تقارير

قناة بلقيس بعد 9 أعوام.. تجربة ملهمة للعمل الإعلامي المستقل في زمن الحرب

12/05/2024, 10:08:01

لم يكن من السهل على أي من وسائل الإعلام، في زمن الحرب، أن تحافظ على مسار مهني، بخط تحريري، شديد الصرامة والمسؤولية، خلال أوقات الاستقطاب الحاد، وشيطنة الخصوم، واشتراط الولاء الكامل من قِبل كافة أطراف الصراع في البلاد، التي تنظر إلى وسائل الإعلام، التي لا تدين لها بالولاء، باعتبارها عدوا ولو من باب الاحتياط.

إدارة البلاد بالظلم والقهر من قِبل سلطات الأمر الواقع أدت إلى خلق بيئة قمعية لا تسمح بحريّة التعبير، ما دفع العديد من الصحفيين إلى ممارسة الرَّقابة الذاتية، أو مغادرة البلاد، الأمر الذي خلق بيئة مناسبة لحجب الحقائق، وانتشار المعلومات المضللة، وتفاقم الانقسامات في المجتمع اليمني، وزيادة حِدة التوتّر والصراع.

الانقسامات السياسية في البلد ساهمت، إلى حد كبير، في فصل وسائل الإعلام عن هموم الواقع، ما أدى إلى انتشار خطابات الكراهية، والمعلومات المضللة، وتوجيه الإعلام في خدمة السلطة، أو أصحاب المال والنفوذ، وإشغال الجمهور بتوجهاتهم بدلا من مشاركة الناس همومهم، والاعتراف بحقهم في التعبير عن أنفسهم من خلال هذه الوسائل.

- من فكرة إلى مشروع قائم بذاته

يقول مدير عام قناة "بلقيس" أحمد الزرقة: "إن فكرة شعار قناة بلقيس كانت ترتبط بفكرة بسيطة تراود مجلس الإدارة بإنشاء قناة تكون معبِّرة عن صوت اليمنيين".

وأضاف: "الأوضاع كانت مهيأة إلى حدٍ ما بعد مؤتمر الحوار الوطني، وقبل سقوط صنعاء بانقلاب مليشيا الحوثي".

وتابع: "نحن نرى بلقيس أنها كانت فكرة، وتحوّلت إلى حلم، ومن ثم تحوّل الحلم إلى مشروع قائم بذاته، مستمر في التعبير عن الإرادة الوطنية، وعن حرية الصحافة، وحرية التعبير، وأيضا عن مخرجات ثورة الحادي عشر من فبراير، التي استلهمنا منها قيم الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، وهي أيضا دليل على أن الأحلام لا تبقى أحلاما، وإنما تتحوّل إلى واقع ملموس، وبإمكان أي حالم أن يصل إلى الغاية التي يريدها".

وفي حديثه عن التحدِّيات التي مرت بها قناة "بلقيس"، قال الزرقة: "إن الحديث عن بيئة العمل الصحفي في اليمن، هو حديث عن بيئة محفوفة بالمخاطر، فمنذ اجتياح مليشيا الحوثي صنعا تعاملت هذه المليشيا مع الكاميرا والصحفي والإعلامي كعدو، وهدف يجب إسكاته؛ لأنها تخشى من الكاميرا، ومن القلم والكلمة، لذا كان أو ما مارسته هو إقفال الصُّحف، وملاحقة الصحفيين، ونهب المقرات".

ولفت إلى أن "قناة بلقيس تعرّضت للمصادرة كبقية وسائل الإعلام، وتم ملاحقة طواقمها، وكنا لا زلنا في البداية، وتم إغلاق مكتب القناة ومصادرته، من قِبل القيادي في المليشيا يحيى الحباري، والمليشيا التي كان يقودها نجله".

وتابع: "كل ذلك لم يؤثّر على فكرة تأسيس القناة، إنما كان لدينا الخطة الأخرى، وهي الانتقال بالطاقم من صنعاء إلى إسطنبول، رغم أن الطريق كان محفوفا بالمخاطر، إلى أننا انتصرنا عليها، واستطعنا أيضا العمل من مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، وكانت بلقيس القناة الحاضرة التي تنقل وتراقب جميع انتهاكات المليشيا".

