تقارير
في ظل غياب الموازنة العامة للدولة وتعدد الحسابات وتفكك الإيرادات.. من يدير المال في اليمن؟
أقر محافظ البنك المركزي اليمني، أن أكثر من 147 مؤسسة حكومية، لا يعرف البنك أين تذهب إيراداتها، رغم أنها مؤسسات رسمية، ويفترض أن تخضع لقواعد الرقابة المالية للدولة، حيث يقدر أن هذه المؤسسات تمثل ما لا يقل عن 75 % من الإيرادات العامة للدولة، لكنها تدار خارج الإشراف المباشر للبنك المركزي.
هذا التصريح لا يمكن عزله عن السياق الأوسع لتفكك الدولة اليمنية، ليس فقط كمركز قرار سياسي، بل كوحدة مالية ذات سيادة، فحين تفتح الحسابات خارج الخزينة العامة، وتحصل الإيرادات بعيدا عن وزارة المالية، وتصرف النفقات دون موازنة رسمية، فإن الدولة تكون قد فقدت أدواتها الجوهرية، في التنظيم والمساءلة والتوجيه.
وسيلة للفساد والمتاجرة
يقول الخبير المصرفي رشيد الآنسي، إن عدم توريد 75% من الإيرادات المتاحة للشرعية، غير الإيرادات التي تذهب إلى الحوثي، فهي تصل إلى أماكن أخرى ونافذين آخرين، وتعد وسيلة للفساد والمتاجرة بالعملة والمضاربة بالعملة الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور سعر الصرف.
وأضاف: الشيء الآخر، أن الحكومة لن تستطيع أن تموّل أنشطتها، ولن تستطيع أن تقدم خدمات للمواطنين، بسبب هذا الفساد، ولذلك لا توجد كهرباء لا توجد مياه، ولا توجد مرتبات.
وتابع: الحكومة هي المنفق الكبير في اليمن، لذلك الدورة الاقتصادية سوف تصاب بشلل كبير، لعدم وجود دورة للريال، فالحكومة لا تنفق، إذن لا يوجد إنفاق من قبل المواطنين، وغالبيتهم موظفين لا يوجد شراء ولا يوجد بيع، ما سيؤدي إلى تدهور كبير من الناحية الاقتصادية.
وأردف: في ظل هذا الفشل الكبير، لا توجد مؤسسات للحكومة، لذا من الذي سوف يقوم بإدارة المنظومة الاقتصادية؟ الحكومة، هي جزء من تشغيل الاقتصاد، إضافة إلى أنها المسؤول الوحيد عن إدارة الاقتصاد.
وزاد: في ظل هذا الفشل، وفي ظل التدهور المؤسسي الحاصل لن تستطيع مؤسسات الحكومة، إدارة الاقتصاد، ولا إدارة خدماتها للمواطنين، ولا أن تكون قدر المسؤولية، إضافة إلى إن هذه الأموال تستخدم استخدامات تضر بالاقتصاد، من خلال المضاربة بالعملة، والمتاجرة بالأراضي، ورفع أسعار العديد من العقارات، وأشياء كثيرة تحدث لاطأن هذه أموال فساد تذهب إلى مجرمين.
وقال: بعد تصريحات محافظ البنك المركزي، لاحظنا هناك تمثيلية سمجة حصلت، حيث شاهدنا أعضاء في مجلس القيادة، يستغربون أن الإيرادات لا تورد إلى البنك المركزي، وكأنهم لا يعلمون أو كأنهم ليسوا المتهمين، أو المعنيين بعدم توريد الإيرادات إلى البنك المركزي.
وأضاف: منذ الانقلاب الحوثي، وانتقال البنك المركزي إلى عدن، والإيرادات لا تورد إلى البنك المركزي، ونأتي ونشاهد المعنيين بالموضوع، وكأنهم يسمعون الكلام لأول مرة.
وتساءل: هل يعقل أن محافظ البنك المركزي، أبلغ صحفيا، ولم يبلغ القيادهطة، بأن الإيرادات لا تورد إلى البنك المركزي؟ أيعقل أنهم لا يعلمون؟
وتابع: هل يعقل أن هناك وزارة تعمل، بدون أن يكون لديها موارد؟ مثلا: وزارة النقل، لماذا لم تتابع الموارد؟ لأن لديها الهئية العامة للطيران ولديها المطارات، وتدخل إيرادات وتتصرف من هذه الإيرادات، وكذلك وزارة السياحة لم تتدخل، لأن لديها صندوق دعم السياحة، ووزارة الشباب والرياضة، لديها صندوق رعاية النشء.
