الحصول على الإجابة الصحيحة والكاملة والمؤهّلة لحصد العلامات النهائية، فضلاً عن إرسال الإجابة في موعدها المحدد، وهو ما يلتزم به مقدّم المساعدة، ويتقبله المستفيد منها، الذي يدفع المقابل، إما مقدماً أو بعد إتمام العملية، التي -إن تمت بنجاح- تعمِّق روابط الثقة بين الجانبين، فيتبادلون أرقام الهواتف، ويستمر تواصلهم في أوقات أخرى، حسب روايات طلاب جامعيين يمنيين لموقع "بلقيس".
عادة ما يكسب "الحداد" ورفاقه الرهان، ما يؤهلهم لخوض تجارب جديدة، في الوقت الذي تجري فيه الجامعات السعودية الاختبارات النهائية لطلبتها عبر بوابة "بلاك بورد" الإلكترونية، التي تُتاح -من خلالها- أسئلة الامتحانات الخاصة بكل مادة، على مدى 12 ساعة، ما يمكِّن الطلبة السعوديين من الامتحان في أوقات متفرّقة، وعلى مدى ساعتين، تبدأ بمجرد فتح الطالبة أو الطالب السعودي النافذة، الأمر الذي يكسبهما الوقت، ويسمح لهما بتسريب أسئلة الامتحان وإرسالها إلى طلاب في اليمن لحلِّها.
يقوم "الحداد" وغيره بالإجابة -أحياناً- على أسئلة الامتحانات بشكل مباشر وفوري، ما يتطلّب منهم الاستعداد لها مسبقاً، ومُطالعة الملازم والكُتب التي يتلقونها -أحياناً- من طلبة الجامعات السعودية، بصيغة "بي دي إف"، أو على شكل صفحات مصوّرة بدقّة ووضوح، ما يوفِّر
على الأخيرين الجُهد والوقت.
تتم هذه العملية في "تلجرام" و"واتساب" بطريقة منظّمة، وعبر مجموعات خاصة بالواجبات والبحوث والأنشطة والتكاليف والاختبارات، التي يتم تبويبها حسب التخصص والمقرر الدراسي، ما يضمن سير العمل بشكل منظّم، ويكفل ديمومته في الوقت الذي اتجهت فيه الجامعات السعودية إلى نظام التعليم عن بُعد منذ تفشي فيروس "كورونا"، في العام الماضي.
حصل موقع "بلقيس" من طلاب يمنيين على صور محادثات، ونماذج أسئلة واجبات، واختبارات، وطلبات مساعدة أخرى، أرسلها لهم طلبة سعوديون لحلها وإنجازها.. لكن الموقع لم يكتفِ بذلك، بل قام بجولة في عددٍ من المجموعات الخاصة بجامعات سعودية على "تلجرام"، ورصد -خلال نصف ساعة تقريباً- في منصة جامعة "تبوك" وحدها 175 نموذجا لأسئلة الامتحانات النهائية، التي نشرها سعوديون من مختلف المستويات والتخصصات، وذلك أثناء خضوعهم للاختبار.
* مزاد إلكتروني
يبدو المشهد -في تلك المجموعات- أشبه بمزاد علني، إذ يطرح طلبة الجامعات السعودية طلباتهم، فيتسابق عليها طلاب الجامعات في اليمن، ويقدّمون عروضهم، مدشنين مرحلة من المساومة والتفاوض والاتفاق على الأجر، وذلك عقب رسو كل سؤال أو مجموعة أسئلة على شخص مُعين أو عدّة أشخاص.
يقدّم الكثير من الطلاب اليمنيين عروضاً في تلك المجموعات، ويحددون المقررات الدراسية والمجالات والتخصصات التي يبرعون فيها،
فيتداعى طلبة الجامعات السعودية نحو مراسلتهم، وطرح طلباتهم، والاتفاق على تنفيذها الفوري أو في وقت لاحق.. وتتفاوت تلك العروض ما بين عروض فردية متعلقة بمقرر دراسي محدد، أو رزمة من المواد الدراسية.
في المقابل، ينشر طلبة الجامعات السعودية طلبات مساعدات كثيرة، بحثاً عمن يقوم بتنفيذها، الأمر الذي يلقى تفاعل وتجاوب الكثير من الطلاب اليمنيين المتواجدين في تلك المجموعات، ويتم الاتفاق معهم على المهام، ونوعيتها، وتوقيتها، فيما يلجأ بعض الطلبة السعوديين إلى طلاب في اليمن ممن سبق وأن تواصلوا معهم من قَبل وأوكلوا إليهم مهاماً أثبتوا جدارتهم في تنفيذها.
يتوسّع هذا النشاط في أوساط طلاب الجامعات اليمنية بشكل يومي، حسب الطالب في المستوى الثالث بقسم الهندسة المدنية (عبد الرحمن الحيدري)، الذي أظهر لنا ورقتين من فئة 100 ريال سعودي كان قد تلقى إحداها من طالبة سعودية، أعدّ لها بحثاً، فيما تلقّى الأخرى من طالب سعودي مقابل الإجابة عن سؤالين من أسئلة الاختبار النهائي لإحدى المواد.