تقارير
لمواجهة تفشي الأوبئة.. إعادة افتتاح مراكز الحجر الصحي في مأرب
شهدت محافظة مأرب تصاعدًا خطيرًا في تفشي الأوبئة، خلال عام 2024 وحتى اليوم، مما دفع السلطات الصحية إلى إعادة افتتاح مراكز الحجر الصحي، التي أُغلقت بعد انتهاء جائحة "كوفيد-19".
يعكس هذا القرار حالة الطوارئ الصحية، التي تواجهها مأرب، حيث تتوقف نصف المرافق الصحية في اليمن عن العمل، وفقًا لتقارير المنظمات الدولية والمحلية.
ويفاقم هذا الوضع الصعب نقص الخدمات الطبية الأساسية، الذي يعاني منه السكان المحليون والنازحون على حدٍ سواء، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الموارد المحدودة.
في قلب مأرب، يعيش أكثر من مليوني نازح في أكثر من 200 مخيم في ظل ظروف صحية متدهورة، حيث تتلقى السلطات الصحية بلاغات يومية من ضابط الترصد الوبائي، علي الرباعي، في مستشفى "الأم والطفل".
يقول الرباعي إنه يتلقى عشر إلى خمس عشرة حالة يوميًا، معظمها من الأطفال والنساء، الذين يعانون من أوبئة منتشرة؛ مثل: الكوليرا، الحصبة، وحمى الضنك.
يعود هذا الوضع إلى الحرب المستمرة، منذ عشر سنوات، حيث تركت تأثيرًا واضحًا على الصحة العامة في المحافظة، وتعاني هذه المخيمات من نقص حاد في المياه النظيفة والصرف الصحي الملائم، مما يُسهم -بشكل كبير- في انتشار الأوبئة.
- فتح المراكز
استجابة لتفشي الأوبئة، وجّهت السلطات الصحية مستشفيات مأرب بإعادة فتح مراكز الحجر الصحي، حيث تم تخصيص أسرة طبية لمرضى "الحصبة، حمى الضنك، الملاريا، الدفتيريا، الكوليرا، والجدري المائي".
وأوضح الرباعي، الذي يعمل في الترصد الوبائي، منذ سبع سنوات، أن "هذه المراكز كانت قد أُغلقت بعد انتهاء جائحة كوفيد-19، ولكنها الآن عادت لاستقبال الحالات الجديدة.
ورغم أن السلطات الصحية نجحت في تقليل انتشار حمى الضنك إلى حالتين أو ثلاث شهريًا، يبقى مرض الكوليرا يشكِّل تحديًا كبيرًا، مع تسجيل حوالي 15 حالة مؤكدة شهريًا.
يُشير الرباعي إلى أن مستشفيات مأرب تستقبل يوميًا العديد من حالات "الإسهال الحاد"؛ أغلبها من الأطفال، التي قد تكون أو لا تكون مرتبطة بالكوليرا؛ وذلك بفعل تشابه أعراض الكوليرا مع أمراض وبائية أخرى، مما يجعل التشخيص الدقيق والتدخل العاجل أمرًا حيويًا.
تعتمد الفِرق الطبية على الفحص المخبري للتأكد من الحالات، وتقديم العلاج المناسب، حسب وصف الرباعي.
- ترصد وتحرّك رسمي
يقول مدير وحدة الترصّد الوبائي، عبده ناشر، لموقع "بلقيس": "تم تسجيل 1,390 حالة مصابة بالكوليرا، إلى جانب 892 حالة مصابة بحمى الضنك، 790 حالة مصابة بالحصبة، 150 حالة مصابة بالدفتيريا، 76 حالة مصابة بالتهاب السحايا، و38 حالة مصابة بالشلل الرخو، خلال عام 2024".
وأشار إلى أن "الأرقام العالية تعكس الوضع الصحي الحرج، حيث تواجه السلطات صعوبات في إيصال المساعدات الطبية إلى المناطق المتضررة؛ بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة".
بدورها، وجَّهت السلطات بفتح مراكز عزل صحية للحد من انتشار الأمراض، مع التركيز على توفير الرعاية الصحية العاجلة للمصابين.
بقول مدير مكتب الصحة، أحمد العبادي: "مغادرة المنظمات الأممية والدولية تركت فجوة كبيرة في الدعم الطبي، ممّا أدى إلى إغلاق العديد من المراكز الصحية؛ بسبب نقص الأطباء، الأدوية، والمستلزمات الطبية الضرورية".
وأضاف: "يعاني النظام الصحي من ضغط متزايد، رغم سعي الكوادر الطبية إلى تقديم أفضل الخدمات، والإمكانات المحدودة".
- نقص الدعم الدولي
تسبب انسحاب العديد من المنظمات الدولية في تدهور الوضع الصحي في مأرب، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على المساعدات المحدودة التي يوفِّرها مكتب الصحة.
وتعاني الأسر من نقص في الخدمات الصحية، بينما تحاول الفِرق الطبية المحلية تقديم المساعدة من خلال العيادات المتنقلة، التي تظل غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، حيث تعتمد هذه العيادات على تجهيزات بسيطة، ما يجعل الاستجابة للأوبئة أكثر تحديًا.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، سجلت اليمن أعلى معدل إصابة بالكوليرا على مستوى العالم بحلول ديسمبر 2024، مع 249,900 حالة مشتبه بها، و861 وفاة؛ يمثل هذا العدد 35% من العبء العالمي للكوليرا.
تحتاج البلاد إلى تدخلات شاملة تشمل تحسين الوصول إلى المياه النظيفة، وتعزيز النظافة الصحية، وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية النظافة والوقاية من الأمراض.
- الأطفال والتحصين
يعاني الأطفال من انخفاض معدلات التحصين، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض، التي يمكن الوقاية منها.
ووفقًا لمنظمة اليونيسيف، تم الإبلاغ عن أكثر من 53,000 حالة حصبة مشتبه بها، و2,347 حالة مؤكدة في جميع أنحاء اليمن.
كما سجلت المنظمة 1,978 حالة مصابة بالدفتيريا، و239 حالة مصابة بشلل الأطفال منذ بداية تفشي المرض في نوفمبر 2021.
تتطلب هذه الأوضاع تحركًا عاجلًا لتحسين برامج التحصين، وتوفير اللقاحات.
يشكِّل عدم توفّر اللقاحات تحديًا كبيرًا، حيث يُسهم في تفاقم الوضع الصحي، ويعرِّض حياة الأطفال للخطر.
تقول منظمة الصحة العالمية: "إنه في ظل انهيار النظام الصحي، يحتاج 17.8 مليون يمني إلى مساعدات صحية عاجلة".
يعاني السكان من انعدام الأمن الغذائي، وتفشي الأوبئة المتكررة، مما يجعل الدعم الصحي ضرورة مُلحة.
أيضا، تعاني المستشفيات من نقص حاد في الأدوية والمعدات الأساسية، مما يضع ضغوطًا كبيرة على الكوادر الطبية، التي تعمل في ظروف صعبة.
تسعى الحكومة، بالتعاون مع المنظمات الدولية، إلى سد الفجوة في الخدمات الصحية، وتقديم الرعاية اللازمة للسكان المتضررين.