تقارير

لماذا تهدد إسرائيل بضرب الحوثيين رغم وقف الحرب في غزة؟

18/10/2025, 18:47:02
المصدر : عبد السلام قائد

رغم أن الحوثيين أوقفوا هجماتهم باتجاه فلسطين المحتلة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلا أن إسرائيل توعدت مؤخرا باستمرار عملياتها العسكرية ضدهم، بالتوازي مع تهديدات ضد حركة حماس في حال لم تتخلّ عن السلاح بعد اتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى التهديدات ضد حزب الله في حال لم يسلِّم سلاحه للدولة اللبنانية، وأيضا الضغوط المستمرة على مليشيا الحشد الشعبي في العراق بشأن سلاحها.

يُضاف إلى ذلك استمرار التوتر بين إيران وإسرائيل، مما ينذر باندلاع مواجهات إقليمية أكثر من أي وقت مضى، خصوصا بعد إعلان إيران الإنهاء الرسمي للاتفاق النووي المستمر منذ عشر سنوات، وأنها لم تعد ملزمة باتفاق 2015، بما في ذلك القيود المفروضة على برنامجها النووي والآليات ذات الصلة.

- تهديد ووعيد ضد الحوثيين

هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي، بمواصلة استهداف مليشيا الحوثيين، عقب إعلانها مقتل رئيس أركانها محمد الغماري، دون تحديد مكان وزمن مقتله، والاكتفاء بالقول إنه قتل في معركة إسناد قطاع غزة.

وقال نتنياهو، تعليقا على إعلان الحوثيين مقتل رئيس هيئة أركانهم: "تم القضاء على قائد أركان آخر ضمن صفوف قادة الإرهاب الذين حاولوا الإضرار بنا، سنصل إلى الجميع". كما ذكرت "القناة 12" الإسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو تخطط لاستمرار العمليات ضد مليشيا الحوثيين في اليمن حتى بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة.

ونقلت القناة ذاتها عن مسؤول أمني رفيع المستوى قوله إن "نقاشات مكثفة جرت مؤخرا داخل المؤسسة الأمنية قضت بفصل ملف الحوثيين عن غزة، بحيث يستمر التعامل مع الحوثيين بعد وقف إطلاق النار في القطاع". وفي الوقت نفسه، دشن جهاز الموساد الإسرائيلي، خلال الأيام الأخيرة، حملة تجنيد واستقطاب واسعة لليمنيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، داعيا من وصفهم بـ"المعارضين للحوثيين" إلى الانضمام إلى "الوحدة 504" التابعة له.

علما بأنه، حتى نوفمبر 2023، لم يكن الحوثيون أولوية لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مثل "الموساد" و"آمان"، لكن بعد ما يقارب شهر ونصف الشهر من بدء الحوثيين بتنفيذ ضربات ضد الكيان الإسرائيلي، طالب وزير الدفاع السابق، أفيغدور ليبرمان، بتشكيل قنوات استخبارية مباشرة في مناطق سيطرة الحوثيين، بدعم من مستشار الأمن القومي السابق يعقوب أميدرور، الذي أقر بوجود "فجوة كبيرة في فهم حسابات الحوثيين".

وفي وقت سابق، كشف موقع ذا كرادل، نقلا عن مصدر أمني، أن عمليات التجنيد بدأت باستقطاب يهود يجيدون اللهجات اليمنية لاستخدامهم كعملاء ميدانيين. كما استُخدمت الإعلانات الرقمية، التي ظهرت أثناء تصفح مواقع التواصل، وتوعد بعضها بمكافآت تصل إلى مليون دولار مقابل معلومات عن قيادات حوثية أو دعم بحري. وظهرت هذه الإعلانات أحيانا من حسابات تابعة للموساد، وأحيانا أخرى من صفحات رسمية أمريكية كوزارة الخزانة أو السفارات تحت غطاء "ضمان أمن الملاحة الدولية".

وكانت إسرائيل قد أعلنت، في 3 سبتمبر الماضي، إطلاق القمر الصناعي التجسسي الجديد "أوفك 19"، للتجسس على إيران والحوثيين، ووصفت ذلك بأنه رسالة موجهة إلى خصومها بأنهم تحت المراقبة الدائمة. وقبل ذلك، شكلت إسرائيل وحدة تتكون من 200 ضابط استخبارات لجمع المعلومات عن الحوثيين، ثم عززتها لاحقا بتشكيل وحدة جديدة للغرض ذاته.

