تقارير
عودة استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر والغارات الإسرائيلية على الحديدة.. الدلالات والأبعاد
بينما كانت الأنظار تتجه إلى هدنة غير معلنة بين طهران وتل أبيب، واقتراب التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، جاءت ليلة الحديدة في اليمن لتعيد الاشتعال إلى الواجهة، وتؤكد أن البحر والبر لم يعودا خارج دائرة الصراع، بل أصبحت شواطئ اليمن ساحة لردود لا تخضع لحسابات الداخل وحده.
فقد شاركت عشرون مقاتلة إسرائيلية في إطلاق 56 صاروخًا وقذيفة على موانئ ومحطات كهرباء في الحديدة، بذريعة الرد على صاروخ حوثي. وفي المقابل، شنت ميليشيا الحوثي هجومًا على سفن في البحر الأحمر، من بينها سفينة «ماجيك سيز»، مدعية أنها اخترقت حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة، وأنها تعرضت لتسرب المياه وكادت أن تغرق.
تحرك أوسع في المنطقة
يرى الصحفي والمحرر في مركز صنعاء للدراسات، مراد العريفي، أن ما يجري في البحر الأحمر هو جزء من تحرك أوسع لما يسمى بمحور المقاومة. وأوضح أن جماعة الحوثيين عادت لاستهداف السفن في البحر الأحمر، في تصعيد هو الأول من نوعه منذ سبعة أشهر، حيث اقتصرت الهجمات خلال الفترة الماضية على سفن أمريكية.
وأشار العريفي إلى أن آخر هجوم على سفينة في البحر الأحمر كان في نوفمبر 2024، واليوم باتت الهجمات التي تهدد خطوط الملاحة البحرية أكثر حدة وتصعيدًا.
وأضاف: «في اليمن عادت جماعة الحوثيين لاستهداف الملاحة البحرية، وفي لبنان هناك ضغط على حزب الله، حيث طالب المبعوث الأمريكي الحزب بتحديد سقف زمني لسحب السلاح، فيما ظهر نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، ليؤكد أن الحزب لن ينفذ أي خطوة تحت الضغط أو التهديد».
وتابع: «إيران من جهتها مقبلة على مفاوضات، وقبل ساعات فقط، صرّح الرئيس الإيراني بأن بإمكانهم الذهاب إلى تفاوض مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، ما تزال طهران تتوقع ضربة عسكرية جديدة، لذا تتحرك أذرعها في المنطقة للضغط، سواء لدفع المفاوضات النووية قدمًا أو لتجنب ضربة عسكرية محتملة».
وأوضح أن «إسرائيل حققت مكاسب كبيرة خلال الأسابيع الماضية بضرباتها التي استهدفت القدرات العسكرية والنووية الإيرانية، لكنها لم تكن كافية. فهناك تقارير تحدثت عن تهريب 11 جهاز طرد مركزي قبل استهداف منشأة فردو من قبل الولايات المتحدة، ما يعني أن الخطر النووي الإيراني لا يزال قائمًا».
وقال العريفي: «تل أبيب اليوم ليست مطمئنة تمامًا لنتائج المعركة، وهناك حديث عن استئناف الضربات العسكرية ضد إيران، ما يدفع طهران لتحريك أدواتها في الإقليم، وخاصة في اليمن. فالجماعة الحوثية تدرك أنها قادرة على تهديد مضيق باب المندب، وهو ما قد يغيّر الواقع الجيوسياسي تمامًا، خصوصًا وأن إيران تسيطر أيضًا على مضيق هرمز، وإذا ما أغلق المضيقان معًا، فسيكون ذلك مكسبًا عسكريًا خطيرًا لطهران».
الحديدة تدفع الثمن
من جانبه، قال الصحفي بسيم الجناني إن التصعيد الأخير يدفع ثمنه دائمًا أبناء الحديدة. وأضاف: «يوم أمس الأول شهدت المحافظة ضربات مكثفة جدًا استهدفت مواقع وبنى تحتية بينها ميناء الحديدة، وميناء رأس عيسى، ومحطة كهرباء رأس كثيب».
وأوضح الجناني أن «هذه الكلفة يتحملها المدنيون بدرجة كبيرة، ونحن نتحدث عن تدمير شبه كامل، وهو بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، خاصة وأننا نتحدث عن عام كامل من الغارات الجوية الإسرائيلية على الحديدة».
وبيّن أن «الغارات بدأت في يوليو الماضي عندما دُمرت منشآت النفط بالكامل، أما الأمس فقد شهد تدميرًا كليًا لأرصفة ميناء الحديدة، بعد أكثر من 15 غارة استهدفته فقط، إلى جانب مرفأ رأس عيسى النفطي وسفينة جلاكسي ليدر ومحطة رأس كثيب المركزية التي تغذي الحديدة بالكهرباء».
وأضاف: «للأسف نحن أمام تصعيد وتحول خطير في مسار الصراع الإقليمي. الكهرباء انقطعت مباشرة بعد القصف، وهذه ليست المرة الأولى التي تُستهدف فيها محطة رأس كثيب من قبل الطيران الإسرائيلي، بل هي المرة الثالثة. ففي الضربة الأولى خرج أكثر من توربينين عن الخدمة، وتمت صيانة ما تبقى منها لإنتاج نحو 10 ميجاوات، وهي لا تغطي سوى 10% من احتياجات المدينة، لكنها على الأقل كانت تؤمن كهرباء».
وتابع: «لكن في الأمس جرى استهدافها بالكامل وأُخرجت المحطة عن الخدمة بشكل نهائي، وما زالت الكهرباء مقطوعة تمامًا في الحديدة».
وختم الجناني بالقول: «ميليشيا الحوثي للأسف الشديد تقامر بإقحام مناطق سيطرتها، وخاصة الحديدة، في مواجهة مفتوحة تعرف تكلفتها على المدنيين والبنية التحتية. وهذه المقامرة تأتي في إطار سعي الجماعة لتكريس حضورها ضمن ما يسمى بمحور المقاومة».