تقارير
كيف ساهم الفنان عبدالباسط عبسي في انتشار اللون التعزي في الغناء؟
الفنان عبدالباسط عبسي، وهو يلتقط المحبَّة من أفئدة الناس ببراعة ويعيش انفعالاتهم، كانت موسيقاه وأغانيه جزءا من الخصوصية الفنية لمحافظة تعز، والتعبير الفني لجغرافيتها وبُعدها الاجتماعي وترجمة لها.
تعد محافظة تعز المحطة الجامعة والجاذبة للتنوُّع الثقافي، وتعدد الصراعات، الأمر الذي يجعلها تجد صعوبة في إيجاد خصوصيّتها الثقافية والمعماريّة، حيث كان هناك نُخبة من الشعراء والفنانين شكَّلوا الصيغة الأولى للغناء التعزِّي بما حملته من مضامين إنثروبولوجية كثَّفت حياة العاطفة الاجتماعية التي خلقها واقع الرِّيف الثقافي آنذاك.
كانت أغاني الفنان عبدالباسط عبسي ترجمةً لأوجاع المرأة الريفية، وأوجاع إنسان تعز، وآماله ومحباته، ومزجت علاقة الإنسان بطبيعته لترسم هُويته الموسيقية وذائقته الفنية.
- الإيقاع الزُّبيري
يقول رئيس اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين - فرع تعز، نبيل الحكيمي: "اللون التعزِّي في الغناء ضارب في أعماق تاريخ الأغنية اليمنية، وهو لون لم يتمسَّك به إلا أبناؤه، ولقي حرباً شعواء من كل الألوان التي حوله، وبالذات الألوان التي كانت تتبع اليمن (الهضبة)".
وأوضح أن "اللون التعزِّي تمسك بحقه في البقاء على استحياء، عندما ظهر أيوب طارش وغنّى لوناً جديداً أسميناه بالتعزِّي، رغم أن إيقاعاته ليست تعزِّية في معظمها، إلى أن جاء عبدالباسط عبسي، وهو الفنان المثقف الأدبي والسياسي، وكان له باع كبير في انتشال اللون التعزِّي من الغناء، وركِّز على الإيقاع الزُّبيري، والرقصة الزُّبيرية، التي يرقصها أبناء الحجرية، وأبناء تعز".
وأشار إلى أن "الفنان عبدالباسط عبسي هو الذي شَّكل مع صنوه، الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، جناحي الأغنية التعزِّية على الايقاع الزُّبيري، والتي قُوبلت لدى مختلف الناس، في شمال اليمن وجنوبها وشرقها وغربها، وحتى خارج اليمن، لأنهم يؤدونها بأصوات جميلة".
وأضاف: "الفنانان عبدالباسط عبسي وأيوب طارش، هما اثنان من أجمل وأقوى الأصوات في هذا البلد، صوتهما من فئة 'التينور' فئة الباس".
وتابع: "الفنان عبدالباسط عبسي، منذ سنوات، يبحث عن تحديث الزَّفة الزُّبيرية، واعتمد على الشاعر عبدالهادي الأثوري، وقال لي بأنه أنجز أكثر من 20 عملا خاصا بتجديد لحن الزفة الزبيرية".
- على ماذا تأسس؟
من جهته، يقول الشاعر والناقد محمد عبدالوهاب الشيباني: "منذ أشهر قليلة، كتبت موضوعا رآه البعض إشكاليا، وهو موضوع حمل عنوان على ماذا تأسس اللون الغنائي التعزِّي بخصوصيّته الحجرية؟ حاولت فيه الوصول إلى استنتاجات بأن تعدد اللون الغنائي في اليمن (المعروف بالصنعاني والحضرمي والعدني واللحجي واليافعي والتهامي)، يُضاف إليهم اللون التعزِّي بخصوصيّته الحجرية".
وأضاف: "الخصوصية الحجرية للون التعزِّي تأتي من طبيعة الموضوع واللهجة المحلية، وهذا اللون تأسس على أيدي مجموعة من الشعراء والروَّاد، ابتداء من العام 1958، عندما كتب الدكتور سعيد شيباني قصيدته المعروفة 'يا نجم يا سامر'، وغناها الفنان محمد مرشد ناجي، مطلع الستينات، وهذه التأسيسات تعددت في نصوص أخرى كتب كلماتها شعراء أمثال: عبدالله سلام ناجي، وعبده عثمان الزبيري، والشاعر أحمد الجابري، وهم شعراء روَّاد انتقلوا من الريف الحجري، ودرسوا في مدارس عدن، ثم انتقلوا في منتصف الخمسينات كطلاب إلى الجامعات المصرية".
وأوضح أن "هؤلاء الشعراء استطاعوا نقل مفردات أريافهم إلى قصائد حيَّة وبأصوات فنانين روّاد، فأصبحت هذه الأغاني تشكل لونا غنائيا يمنيا يعبِّر عن تعدد يضاف إلى ألوان أخرى".
وتابع: "وجاءت مدرسة الفضول، وأيوب طارش أيضا، وعززت هذا المنحى، ثم جاءت مدرسة عبدالباسط عبسي وسلطان الصريمي، ومحمد الفتيح، وجميع الشعراء".
وقال: "الفنان والمثقف الملتزم، والإنسان الكبير، عبدالباسط عبسي، أضاف الشيء الكثير للغناء في اليمن، وتساءلت موضوعا طويلا عنه، وعن ثلاثيّته مع سلطان الصريمي، وارتباطه بكثير من الشعراء الذين غنى لهم".
وأردف: "من أكثر الأغاني انتشارا، في التجرية الصريمية الباسطية: يا ولد نيسان يا شذى حبي.. وهما بدآ بأغنية مسعود هجر، وهي الأغنية التي نقلت معاناة المرأة في ريف تعز، والتي تعاني من اغتراب الأزواج، وهجرتهم التي أحيانا لا يعود منها هؤلاء الأزواج".
وزاد: "التجربة الصريمية الباسطية، وقبلها تجربة الفتيح مع عبدالباسط، وتوجت بتعاون مع عبدالباسط والفضول، هؤلاء القامات الشعرية الكبيرة، استطاع الفنان عبدالباسط عبسي أن يحول كلماتهم إلى أغانٍ تحتل مساحة كبرى في سماع اليمنيين، عن المعاناة والهجرة وقضايا الأرض والفلاح".