تقارير
مقتل عبدالله الأغبري.. ماذا عن الجرائم التي لم توثقها الكاميرات؟
حشود غاضبة في صنعاء للمطالبة بمعاقبة قتلة عبدالله الأغبري، الجريمة التي هزت صنعاء، واليمن بأكمله.
السلطات الأمنية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي نشرت اعترافات المتهمين، إلا أن مراقبين اعتبروها ناقصة، وطالبوا بكشف كامل أبعاد الجريمة، والمتورطين فيها.
كانت هذه أول زيارة لعبدالله إلى صنعاء بحسب إفادة أخيه، ولم يكن يعلم أنها الأخيرة التي تنتهي على أيدي مجرمين استمرأوا ضربه وتعذيبه حتى فارق الحياة.
انعكاس للواقع
نقابة المحامين كلفت 11 محاميا متطوعا للترافع في قضية عبدالله، لكن وكيل نيابة شرق الأمانة منع فريق المحامين من حضور أولى جلسات المحاكمة، وفق مصادر حقوقية بصنعاء.
جريمة تعذيب وقتل الأغبري كشفت للرأي العام عن مدى تفشي ثقافة الجريمة في المجتمع، وخصوصا تلك المناطق التي تسيطر عليها المليشيا، فممارسة الحوثيين لكل أنواع الانتهاكات خلال ست سنوات اشاع مناخا مشجعا على العنف في المجتمع، لكن صنعاء اليوم أظهرت وجها رافضا للظلم وانتفضت بصورة تذكر بما قبل اختطافها من قبل الحوثيين.
مراقبون يرون أن هذه الانتفاضة قد تشكل نواة لاستعادة الشعب زمام المبادرة، ورفض أشكال القمع والتنكيل التي يمارسها الحوثيون ضده منذ ست سنوات، فالشعب تحت سلطة المليشيا لا يختلف مصيره عن مصير عبدالله الأغبري، غير أنه لا كاميرا مراقبة توثق ما يحدث لليمنيين كل يوم.
رمزية لليمنيين
وفي السياق، قال الناشط الحقوقي لبيب ناشر، إن عبدالله الأغبري يمثل رمزية لما يحدث للشعب اليمني ككل من اعتقال وتعذيب لآلاف منهم في السجون على أيدي مليشيا الحوثي بنفس الكيفية وبنفس القسوة، ويمثل رمزية للمجتمع اليمني المختطف والمعتقل والذي يعذب يوميا في لقمة العيش.
وأضاف ناشر، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة "بلقيس" مساء أمس، أن الشاب الأغبري لم يتعرض لحادثة عادية، بل اعتقل بغرض القتل.
ونوه ناشر إلى أن الاعترافات التي بثتها الأجهزة الأمنية التابعة لجماعة الحوثي للأشخاص المدانين تخرج الإطار القانوني من مجراه الصحيح، وهي حديث الجناة عن أنهم قاموا بضرب المجني عليه لغرض الضرب ولم يكن لديهم النية لقتله.
وأضاف: "الاعترافات التي بثتها أجهزة الحوثي للمدانين مجرد مسرحية هزيلة أمام الشعب اليمني لتهدئة الرأي العام في الداخل والخارج".
إفرازات الحرب
وحول وحشية المشاهد الصادمة التي وثقت لحظات تعذيب الأغبري، ذهب ناشر بالقول إلى أن الشعوب على ملة ملوكها، موضحا أن الشعب اليمني على مدى خمس سنوات تنامت لديه وحشية ورغبة سادية غير طبيعية اكتسبها من السلطة الموجودة داخل البلد.
وتابع: "طول أمد الحرب في البلاد أنتج جيلا كاملا من القتلة، وبالتالي ما رأيناه في جريمة الأغبري نتاج طبيعي لطول هذه الحرب".
وأردف: "خلال الخمس السنوات الماضية انتشرت السادية وثقافة العنف، وانتشرت جرائم القتل بشكل عجيب في مناطق سيطرة الحوثي".
بدوره، الكاتب والباحث عادل دشيلة، قال إن اليمنيين لم يروا أسوأ من هذه المرحلة على مر الصراع والتاريخ، حيث المليشيات تنهش في جسد المواطن اليمني في الشمال وفي الجنوب.
ولفت إلى أن المليشيات التي تدير دفة الحكم في الشمال هي من نشرت ظاهرة العنف والقتل والدمار، مضيفا أنه لو شعر المجرمون بأنهم سيلاقون جزاءهم لما قاموا بمثل هذه الجريمة.
دشيلة شدد على ضرورة كشف جريمة قتل وتعذيب عبدالله الأغبري ومن أدارها ومن يقف خلفها، كون من قام بها مجرد عصابة لها رأس هرم ينبغي الوصول إليه.
وعن خروج الناس للتظاهر في صنعاء دعما لقضية الأغبري وحول ما إذا كان هذا الخروج بموافقة المليشيا، أوضح دشيلة أن خروج الناس للتظاهر جاء بشكل عفوي نظرا لبشاعة الجريمة، مردفا القول أن سماح المليشيا لهم بالتظاهر محاولة لإيصال رسالة أنها مع القانون والعدالة والسلطات القضائية بهدف تحقيق أهداف سياسية.
جريمة سياسية
وعن السياق القانوني للقضية، أوضح المحامي عبدالرحمن برمان أن هذه الجريمة البشعة تصنف في القانون اليمني من الجرائم ذات الخطر العام وهي من الجرائم التي تهدد أمن المجتمع كونها أوصلت الضرر إلى المجتمع بشكل عام وشكلت نوعا من الخوف والرعب لدى أفراد المجتمع وتؤثر على سلوكيات المجتمع.
وأضاف أن مثل هذه الجرائم تتحول إلى ظواهر في حال ما كان هناك ردع بصورة سريعة وحاسمة.
ولفت إلى أن الجرائم البشعة في القانون اليمني تصبح قضية المجتمع ككل وليس قضية أولياء الدم وحدهم.
وأشار إلى أن هناك مخالفات قانونية ارتكبت من خلال تسريب اعترافات المدانين من قبل الأجهزة الأمنية، كونه كان يتوجب أن تكون جميع التحقيقات في المرحلة الأولى سرية ولا يطلع عليها إلا المحامون وأطراف القضية، ثم بعد أن تصبح القضية صالحة للنشر لا مانع من نشرها.
برمان يرى أن قضية عبدالله الأغبري قد تتخطى الفعل الجنائي وتتحول إلى جريمة سياسية تستهدف المجتمع في سلوكياته وأخلاقه في حال ما كان يقف وراءها جهات كبيرة وعصابات لها ارتباط بمراكز نفوذ.