تقارير

قتل وتقطيع لأجساد وتوزيع لأشلاء... ما الذي صنعته الحرب في نفوس اليمنيين؟

01/08/2025, 13:10:56
المصدر : خاص

في أواخرِ يونيو الماضي، وفي أحدِ أزقةِ صنعاء القديمة، عثر أحدُ السكانِ على يدٍ بشريةٍ تسدُّ مجرى للصرفِ الصحي.

لم يكن يُصدّقُ ما رأته عيناه، حتى تمَّ الكشفُ عن جريمةٍ تقشعرُّ لها الأبدان: امرأةٌ شابةٌ تمَّ استدراجُها واغتصابُها وقتلُها، ثم تقطيعُ جسدِها بدمٍ باردٍ، وتوزيعُ أشلائِها على بستانٍ مهجور، وخرابة، وشبكةِ صرفٍ صحي.

وفي صنعاء أيضًا، لم يكن "أمجد" ابنُ الثامنةِ عشرةَ عامًا يعلم أن آخرَ لحظاتِ حياتهِ ستقضي على يدِ من اعتبرهُ صديقًا، الذي وجّه له طلقاتِ غدرٍ من الخلف، بسلاحِه هو، بعد استدراجِه للمساعدةِ في "مهمةٍ بسيطة"، حيثُ قُتل أمجد، وقام الجاني بتركِ جثتِه تتنقّلُ من مكبِّ نفاياتِ الأزرقين إلى آخر، في محاولةٍ بائسةٍ لإخفاءِ آثارِ الجريمة.

أما الشاب "أحمد السلطان"، فقد كانت نهايتُه أكثرَ رعبًا؛ إذ تمَّ قتلُه في منزلِ صديقِه بصنعاء أيضًا، وقُطع جسدُه إلى ثلاثةِ أجزاء: رأسُه وُضع تحتَ الترابِ في منطقةِ "العشاش"، ويدُه في حيِّ "البليلي"، بينما أُخفيت بقيةُ الجثةِ تحتَ خرسانةِ منزلِ الجاني.

وفي الريفِ القريبِ من محافظةِ لحج جنوبَ اليمن، ارتفعت أصواتُ الرصاص، لكنها لم تكن في ساحةِ معركة، بل في منزلٍ صغيرٍ حيثُ قتلَ أبٌ زوجتَه أمامَ أطفالِه الأربعة، قبل أن يُسلّم نفسَه بدمٍ بارد.

وقبل أن يجفَّ الدمُ من أرضيةِ ذلكَ البيت، أقدم أبٌ آخرُ في إب، وتحديدًا منتصفَ يونيو الماضي، على قتلِ اثنين من أبنائِه داخلَ السوق، في جريمةٍ لم تُعرف دوافعُها بعد.

ما سبق، ليست مشاهدَ من فيلمِ رعبٍ، بل وقائعُ حقيقيةٌ حدثت في عددٍ من المحافظاتِ اليمنيةِ في غضونِ الأسابيعِ الماضيةِ على سبيلِ الإشارةِ لا الإجمال، ومع كلِّ جريمةٍ تُرتكب، يُطرح سؤالٌ بات يُثير الذعرَ أكثرَ من الجريمةِ نفسِها: ماذا فعلت بنا الحربُ كيمنيين؟

انهيارُ المنظومةِ القانونية

وفي هذا الصدد، قال المحامي والخبيرُ القانوني اليمني عبدالرحمن برمان، رئيسُ المؤسسةِ الأمريكيةِ للعدالة، إن انتشارَ الجرائم، وظهورَها في الآونةِ الأخيرةِ بهذا الشكلِ الوحشي، يعود إلى عدةِ أسبابٍ متداخلة، أبرزُها غيابُ مؤسساتِ الدولةِ وفشلُها في القيامِ بواجبِها في حمايةِ المواطنين، وتعقّبِ مرتكبي الجرائم، ما أوجد بيئةً خصبةً للجريمةِ المنظمةِ والفرديةِ على حدٍّ سواء.