وأردف: "في عدن كانت قناة بلقيس حاضرة، خطوة بخطوة، وربما كانت القناة الوحيدة التي كانت تعمل يوميا، ولديها مكتب في عدن، وأكثر من مراسل، وواكبت تحرير عدن، لكن بعدها تم الانقلاب علينا، بعد سيطرة المجلس الانتقالي، بالطريقة نفسها، التي قامت بها مليشيا الحوثي؛ لأن صوت بلقيس كان مزعجا للسعودية والإمارات، وكان لا بُد من إغلاق المكتب، وملاحقة العاملين فيه".

وزاد: "تعرّضنا، في فترة من الفترات وما زلنا، إلى قطيعة كاملة من الشرعية، بتوجيهات ربّما من السعودية والإمارات، بأنه لا يجب أن يظهر أي مسؤول حكومي على قناة بلقيس، ومن يظهر يتعرّض للّوم والعِقاب، رغم أن خطابنا مع الشرعية، ومع الدولة، ضد المليشيات، وخطنا التحريري كان واضحا، وليس لنا علاقة بالتجاذبات الإقليمية والصراعات التي دارت، إلا أنهم كانوا يستاءون من تغطينا للغارات الجوية التي تستهدف مدنيين".

وقال: "نحن لسنا طرفا، نحن مع اليمنيين، ونؤمن أن الإعلام يجب أن يخضع لمعايير المواطنة الحقيقية وحقوق الإنسان، والحريات العامة".

وأضاف: "والانتهاكات، التي تعرّض لها اليمنيون في صنعاء أو في عدن أو في حضرموت أو في صعدة أو مأرب، أو في أي مكان، مهمة الإعلام أن يقف إلى جانب المواطن، ففي الأخير لا توجد دولة ولا مؤسسات تقف إلى جانب المواطنين، وهذا هو أحد أدوار وسائل الإعلام".

- صمود في ظرف عاصف

يقول نائب مدير موقع "المصدر أونلاين"، الصحفي علي الفقيه: "في الذكرى التاسعة لانطلاق قناة بلقيس، يمكنني القول إنها مثّلت إضافة نوعية حقيقية للإعلام اليمني، كتقييم وليس كمجاملات؛ لأن القناة بالفعل وُلدت في ظروف عصيبة، وفي مرحلة عاصفة، حينها كانت المؤسسات الإعلامية تأفل، في مثل هكذا ظرف عاصف أكبر من احتمال أي مؤسسة على الصمود، إلا أنها كانت أقوى من كل هذه المتغيِّرات".

وأضاف: "قناة بلقيس تمثل إضافة نوعية للإعلام اليمني، خصوصا في الإعلام المرئي والمسموع، الذي كان في الماضي، إما أن يكون أداة بيد الحكومات، أو مجرد منصات تجارية، لا تقارب الصحافة المهنية، ولا العمل السياسي".

وتابع: "قناة بلقيس جاءت وقاربت كل الميادين والمجالات، واستطاعت أن تَثبُت، وتقدم خطا تحريريا مميزا ومهنيا، وأن تتجاوز كل حالات الاستقطابات التي على الساحة، ولهذا لديها حضور، واكتسبت ثقة جمهور واسع، وحققت نجاحا لافتا".

وأردف: "أنا كصحفي، أعتقد أن قناة بلقيس شكلت إضافة لهذا الميدان، وأتمنّى أن تستمر وتنمو، وتتطور تجربتها؛ لأنها عنوان لمرحلة، وستلهم أجيالا ومؤسسات ومنصات قادمة، أن تحضر على ذات المستوى من الأداء".

وفي حديثه عن تحول الإعلام إلى هدف لدى أطراف الصراع، يقول الفقيه: "معروف في مراحل الصراعات أن الإعلام يكون هو الهدف الأول لمختلف أطارف الصراع، لكن في حالة مثل اليمن جاءت مليشيا من خارج الحياة المدنية، ومن خارج التركيبة السياسية، وتركيبة الدولة".

