تقارير
فساد ينهش مؤسسات الدولة.. ما الجدوى من خطة التعافي الاقتصادي الجديدة وحشد الدعم؟
عجز مالي خانق، وصراع يلتهم مقدرات البلد، هكذا يبدو المشهد المليء بالتناقضات حول مؤسسات الدولة اليمنية، ومسؤوليها في الحكومة الشرعية.
يشارك نائب رئيس مجلس القيادة - رئيس اللجنة العليا للموارد السيادية والمحلية، عيدروس الزبيدي، في منتدى "دافوس"؛ لبحث القضايا الاقتصادية، فيما يحضر رئيس الوزراء اليمني الاجتماع الوزاري الدولي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بحضور 35 دولة، بهدف حشد الدعم لخطة الحكومة اليمنية للتعافي الاقتصادي في البلاد، ويكشف عن خطط اقتصادية مستدامة تدعم عددا من القطاعات الحيوية، وتعزز الشراكة مع القطاع الخاص.
أخبار تبعث على الأمل
والتفاؤل، لكن البعض يتساءل: هل هناك جدوى من هذه السفريات واللقاءات، أم أن الفساد، الذي ينهش الميزانية العامة للدولة والمساعدات الدولية، بات يعوق تلك الجهود، والذي يعد أحد أخطر العوامل المدمِّرة لميزانية الدولة، وللمساعدات الدولية على حد سواء، عوضا عن غياب الأجهزة الرقابية؟
- فساد متوارث
يقول الصحفي الاقتصادي نجيب العدوفي: "عندما نتحدث عن وضع اليمن، نحن نتحدث عن وضع في بلد يعيش حربا، والحروب هي عادة ما تخلِّف الكثير من بُؤر الفساد، وضياع موارد الدولة ونهبها".
وأضاف: "نحن وقعنا في هذه الحالة، منذ عشر سنوات، وقبل ذلك لم يكن البلد في حالة طبيعية، أو في حالة مثالية، فالفساد عندنا متوارث، منذ عقود، لكن خلال العشر السنوات فُتح الباب على مصراعيه أمام الفساد، ومورس الكثير من الهدر للمال العام ولموارد الدولة".
وتابع: "عندما نتحدث عن جهة مسؤولة، أو عن الشرعية ومكوناتها، فهي أيضا ساهمت بنسبة كبيرة جدا في إهدار المال العام، وعدم توجيه الأموال لخدمة المجتمع ولخدمة الصالح العام".
وأردف: "عندما نتحدث عن هذه النقطة نجد أن من نتائج الفساد ضياع المال العام، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، وانهيار العملة الوطنية، وحدوث ما يسمى بالأزمة الإنسانية، وكل هذه الأشياء موجودة الآن في المجتمع اليمني، وظهرت كل هذه المعضلات بسبب الفساد المستشري، وعدم إدارة موارد الدولة بالشكل الصحيح".
وزاد: "إذا كانت الحكومة جادة، أو عندها مسؤولية، لوضعت لنفسها خطة معينة للحفاظ على الموارد التي تحت يدها، منذ بداية الحرب".
وأوضح: "وفي الطرف الآخر، هناك مليشيا فرضت نفسها على الدولة، بقوة السلاح، وسيطرت على موارد الدولة، وتعبث بها كيف ما شاءت، وكل الأموال تذهب لصالح هذه المليشيا دون أن تعكسها على شكل خدمات لصالح التنمية وصالح المواطنين".
وأشار إلى أن "المال العام في اليمن أصبح غنيمة يتم تقاسمه من كافة الأطراف، فالحكومة الشرعية، خلال العشر السنوات، ساهمت بجزء كبير من هذا الفساد، فهي خلال سنوات الحرب لم تعمل وفق موازنة عامة، وعملت على إيجاد ما يسمى بخطة إنفاق، وهذه الخطة هي باب من أبواب الفساد".
واستطرد: "خطة الانفاق تعني أن ليس هناك ميزانية محددة يتم فيها تحديد موارد الدولة الحقيقية، وطرق وآلية إنفاقها، لذا فإن ما نشهده هو ممارسة للفساد بشكل علني".
وقال: "عندما نتحدث عن دور الحكومة في هذا الجانب، نجد أنها لم تقم بأي دور".
وأضاف: "كان على المجلس الرئاسي إعادة جميع مسؤولي الدولة إلى الداخل، والبدء بتحويل مرتباتهم إلى الريال اليمني، بدلا من إرسال رواتبهم إلى الخارج بالدولار، إضافة إلى إنهاء الازدواج الوظيفي، وفتح ملفات الفساد الكبيرة المتعلقة بالنفط والطاقة".
- فساد بلا خجل!
يقول رئيس مبادرة "لن نصمت"، الدكتور عبدالقادر الخراز: "للأسف، نحن اليوم نعيش الفساد بلا خجل، وللأسف أن المسؤولين مستمرون في هذا البذخ الذي هم فيه، ولا يشعرون بما يحدث داخل البلد؛ كونهم خارج البلد".