وأوضح برمان في حديثٍ لقناة "بلقيس"، أن غيابَ السلطةِ الرادعةِ والقضاءِ الفاعلِ يُشجّع كلَّ من يفتقرُ إلى الوازعِ الدينيِّ والوطنيِّ والإنسانيِّ والقيمِ الأخلاقيةِ على ارتكابِ هذه الجرائمِ دونَ خوفٍ من العقاب.

وأضاف: "وجودُ مؤسساتٍ أمنيةٍ وقضائيةٍ فاعلةٍ هو الضمانُ الحقيقيُّ لردعِ المجرمين، كما أن الدولَ التي تُطبّقُ فيها القوانينُ بصرامةٍ تنخفضُ فيها معدّلاتُ الجريمةِ بشكلٍ ملحوظ، بخلافِ الدولِ التي تنهارُ فيها البنيةُ القانونيةُ والمؤسسيةُ، حيثُ تتفشّى الجريمةُ وتتحوّلُ إلى ظاهرةٍ اجتماعيةٍ خطيرة".

وأشار برمان إلى أن الوضعَ الاقتصاديَّ المتدهورَ، والضغوطَ النفسيةَ الناجمةَ عن الحربِ والفقرِ والبطالةِ، ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في دفعِ البعضِ نحو الجريمة، حيثُ يعيش كثيرونَ حالةً من اللامبالاةِ، ويشعرون بأنَّ حياتَهم بلا قيمة، ما يُخلق لديهم نزعةً عدوانيةً قد تنفجرُ في لحظةٍ نتيجةَ موقفٍ بسيط، وتتحوّلُ إلى جريمةِ عنفٍ مروعة.

المخدراتُ وتجارةُ الأعضاء

من جهته، حذّرَ مسؤولٌ أمنيٌّ في صنعاء، من تنامي ظاهرةِ الجرائمِ الوحشيةِ التي تشهدُها بعضُ المدنِ اليمنية، مؤكدًا أنها ترتبطُ ارتباطًا مباشرًا بتفشّي المخدرات، وعلى رأسِها مادةُ "الشبو"، بين أوساطِ الشباب، بفعل نشاطِ عصاباتٍ إجراميةٍ تستغلُّ الأوضاعَ الاقتصاديةَ المتدهورةَ لتجنيدِ الفئاتِ الأكثرِ هشاشةً ودفعِهم نحو ارتكابِ هذه الجرائم.

وأوضح المسؤولُ الذي رفضَ الكشفَ عن اسمِه في تصريحٍ لقناة "بلقيس"، أن "انتشارَ هذه الموادِ المخدّرةِ يتمُّ عبرَ شبكاتٍ منظمةٍ تستهدفُ تدميرَ النسيجِ الاجتماعيّ، عبرَ تسهيلِ الوصولِ إلى المخدرات، وإغراءِ الشبابِ بها، ثم استغلالِهم لاحقًا في تنفيذِ أعمالٍ إجراميةٍ بشعة".

وأشار إلى أن بعضَ هذه الجرائمِ قد تكونُ مرتبطةً بشبكاتٍ دوليةٍ متخصصةٍ في تجارةِ الأعضاء، تنشطُ في مناطقِ النزاعِ والحروب، كاليمن، مستغلةً حالةَ الانفلاتِ الأمنيّ، وتعملُ على تجنيدِ شبابٍ مدمنينَ بعد فقدانِهم للسيطرةِ على تصرّفاتِهم، لتنفيذِ جرائمِ قتلٍ مروعةٍ غالبًا ما تنتهي بتشويهِ الجثثِ أو إخفاءِ الضحايا تمامًا.