وبدوره، صرح إيال بينكو، المسؤول السابق في الجيش الإسرائيلي، بأن هزيمة الحوثيين تمر عبر تصعيد عمليات جمع المعلومات والتجسس، خصوصا أن الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى موطئ قدم في الداخل اليمني.

وإزاء تلك التهديدات، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن قيادة مليشيا الحوثيين تهرع إلى مجمعات تحت الأرض وتتجنّب استخدام الهواتف المحمولة، خوفا من أي اختراق أو هجوم إسرائيلي، كما أنهم يغيرون مواقعهم باستمرار.

- لماذا تنوي إسرائيل مواصلة القتال ضد الحوثيين؟

رغم أن الحرب في قطاع غزة وضعت أوزارها بعد اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن إسرائيل لم تُبدِ أي نية لتخفيف قبضتها العسكرية أو كبح اندفاعها نحو جبهات أخرى، وفي مقدّمتها مليشيا الحوثيين في اليمن، حيث تتواصل تهديداتها ضد تلك المليشيا التي كانت قد أعلنت وقف هجماتها بعد التهدئة في قطاع غزة، فيا ترى ما الذي يدفع إسرائيل إلى إبقاء جبهة الحوثيين وغيرها مفتوحة حتى بعد انطفاء نيران الحرب في غزة؟

بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، تبنت إسرائيل نهج عدم التسامح المطلق مع أي تهديدات لأمنها، لأن تلك العملية شكلت صدمة كبيرة غير مسبوقة في التاريخ العسكري والأمني لإسرائيل وللدول الكبرى الداعمة لها، لأنها خلخلت أكثر ثوابتها قداسة وهي هيبة "الجيش الذي لا يُقهر"، إذ كشفت الهجمات المفاجئة لحركة حماس هشاشة المنظومة الأمنية والاستخباراتية، وجردت الكيان الإسرائيلي من الشعور بالأمان المطلق.

ومنذ ذلك اليوم، دخلت إسرائيل في معركة مزدوجة: معركة استعادة الردع في الخارج، ومعركة استعادة الثقة في الداخل، ذلك أن الهزيمة النفسية التي خلفها الهجوم مست الروح القومية الإسرائيلية التي بُنيت على فكرة القدرة على الردع المطلق، وهو ما دفعها إلى السعي المحموم لإعادة ترميم تلك الهيبة بكل الوسائل الممكنة، حتى ولو انتهت الحرب في غزة.

وبالتالي، فإن إسرائيل لا تنظر إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة كسلام مؤقت أو دائم، وإنما فرصة لإعادة التموضع وإرسال رسائل ردع قوية لمن تعتبرهم خصومها في المنطقة (إيران ومليشياتها الطائفية).

ومن هذا المنطلق، فإن التهديدات الإسرائيلية الموجهة للحوثيين تعد جزءا من إستراتيجية أوسع تقوم على نهج مستمر بعدم التساهل مع أي جهة تجرؤ على تهديد أمن إسرائيل ولو رمزيا كما هو الحال بالنسبة لهجمات الحوثيين (الرمزية)، ويُراد من هذه التهديدات إرسال رسالة مزدوجة: أولا إلى الداخل الإسرائيلي الذي فقد ثقته بجيشه، وثانيا إلى خصوم إسرائيل الإقليميين الذين يهددونها من حين لآخر ولو رمزيا.

لقد شرعت إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" في مراجعة عميقة لعقيدتها الأمنية، لتتحول من سياسة الردع المتدرج إلى الردع الاستباقي، أي لا تنتظر الهجوم كي ترد، وإنما تبادر إلى تفكيك أي تهديد محتمل قبل أن يولد، وقد تجلى هذا التحول في سلسلة من العمليات العسكرية ضد حزب الله وإيران والحوثيين، بمبرر منع تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة حماس.

ولذلك، فإن إسرائيل لا ترى وقف إطلاق النار في قطاع غزة نهاية للحرب، وإنما محطة ضمن معركة إقليمية أوسع لإعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة، أو كما يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله: "تغيير وجه الشرق الأوسط".

فإسرائيل اليوم في طور إعادة بناء منظومة الردع عبر ضربات متفرقة في أكثر من جبهة، لإيصال رسالة لخصومها مفادها أن الأمن الإسرائيلي لا يتوقف عند حدود فلسطين، وأن أي طرف يجرؤ على تهديدها سيجد نفسه في مرمى الاستهداف المباشر.

كما أن ضعف المحور الإيراني وتراجعه، وعجزه عن التصدي الفعال للهجمات الإسرائيلية، يغري الكيان الإسرائيلي بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية لتحقيق طموحاته بتغيير وجه المنطقة، والقضاء على ما يعتبرها مصادر التهديد.