وأضاف: "وبالنسبة للسفريات فهم يحضرون بأعداد مُبالغ فيها، مثلا الحدث الذي في أمريكا، هناك أكثر من 20 شخصا سافر لحضور الحدث، من بينهم نحو 5 إعلاميين، وجميع هؤلاء سافروا على حساب موارد البلد، ولا نعلم كم سيظلوا في أمريكا، وما نتائج هذا الاجتماع في الأساس".
وأوضح: "ما يحدث هو استمرار بشكل كبير في ممارسة عدم الإحساس بما يعانيه الشعب اليمني، وما تعانيه الدولة، التي هم من يديرونها -للأسف الشديد".
وتابع: "نحن تحدثنا سابقا عن تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة، التي -أساسا- إلى الآن لم تنشر، ويتضح لنا اليوم أن هذه التقارير كانت أساسا لمثل هذا الاجتماع الذي في أمريكا، لكي تظهر الحكومة أنها تتابع الفساد".
وزاد: "كل الحديث الذي دار في الجلسة -لو تابعناها بشكل منسق أو دقيق- سنجد أن هذه الدول كلها تطلب من الحكومة تكون عندها شفافية، وهي تعتبر تهمة مبطنة للحكومة، أن ليس لديها شفافية، وليست مستعدة لاستلام هذه التمويلات".
وبيّن: "الحكومة تذهب إلى هذه المؤتمرات على حساب موارد الشعب، أو حتى على حساب التمويلات التي تأتي لمساعدة اليمنيين، وهذه التمويلات أساسا ستذهب عبر الأمم المتحدة إلى مليشيا الحوثي، والحكومة ستوقِّع فقط؛ أما التمويل سيصل للمليشيا".
وقال: "نشرنا سابقا، في حملتنا لن نصمت، أن هناك مذكرة سرية من المبعوث الأممي يوضح فيها أنه -في حالة أن البنك المركزي في عدن أصر على قراراته الأخيرة- سيقوم بنقل الأموال إلى مليشيا الحوثي جوا، كما فعلوا في أفغانستان".
وتابع: هناك أشياء غريبة تقوم بها الحكومة، ربما أدوات داخل الحكومة ستحصل على مصالح خاصة من بدل السفر، ويمكن حصص معينة".
واستطرد: "لكن بشكل عام، هذه الأموال، التي ستأتي، هناك إشكالية في وصولها؛ بسبب صعوبة اقتناع الممولين أو المانحين؛ لأنهم شاهدوا الفساد، والكثير من المسائل".
وأردف: "كذلك المنظمات تحاول تشحت على حساب معاناة اليمنيين، وتوصل الأموال لمليشيا الحوثي لاستمرار حربها".
وأشار إلى أن "البنك المركزي، أو الحكومة الشرعية، لن يستفيدا شيئا من هذه الأموال بالشكل الصحيح، لكن ربما أن هناك فوائد على المستوى الفردي، وهذه هي الإشكالية، أن ليس هناك عقلية لإدارة الدولة".
- تحديات كبيرة
يقول المحلل الاقتصادي، فارس النجار: "التحديات الاقتصادية الماثلة كبيرة للغاية، ولا يمكن الحديث اليوم على أن هناك إنجازات كبيرة قد تحققت من قِبل الحكومة تجاه المجتمع، في حين ما زالت المعركة الحقيقية المرتبطة بقوت الناس، وتحسين العملة الوطنية، لم تحقق الجزء الكبير الذي ممكن أن يعود على حياة المواطنين بشكل أفضل".
وأضاف: "رغم هذه التحديات، كانت هناك بعض الإنجازات التي عملت الحكومة على تحقيقها، في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة، وتوقف صادرات النفط والغاز، وانخفاض الإيرادات الضريبية والجمركية، من خلال الحفاظ على الحد الأدنى من تقديم الخدمات، وتوفير الحد الأدنى من إمدادات السلع، والوقوف على مسألة ما كان مرتبطا بشراء المشتقات النفطية، والفساد الكبير الذي كان يشوبها".
وتابع: "هناك بصيص من الأمل، أو التحسن الطفيف في بعض هذه المؤشرات، ولكن ما زال اليوم المجتمع ينتظر الكثير من الحكومة؛ كون الوضع الاقتصادي يزداد سوءا، ومعيشة الناس تزداد صعوبة، وتدهور العملة الوطنية غير طبيعي".
ولفت إلى أن "الأسعار السلع، خلال الشهر الجاري، ارتفعت من 10 إلى 15%، بينما مقارنة بالعام الماضي هناك ارتفاع في أسعار بعض السلع إلى 100%، وكل ذلك أمام نفس الدخل الذي يتقاضاه المواطنون".
وأردف: "الوضع الاقتصادي صعب، ولا يمكن اليوم أن نضحك على الناس، ونقول إن الحكومة قامت بكل واجباتها المناطة، لكن حتى نكون منصفين هناك بعض التحركات في ملفات اقتصادية، وما زال الطريق طويلا، وما زال المطلوب من الحكومة كثيرا، حتى يتحسن الوضع المعيشي للمواطن".