وأردف: هناك إيرادات تذهب لصناديق، ومؤسسات، على أساس أنها مؤسسات إيرادية، ولكن يتم التصرف بهذه الأموال، وآخر ما وصل إلينا، أن حتى وزارة الخارجية، أخذت إيرادات القنصليات اليمنية في العالم، وقامت بصرف مرتباتها، وما يخص التشغيل بها.
وزاد: أن يتم الصرف من الإيرادات، قانونا مرفوض، يجب أن تورد الإيرادات إلى البنك المركزي.
وقال: ما حدث اليوم يظهر أنهم غير جديين في أي إصلاح، وأن هناك تمثيليات تدار، هناك ضحك على الذقون.
مشكلة مركبة ومعقدة
يقول المحلل السياسي الدكتور عبد الوهاب العوج، إن المشكلة، منذ الانقلاب الحوثي، حيث ذهبت الدولة لإجراء موازنات غير معتمدة من مجلس النواب، وثم تلى ذلك عدم تقديم أي موازنات رسمية، أو حتى تقدير عام للموازنة، وبالتالي عُطل مجلس النواب، ومجلس الشورى وعطل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وأصبحت شؤون الدولة تدار بدون موازنة تقديرية، وهو ما ترك فرصة للفساد، كما حدث في الحكومات السابقة وحتى الآن.
وأضاف: النقطة الأخرى، إن الدولة كانت تعتمد على أكثر من 75% من موازناتها، ومن إيرادات الدولة، على تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي من ميناء بلحاف كغاز مسال.
وتابع: هذا الأمر أدى إلى انتكاسة كبرى، بعد توقف تصدير النفط الخام، والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ذلك توقف مصفاة عدن، وهي التي كانت تمد السوق اليمني بالمشتقات النفطية، وكثير من المنتجات كان يتم تصديرها للقرن الإفريقي.
وأردف: المشكلة أصبحت مركبة ومعقدة، وكانت هناك محاولات لإجراء عدد من الإجراءات، التي كان تم إقرارها، لكن تراجعت عنها الحكومة الشرعية والبنك المركزي، نتيجة الضغوط التي أتت من دول الإقليم، ومن الأمم المتحدة، وكثير من الدول المانحة.
وزاد: هذه الضغوط التي أتت لوقف تلك الإجراءات التي كان الهدف منها القضاء على الانقسام النقدي، وإنهاء وجود بنكين مركزيين في صنعاء وعدن، ساهمت في تعميق المشكلة.
وقال: كل هذا يجعلنا نقول بأننا نتشابه، في حالتنا فيما يحدث مثلا في ليبيا، من وجود عملتين وبنكين، وكما حدث في إدلب وغيرها في سوريا، حيث كان هناك نظاما في دمشق، ونظاما يستخدم الليرة التركية، والدولار ط، دون النظر للعملة الوطنية.
وأضاف: لو أخذنا كذلك مثال على السودان، فالسودان بعد انفصال جنوب السودان، كان هناك نظامين بنكيين، ما أدى إلى انهيار العملة.
وتابع: بقاء الحكومة بدون موازنة عامة سنوية، خطأ كبير، وقد تحدثنا كثيرا، عن ضرورة أن تكون هناك موازنة تقديرية للحكومة بالحد الأدنى، حتى لو حدث فيها تغيّرات بما يصل إلى10% أو 20%، كما كان يحدث في فترات سابقة قبل 2011.
وأردف: في السابق كانت تقدم موازنة تقديرية، يقرها مجلس النواب، ويأتي نهاية العام، وهناك اختلافات بحدود 10% عن الموازنة التقديرية.
وأشار ألى أن عدم وجود موازنة تقديرية، تقدم لمجلس النواب، وعدم فاعلية مجلس النواب، والأجهزة الرقابية الأخرى، ترك الباب واسعا للفساد، بالإضافة إلى توقف كثير من الجهات الإيرادية عن توريد تلك المبالغ إلى خزينة البنك المركزي، وفروعه في المحافظات، مما أثر على الدورة النقدية والكتلة النقدية الموجودة.