فإضعاف حزب الله وإذلال إيران وسقوط نظام بشار الأسد يعد تحولا كبيرا في أزمات المنطقة، ويعود السبب في تراجع المحور الإيراني إلى عدم خوضه معركة شاملة بشكل متزامن ضد الكيان الإسرائيلي، مما منح إسرائيل الاستفراد بعناصره الواحد تلو الآخر، وغاب شعار "وحدة الساحات"، ولو أن إيران وأتباعها خاضوا جميعا معركة شاملة ضد إسرائيل بشكل متزامن لكانت النتيجة الآن مختلفة.

- الحوثيون أمام واقع جديد

من سوء حظ الحوثيين أن التركيز الإسرائيلي عليهم جاء بعد إذلال إيران وإضعاف بقية وكلائها، ولذا فلا أمل في أن يقف أي طرف إلى جانبهم في حال قررت إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية ضدهم، خصوصا أن رهانهم على الطبيعة المعقدة وتخفي القيادات تلاشى بعد أن تمكنت إسرائيل من تنفيذ ضربات دقيقة أودت بحكومتهم ورئيس هيئة أركانهم محمد الغماري.

ويُعد ذلك مؤشرا على تنفيذ عمليات جديدة من هذا النوع مستقبلا لا شك أنها ستضعف المليشيا، التي كانت تنتظر انتهاء الحرب في قطاع غزة لتدشن معاركها التوسعية في الداخل، لتحصد ثمار استغلالها للقضية الفلسطينية، واعتقادها بأنها أصبحت أكثر قوة وخبرة في القتال، بصرف النظر عن مدى حقيقة ذلك.

وبما أن إسرائيل، التي تعد طارئة على الملف اليمني، تمكنت من توجيه ضربات مؤلمة للحوثيين رغم قِصَر مدة تركيز أنظارها عليهم وتفعيل العمل الاستخباراتي ضدهم، فإن ذلك يثير قلق الحوثيين؛ كونهم أمام عدو جريء يكسر كل المحرمات، ولا يعير التوازنات الداخلية في اليمن أي اهتمام، كما أنه متجرد من الحسابات الضيقة والأثقال الأيديولوجية والسياسات العمياء التي تخدم الحوثيين كما هو حال التحالف السعودي - الإماراتي.

علاوة على ذلك، لم تعد هناك أي عوائق أمام إسرائيل للتصعيد مجددا في الإقليم، ففي الماضي كانت هناك مخاوف حقيقية من رد إيران ووكلائها في حال اندلعت حرب إقليمية شاملة، وتكمن المخاوف من أن تنتقل نيران المعارك إلى دول الخليج وتتضرر مصادر الطاقة ويتعطل إنتاج النفط وتصديره وإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، مما سيخلق أزمة اقتصادية عالمية خانقة.

غير أن الهجمات الإسرائيلية النوعية على إيران وأذرعها كشفت أن المحور الإيراني ليس بالقوة التي كان يتوقعها البعض، وأنه لا يجرؤ على خوض حرب جادة ضد إسرائيل والولايات المتحدة مثل تلك التي يخوضها ضد خصومه المحليين، وأن شعار "وحدة الساحات" كان موجها بشكل فعلي في المعارك ضد الخصوم المحليين للمليشيات التابعة لإيران وليس ضد العدو الإسرائيلي.

تقارير

مجلة يوراسيا ريفيو: توسّع الحوثيين إلى السودان يُنذر بصراعٍ أوسع

بعد نحو خمسة أشهر من إعلان الرئيس دونالد ترامب إيقاف إطلاق النار من جانبٍ واحد، بهدف إنهاء قصف المتمرّدين الحوثيين المتمركزين في صنعاء، مقابل وقف هجماتهم على السفنِ الأمريكية، ما يزالُ المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران يُهدّدون حركة السفن التجارية المدنية عبر البحر الأحمر.

تقارير

عدن مهددة بالظلام مجددا.. أزمة كهرباء بلا حلول

تتجدد معاناة سكان العاصمة المؤقتة عدن جراء انقطاع الكهرباء، إلا أنه عقب تحذير مؤسسة الكهرباء في العاصمة من قرب الخروج الكلي للمنظومة عن الخدمة، ترددت أنباء عن انفراجة يمكن وصفها بالبسيطة، تمثلت في وصول الناقلات التي كانت تحمل الوقود المخصص للمحطة في عدن.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.