تقارير
لعبة الموت في قصور الرياض.. اللحظات الحاسمة التي سبقت إزاحة الرئيس هادي
على عجالة، بثّ التلفزيون الرسمي اليمني فيديو قصيرا دون أي صوت يظهر فيها الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو يلتقي مجلس القيادة الرئاسي، الذي نقل إليه صلاحياته قبلها بوقت قصير.
روايات عديدة عمّا حدث، فجر الخميس، في العاصمة السعودية (الرياض)، حين أطلّ الرئيس هادي، في ساعات الفجر الأولى، وهو يتلو مقدّمة بيان نقل صلاحياته لمجلس الثمانية، الذين تم جمعهم على عجل، ووضعهم في غرفة مجاورة في أحد القصور السعودية.
لم يستطع هادي إكمال قراءة البيان، فأكمله وزير الإعلام، معمر الارياني، الذي اُستدعي أيضا على عجل دون أن يعرف ماذا يُراد منه.
ظهور الرئيس هادي لمرتين، خلال أقل من ثمان وأربعين ساعة، على شاشات التلفزة أمر استثنائي، وحدث لم يتكرر خلال العشر السنوات التي قضاها رئيسا للبلاد أكثر من نصفها مقيماً خارج البلاد، في المرّة الأولى كان يتحدّث عن انفتاحه لإرادة المجتمعين في مشاورات الرياض.
وقتها كانت التسريبات والضغوط السعودية- الإماراتية تتحدث عن إزاحة نائب الرئيس علي محسن، وتعيين شخصيّتين بديلتين في منصب نائب الرئيس، وذلك كان أمرا مقبولا لدى هادي، الذي لطالما فضّل التضحية برؤوس الآخرين من حوله، طالما بقي رأسه سالما.
منتصف الأربعاء، وفجر الخميس، كانت الطبخة السعودية - الإمارتية قد نضجت، فتم استدعاء هادي وأبنائه إلى قصر تابع لولي العهد السعودي، وتم إبلاغه بقرار إزاحته وإقصائه، وهو ما رجّحه تقرير مجموعة الأزمات الدولية، التي قالت إنه "من المحتمل أن السعودية أجبرت هادي على التنحّي، وترك السلطة".
اختفى هادي، منذ إعلانه نقل سلطاته وصلاحياته لمجلس الثمانية، الذي احتوى على العديد من المتناقضات، وخصومه الذين تمرّدوا على سلطته، وآخرين رفضوا الاعتراف بها، وعملوا مع الإمارات على تقويض سلطته.
اختفاء هادي وصمته ليس جديداً على رجل احترف الصمت والانزواء في أكثر مراحل البلاد حلكة، وحتى ظهوره في الأحيان القليلة لم يختلف عن غيابه.
لطالما ساقت الآلة الإعلامية المقرّبة من هادي العديد من الأحاديث حول الضغوط المستمرة عليه للصمت وعدم الحديث، غير أن الصمت اليوم لم يعد مبرراً من رجل فقد سلطته، وتواجه حياته تهديدات حقيقية.
تتقن المملكة لعبة الموت، وخنق الأصوات، وتقطيع أوصال المعارضين، وهناك شواهد داخل الأسرة السعودية وخارجها، إضافة إلى التعامل المتعالي مع حلفائها وإذلالهم، كما حدث مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، وهو ما أثار مخاوف العديد من اليمنيين حول مصير الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد إعلان نقل صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي.
في المحصّلة النهائية، يبدو أن هادي لم يتقنْ فن صناعة الحلفاء، ولا يجيد لغة سياسة المؤامرات، التي تُحاك في قصور الحكم وكواليسها، وفشل في الحفاظ على رجالاته، ومن يمكن لهم حمايته.
صعد الرئاسة محفوفاً بآمال اليمنيين، وإسناد العالم، ولم يحظَ رئيس آخر بدعم مجلس الأمن وكافة القوى الإقليمية والدولية، غير أنه ظل أسير مخاوفه، وعاش في جلباب الماضي، واحترف الهروب بدلاً عن المواجهة، غير أنه هذه المرّة محاط بخذلان القريب والبعيد، فهل ينجو من النّهاية التي رسمتها له الرياض؟ أم أنه ما تزال لديه رواية أخرى لما حدث، وسيأتي وقتها لاحقاً؟ وهذا احتمال حدوثه قليل جداً.