وأضاف: "في اليمن، جاءت مليشيا بدائية تدرك أنها لا يمكن أن تنفذ مهمتها بوجود الإعلام، لذا وضعت هدفا لها، منذ اليوم الأول، أن تصادر الساحة وتغلقها أمام الإعلام؛ لأنها تعرف أن حركتها ستكون مكشوفة أمام كاميرات اليمنيين وأقلامهم".

وتابع: "مليشيا الحوثي بدأت بحرب شاملة ومصادرة كلية لوسائل الإعلام بطريقة غير مسبوقة، ربما حتى المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش، لم يواجه الإعلام بهذه الطريقة، أن يتم في يوم واحد مداهمة عشرات المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، وإلكترونية".

وأشار إلى أن "مليشيا الحوثي أنشأت عشرات الإذاعات والقنوات الخاصة بها، التي اقتصر دورها على العمل الدعائي، بعيدا عن الإعلام والمعلومة والرأي، فقط إعلام دعائي تعبوي باتجاه تفخيخ المجتمع، ليردد ما تقوله المليشيا، وما يقوله زعيمها".

- استقطاب حاد

يقول الباحث المتخصص في التربية الإعلامية، مجيب الحميدي: "إن بيئة الحرب وضعت تحديات كبيرة أمام الإعلام اليمني، خصوصا الإعلام المهني والمستقل".

وأضاف: "إذا تحدثنا عن قناة بلقيس فهي بداية لمسيرة جديدة في مجال الإعلام الفضائي المهني المستقل؛ لأن  التجربة اليمنية في مجال الصحافة الورقية استطاعت أن تشق طريقها، وراكمت من خلال الممارسة والخبرة تجربة جيدة، لكنها -للأسف الشديد- انهارت تماما مع الحرب، والنكسة الكبيرة التي تعرضت لها الصحافة الورقية".

وتابع: "مع انهيار الصحافة اليمنية الورقية المستقلة، لم يبقَ لليمنيين من ملاذ غير الإعلام المرئي والمسموع، فكان هنا دور قناة بلقيس، وهذا الدور واجه تحديات كبيرة في ظل حالة حادة ومعقدة من الاستقطابات، لا تتماثل مع الكثير من الاستقطابات الدائرة في الدول الأخرى".

وأردف: "الاستقطابات، التي يشهدها الصراع اليمني، لا تشبه كثيرا الاستقطابات التي حدثت وتحدث في ليبيا والسودان، وغيرها من الدول، التي تختلف فيها قوى سياسية، لكنها تتفق بصورة ما على الثوابت الوطنية، ولو بصورة دعائية وإعلانية".

وزاد: "مشكلتنا في اليمن أن الاستقطابات لوسائل الإعلام وصلت إلى مرحلة حادة، لا سيما بعد استيلاء مليشيا الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء، ومصادرتها جميع وسائل الإعلام".

وقال: "مشكلتنا مع مشروع مليشيا الحوثي، ليس فقط في كونه مشروعا طائفيا، بل مشكلتنا أنه مشروع فاشي، والمشاريع الفاشية لا تقبل إلا بالإعلام الواحد، وبالصوت الواحد، ولا تقبل بوجود إعلام آخر؛ لأنها ترفع شعار إما أن تكون معي أو تكون ضدي".

تقارير

انهيار الدعم الدولي لليمن.. مؤشرات لفقدان الأولوية

تشهد المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن تراجعًا غير مسبوق، في ظل تقليص الأمم المتحدة خططها وتراجع مساهمات المانحين الدوليين، ما ينذر بكارثة إنسانية قد تطال الفئات الأكثر ضعفًا في البلاد، لا سيما في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

تقارير

بسبب التغييرات المناخية.. موسم بلا حصاد ومزارع يدمرها الجفاف

بعيون شاخصة نحو السماء، تترقب بلهفة تشكّل السحاب، وتبتهل قلوبها تضرعًا مع صوت الرعد، ترتسم صورة المزارع اليمني وهو يعيش عامًا استثنائيًا، توسّع الجفاف فيه على حساب موسم الأمطار، وحوّل أوديتهم ومدرجاتهم إلى أراضٍ جرداء ومتصحّرة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.