تقارير

من يعيل كبار السن في زمن الحرب؟

06/02/2025, 11:29:31

“لا أحد يهتم بنا هنا، الحياة أصبحت صعبة لدرجة أننا لا نجد قوت يومنا، كيف يمكن أن نعيش بهذا الشكل؟” هكذا بدأ الحاج علي، مسن يمني في السبعين من عمره، حديثه وهو جالس أمام منزله المهدم في محافظة تعز، حيث لا يزال يعاني من آثار الحرب القاسية.

 ورغم أنه يعيش مع ابنه الذي يعمل في مهنته الخاصة، فإن الحاج علي لا يزال يتساءل عن ما تبقى له من عمره في ظل غياب الدعم والرعاية  لكبار السن.

الحديث مع الحاج علي لم يكن مجرد كلام عن معاناة شخصية، بل كان جرس إنذار لوضع آلاف كبار السن في اليمن، الذين يعانون من العزلة، والفقر، والحرمان، في زمن يتصاعد فيه الصراع وتزداد فيه الضغوط الاقتصادية ومثل الحاج علي  الكثيرين من جيله، يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه.

يقول : “أنا مريض بالسكري والضغط، ومنذ سنوات لم أتمكن من الحصول على علاج منتظم، في السابق كان هناك من يساعدني، لكن مع توقف الدعم، أصبحت الحياة أكثر قسوة.”

ومع حلول عام 2025، بلغ عدد المسنين في اليمن حوالي 2.7 مليون شخص، يمثلون نحو 10% من إجمالي السكان، وفقًا لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية. 

ومع استمرار الحرب، يزداد الوضع تعقيدًا بالنسبة لهذه الفئة العمرية، التي كان لها دائمًا دور محوري في العائلة والمجتمع، ولكنها الآن تجد نفسها عرضة للتهميش وتجرع مرارات الحياة القاسية.

أزمات متداخلة 

تفاقمت معاناة المسنين في اليمن بسبب الأزمة الصحية المستمرة. يعاني حوالي 45% من كبار السن من أمراض مزمنة مثل السكري، وأمراض القلب، بالإضافة إلى تدهور الصحة النفسية نتيجة للظروف القاسية. 

وبحسب تقرير أعدته “أطباء بلا حدود”، فإن نحو 30% من كبار السن في اليمن يعانون من إعاقات جسدية تتطلب رعاية دائمة. لكن المعضلة الكبرى تكمن في نقص الرعاية الطبية المتخصصة وعدم توفر الأدوية اللازمة للعديد من الأمراض المزمنة، حيث أن معظم المنشآت الصحية في مناطق الصراع إما دمرت أو أصبحت خارج نطاق الخدمة.

أما من الناحية الاقتصادية، فالأوضاع أسوأ. وفقًا لإحصائيات “اليونيسف”، يعيش 60% من كبار السن في اليمن تحت خط الفقر المدقع، في حين أن حوالي 70% من العائلات اليمنية تعاني من انعدام الأمن الغذائي. وهذا يشمل العديد من كبار السن الذين يعتمدون على الدعم الحكومي أو المجتمعي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

وفي كثير من الأحيان، تكون الأسر هي الجهة الوحيدة التي تقدم الرعاية لكبار السن، لكن هذه الأسر نفسها تعيش في ظروف مشابهة من الفقر والحرمان. يقول محمد، أحد أبناء الحاج علي: “أنا أعمل في مهنة بسيطة، ورغم محاولاتي لتوفير احتياجات والدي، إلا أنني لا أستطيع ضمان علاجه أو تلبية احتياجاته اليومية بشكل كامل.” ويضيف محمد: “نحن نعيش في وضع لا يُحتمل. كل ما أتمكن من توفيره هو الطعام، لكن العلاج الطبي والرعاية المستمرة أمر شبه مستحيل.”

هذه الشهادات ليست نادرة في اليمن، حيث تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن العديد من كبار السن يعتمدون بشكل رئيسي على أبناءهم أو أفراد الأسرة لتوفير الاحتياجات الأساسية، في وقت يعاني فيه الجميع من صعوبات اقتصادية كبيرة.

مساهمات محدودة 

رغم تزايد معاناة المسنين، بدأت بعض المنظمات الإنسانية والمجتمعية في اليمن بتنفيذ مشاريع لدعم كبار السن. ففي عام 2024، أطلقت “اليونيسف” مشروعًا لتوفير المساعدات الغذائية والطبية لنحو 300 ألف مسن في عدة مناطق، بما في ذلك تعز وعدن. كما تم توزيع المساعدات على المسنين في المناطق الريفية والنائية التي يصعب الوصول إليها.

لكن هذه الجهود، على الرغم من أهميتها، لا تلبّي الحاجة الفعلية للمسنين في اليمن. كما أن الوضع الأمني والتحديات اللوجستية أدت إلى تقليص حجم المساعدات في بعض المناطق، مما يزيد من المعاناة. يقول الحاج علي وهو يوضح: “لم نرَ مساعدات منذ أشهر، وحين تأتي المساعدات، تكون غير كافية لتلبية احتياجاتنا.”

أما الحكومة، فحتى الآن، لم تقدم الدعم الكافي للمسنين. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن السلطات  لم تضع سياسات واضحة لتمويل برامج رعاية كبار السن، وهو ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع مصير مجهول.

ومع استمرار الحرب، يبدو أن الوضع سيظل صعبًا على كبار السن في اليمن، لكن تبقى بعض الأمل في أن تنمو المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى تقديم الدعم للمسنين. حيث بدأت بعض المنظمات المحلية مثل “الهلال الأحمر اليمني” في تدريب المجتمعات على كيفية تقديم الرعاية لكبار السن، من خلال برامج توعية وتدريب لتوفير المساعدة لهم في مناطقهم.

وهكذا يظل وضع كبار السن في اليمن محاطًا بالتحديات الصحية والاقتصادية، حيث يواجهون صعوبة في الحصول على العلاج والرعاية الأساسية.

 ورغم بعض المبادرات الإنسانية، فإن حجم المعاناة أكبر من أن تتحمله هذه الفئة، مما يجعل من الضروري تكاتف الجهود الحكومية والدولية والمجتمعية لضمان حياة أفضل لكبار السن في اليمن.

تقارير

الانعكاسات الخفية.. كيف أثرت الحرب على الصحة النفسية للأطفال في اليمن؟

تعيش اليمن منذ سنوات في دوامة من الصراع المستمر الذي ألحق أضراراً جسيمة على جميع جوانب الحياة، ولم تقتصر تلك الأضرار على البنية التحتية أو الاقتصاد فحسب، بل امتدت لتطال جوانب أخرى أكثر عمقاً، مثل الصحة النفسية للأطفال في المناطق المتضررة.

تقارير

إحصاءات مقلقة.. تحدّيات ومعاناة يعيشها مرضى السرطان في اليمن؟

الرابع من شهر فبراير من كل عام هو اليوم العالمي لمرضى السرطان، الذي يحل على اليمن بإحصاءات تثير القلق، حيث أعلن مسؤول في مكتب الصحة بتعز ارتفاع عدد حالات الإصابة بالسرطان بنسبة 34 % في المحافظة، خلال العام الماضي، مقارنة بسابقه 2023".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.