وأضاف: "ما يظهرُ في وسائلِ الإعلامِ من جرائمِ قتلٍ مرعبةٍ لا يُمثّلُ سوى جزءٍ بسيطٍ من الواقع، فهناكَ شبابٌ يُختطفون ويُغيّبون بشكلٍ كلّي، دونَ أن يُعثرَ لهم على أثرٍ، ما يُشيرُ إلى أساليبِ قتلٍ وحشيةٍ يتمُّ التعتيمُ عليها أو عدمُ الوصولِ إليها".

- سوابقُ جنائية

وأكّد أن معظمَ الجناةِ الذين يُلقى القبضُ عليهم في مثلِ هذه القضايا لديهم سوابقُ جنائية، مشيرًا إلى أن "من يُقدمُ على تنفيذِ جرائمَ بشعةٍ كالقتلِ العمدِ والتمثيلِ بالجثثِ وتقطيعِ الأوصالِ، غالبًا ما يكونُ معتادًا على العنفِ وارتكابِ الجرائم، بعكسِ الأشخاصِ الذين لا سوابقَ لهم، حيثُ يظهرُ عليهم الارتباكُ ولا يمتلكون الجرأةَ على ارتكابِ مثلِ هذا النوعِ من الجرائم".

ودعا المسؤولُ الأمنيُّ وسائلَ الإعلامِ إلى تبنّي خطابٍ مسؤولٍ ومهنيٍّ في تغطيةِ مثلِ هذه الجرائم، والابتعادِ عن التسييسِ أو التبرير، مؤكدًا أن "أيَّ محاولةٍ لتجييرِ هذه الجرائمِ سياسيًا تُمثّلُ تواطؤًا غيرَ مباشرٍ مع الجناةِ، بغضِّ النظرِ عن الجهةِ المسيطرةِ على المنطقةِ التي تقعُ فيها الجريمة، لأنَّ ما يجري يُمثّلُ تهديدًا خطيرًا للسلمِ المجتمعيّ، قد تكونُ تداعياتُه أخطرَ من تداعياتِ الحربِ نفسِها". حسبَ وصفِه.

هكذا فتحت الحربُ التي تعصفُ باليمنِ منذ أكثرَ من عقدٍ أبوابًا مظلمةً داخلَ النفوس، مزّقت منظومةَ القيمِ الاجتماعية، وحطّمت أواصرَ الأخوّةِ والتراحم، وصار الإنسانُ الذي كان بالأمسِ يطرقُ بابَ جارِه بحفنةِ تمرٍ، اليوم إمّا قاتلًا فقدَ إنسانيّتَه، أو ضحيةً تائهةً لا تجدُ من يُحميها أو يرفعُ صوتَها.

وفي ظلِّ هذه المعاناةِ، لا بدَّ من استعادةِ دورِ الدولةِ وأجهزتِها الأمنيةِ والقضائية، وإعادةِ بناءِ النسيجِ الاجتماعيِّ المنهار، لتقفَ اليمن من جديد على طريق السلام والكرامة، قبل أن يغرق المجتمع في دوامة من العنف لا مخرج منها.

تقارير

بعد التشدد في التهم المنسوبة إليه.. ما وراء إطلاق سراح الشيخ الزايدي؟

قبل أيام، احتُجز أحد المشايخ القبليين الموالين لمليشيا الحوثي أثناء محاولته مغادرة البلاد من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ثم أُطلِق سراحه لاحقًا، ليحتدم النقاش والجدل حول الحادثة وملابسات إطلاق سراح المحتجز.

تقارير

هل يُعكس تعافي الريال تحسُّنًا اقتصاديًا حقيقيًا، أم أنه خداعٌ ومضاربةٌ مكشوفة؟

شهد الشارعُ اليمني في الآونةِ الأخيرةِ تراجعًا ملحوظًا ومفاجئًا في سعرِ صرفِ الدولارِ مقابلَ الريال، حيثُ انخفضَ في مناطقِ الحكومةِ المعترفِ بها دوليًا إلى ما دون 2000 ريال، بعد أن لامسَ سابقًا حاجزَ 3000 ريالٍ يمنيٍّ للدولارِ الواحد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.