تقارير
معاناة الحديدة.. غياب حكومي حد العدم
تفتك الألغام والعبوات الناسفة الحوثية بالمدنيين في الساحل التهامي بشكل يومي، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وهناك مجزرة تزهق فيها أرواح الأبرياء.
وبحسب تقارير محلية ودولية، فإن ضحايا الألغام في الساحل التهامي يبلغون نسبة 70% من إجمالي عدد الضحايا في عموم المحافظات اليمنية، ومع كل مجزرة تحدث يتجدد التساؤل عن أسباب تجاهل الحكومة ضرورة إنشاء فرع للمركز الوطني للتعامل مع الألغام في مناطق جنوب الحديدة، التي تعد أكثر الأراضي اليمنية تلوثا بالألغام الحوثية.
- عام أكثر دموية
أفاد الراصد في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الناشط الحقوقي -غالب القديمي- بأن عام 2022م، كان الأكثر دموية في محافظة الحديدة، حيث بلغ عدد ضحايا الألغام، الذين تم رصدهم، نحو 400 ضحية وأكثر من 50% منهم قتلى، غالبيتهم من الأطفال، و 20% منهم نساء.
وقال: "إن ارتفاع عدد الضحايا، خلال العام الماضي، يأتي نتيجة عملية إعادة التموضع التي قامت بها القوات المشتركة بانسحابها من مديريات جنوب الحديدة، حيث عادت الأسر النازحة والمشردة إلى قراها ومراعيها، وكانت مليشيا الحوثي قد زرعت معظم هذه المناطق بالألغام".
وأوضح أن "مليشيا الحوثي زرعت الألغام بصورة تتعدى الخيال، وبشكل مبالغ فيه، إضافة إلى أن هذه المناطق فيها تقلبات رملية وتقلب مناخي، وهذا له دور كبير في طمس معالم ومواقع الألغام، ومع كل فترة زمنية تظهر ألغام جديدة".
وأشار إلى أن "البرنامج الوطني لمكافحة الألغام، بإدارة العميد ركن أمين العقيلي، لم يقم بأي دور، بل إنه يقوم بمحاربة الشباب الذين قاموا بإنشاء مركز تنفيذي لمكافحة الألغام حتى اللحظة، ويرفض الاعتراف به، بل أن أمين العقيلي حوَّل البرنامج الوطني إلى ملكية خاصة به وأسرته، ويرفض إنشاء فرع أو مركز في الحديدة، رغم أنها الأكثر تضررا".
ولفت إلى أن "رغم توجيهات رئيس الوزراء، ومتابعة محافظ محافظة الحديدة، إلا أن أمين العقيلي يرفض اعتماد فرع للمركز، بينما الأمم المتحدة تقدم دعما بملايين الدولارات للمركز التنفيذي التابع لمليشيا الحوثي داخل محافظة الحديدة".
- جرائم دون مساءلة
من جهته، يقول مدير وحدة البحوث والدراسات في وزارة حقوق الإنسان، وليد الأبارة: "إن ملف الألغام يعد من أكثر وأخطر الملفات الإنسانية التي تضرر منها عدد كبير من المواطنين، لا سيما في المناطق التي دارت فيها مواجهات وفي خطوط النار".
وأضاف: "مع الأيام تكشفت إستراتيجية مليشيا الحوثي أكثر، بلجوئها واعتمادها على زراعة الألغام والمتفجرات، سواء محلية الصنع أو المستوردة".
واعتبر أن "المليشيا حاولت، من خلال زراعة الألغام، حماية المواقع والمناطق التي تتمركز فيها، وتسيطر عليها، وقطع كل ما يمكن أن يؤدي إلى تقدم قوات الشرعية في حال هناك مواجهات إضافة إلى الضغط على المواطنين لمغادرة أراضيهم ومزارعهم، وجعلها مناطق عسكرية ليسهل السطو عليها وإحداث تغيير ديمغرافي فيها".
وتابع: "لجأت مليشيا الحوثي إلى زراعة الألغام، بالرغم من أن القانون الدولي الإنساني يجرِّم ذلك بشكل واضح، وما تزال حتى اليوم تستمر بزراعة الألغام دون أي مساءلة على الصعيد الدولي، بسبب حسابات معقدة داخل النظام الدولي، وحسابات جيو- سياسية مرتبطة بإيران، أو حتى على الصعيد الداخلي، لأنها ما تزال تتمتع بالقوة والنفوذ في مناطق سيطرتها".
وأردف: "ثماني سنوات من الألغام والتفجير والتفخيخ، وما تزال المليشيا خارج المساءلة -للأسف الشديد- رغم أنه لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يكون هناك ضحية من المواطنين، أو خسائر من المواشي والبقر والأغنام والجمال، وكل يوم نشاهد صورا لضحايا على مواقع التواصل الاجتماعي، يتم رصدهم من قِبل وزارة حقوق الإنسان واللجنة الوطنية للتحقيق".
وأشار إلى أن "البرنامج الوطني لمكافحة الألغام له جهود فيما يتعلق بمواجهة الألغام، وهناك أيضا مشروع مسام السعودي لنزع الألغام"، مشيرا إلى أنه "أهم مشروع إنساني في اليمن، عمل على تدريب فنيين على نزع الألغام".
وقال: "عندما يتم الحديث عن الألغام، فهناك مناطق في جميع أنحاء العالم، التي شهدت الحرب العالمية الأولى والثانية، ما تزال حتى الآن غير آهلة للسكان، ولم تتمكن هذه الدول من تطهيرها".
ويرى أنه "عندما يكون هناك طرف يصر على زراعة الألغام، يصعب بأي شكل من الأشكال أن يكون هناك جهود من قِبل الطرف الآخر بنزعها، خصوصا وأن هذه المناطق، التي يتم زرعها، تقع تحت سيطرته النارية أو تحت سيطرته الرئيسية".