تقارير
نضوب المياه.. معركة اليمنيين القادمة (ترجمة خاصة)
حذّر خبراء، منذ سنوات، من أن اليمن معرض لخطر كبير في نفاد مياه الشرب تماما في العقود القليلة المقبلة، إلا أن الوضع اليوم مروّع، إذ أن غالبية الناس الذين يعيشون في اليمن لا يحصلون على المياه النظيفة، حيث يبلغ نصيب الفرد من المياه العذبة في اليمن 74 مترا مكعبا فقط، وهو أقل بشكل كبير مما يعتبر «خط فقر المياه» البالغ 1000 متر مكعب للفرد.
باعتبارها أحد أكثر البلدان فقراً بالمياه في العالم، فإن تغيّر المناخ له آثار مدمّرة على إمدادات المياه في اليمن، وهي ظاهرة سارية بالفعل، حيث أصبح الجفاف والفيضانات، بدلاً من هطول الأمطار المنتظم، شائعة بشكل متزايد. غير أن تغيّر المناخ ليس العامل السببي الوحيد وراء التناقص السريع في إمدادات المياه في اليمن، فقد يكون الصراع مساهماً أكبر في هذه الكارثة.
دخل الصراع اليمني الآن عامه الثامن.
فبالإضافة إلى الأضرار المدنية الواسعة النطاق، والانتهاكات التي لا حصر لها للقانون الإنساني الدولي والقوانين الدولية لحقوق الإنسان، تسببت الأطراف المتحاربة أيضا في أضرار بيئية واسعة النطاق ستستمر لعقود قادمة.
فعلى الرغم من تضاؤل الموارد بشكل متزايد، تواصل الأطراف المتحاربة الاعتداء على مصادر المياه والغذاء وتدميرها، سواء بشكل مباشر من خلال الضربات الجوية وزرع الألغام الأرضية، أو بشكل غير مباشر من خلال فرض الحصار وعدم دفع الرواتب الحكومية، مما يؤدي إلى مفاقمة آثار تغيّر المناخ على إمدادات المياه المحدودة أصلاً في البلاد.
- انهيار الحكومة
ففي حين أن التحدّيات المتعلّقة بإدارة الموارد موجودة من قبل الحرب، فقد أدى تدهور المؤسسات الحكومية إلى انهيار إدارة النفايات والمياه والغذاء والأراضي والبنية التحتية الأوسع في جميع أنحاء البلاد.
فعلى سبيل المثال، لم تكن هناك سيطرة تُذكر على حفر الآبار أو الري في جميع أنحاء البلاد.
قامت المجتمعات والمزارعون بحفر الآبار وري المزارع بحسب الحاجة، دون الحصول في أغلب الأحوال على أي تراخيص للقيام بذلك، مما أدى إلى الإفراط في استخراج إمدادات المياه الجوفية.
في بعض الحالات، أدى هذا الاستخراج المفرط إلى انخفاض ضغط المياه في الآبار، مما أدى إلى جفاف العديد منها.
استخدام الحوثيين للألغام الأرضية وقيام التحالف، الذي تقوده السعودية، بالضربات الجوية ألحق أضرارا بمصادر المياه والأراضي الزراعية أو دمّرها في جميع أنحاء اليمن، بما دمّر البلد.
عندما تعطلت مرافق النفايات بسبب العجز في الإدارة والموارد، أو تعذّر الوصول إليها جراء الحرب، فقد تطايرت النفايات في المناطق السكنية، مما أثر على صحة السكان. على سبيل المثال، في تعز: تقع مرافق إدارة النفايات على الخطوط الأمامية من المواجهات، مما يحول دون الوصول إليها جراء القتال. أخبر ناشط من المنطقة "مركز المدنيين في الصراع" أن الخندق (السائلة)، الذي يتوسط مدينة تعز، تحول إلى مكب للنفايات، مما تسبب في ارتفاع معدلات الأمراض في المدينة.
وفضلا عن ذلك، ففي المناطق، التي تشرّد فيها الناس، لم يجر في كثير من الأحيان استحداث بنية أساسية للنفايات والصرف الصحي، بحيث أنها لا تلبّي الطلب المتزايد عليها.
وبالتالي، تلجأ العديد من العائلات إلى حفر فتحات للصرف الصحي بجوار منازلهم وملاجئهم، مما قد يكون له تأثير كبير على إمدادات المياه الجوفية، لا سيما في الأماكن التي تم حفرها بعمق كافٍ يصل إلى المياه الجوفية.
- الاعتداء على البنى التحتية
يعتبر كل من التحالف، الذي تقوده السعودية، والحوثيين، وهما الطرفان المتحاربان الرئيسيان في الصراع، مسؤولين عن تدمير البنية التحتية الحيوية من خلال الهجمات البرية والجوية. أضرت الضربات الجوية، التي شنها التحالف، بمصادر المياه والأراضي الزراعية أو دمّرتها في جميع أنحاء البلاد.
وجدت دراسة في عام 2017 باستخدام "مشروع بيانات اليمن"، أن الأراضي الزراعية كانت الهدف الأكثر تضررا من قِبل التحالف الذي تقوده السعودية في معظم المحافظات البلاد بين مارس 2015 وأغسطس 2016.
كما سجّل مشروع "بيانات اليمن" 121 غارة جوية نفذها التحالف على مصادر المياه والبنية التحتية بين مارس 2015 ومايو 2021.
في كثير من الحالات، دمّرت الضربات الجوية مضخات المياه في الأراضي الزراعية، مما جعل نظام الري بأكمله بلا فائدة، وترك المزارعين بدون وسيلة لإنتاج المحاصيل.
كما كان الحوثيون مسؤولين عن تدمير الأراضي الزراعية ومصادر المياه.
ففي مقابلة أجريت مع "مركز المدنيين في الصراع" كجزء من البحث لتقرير عام 2020، صرّح زعيم مجتمعي من قرية "الزوب" بمحافظة البيضاء أن الحوثيين «فجروا بئر المياه»، وكذلك «[استولوا] على المزارع واستخدموها كمزارع خاصة بهم».
ومع ذلك، فإن الهجمات المباشرة على البنية التحتية من قِبل الحوثيين أقل شيوعا لأنهم لا يستطيعون الحصول على الأسلحة الجوية، وهي بشكل عام أقل دقة في الهجمات التي ينفذونها.
وبالإضافة إلى الضرر المباشر الذي ألحقته هذه الهجمات بالبيئة، سواء في التدمير المباشر للأرض والمياه أو في الأضرار بهما، فإنها تؤدي أيضا إلى أضرار طويلة الأجل، لأن شبكات الري المعطلة قد تترك الأرض جافة وتصبح غير صالحة للزراعة.
كما ثبت أن للأسلحة المتفجرة تأثيرات مُلوّثة طويلة المدى على الماء والهواء والتربة.
- الأثر طويل الأجل على البيئة
كان من أبرز الآثار البيئية للحرب زرع الألغام الأرضية بكثرة في جميع أنحاء البلاد. كان الحوثيون هم المجموعة الرئيسية المسؤولة عن ذلك، حيث زرعوا الألغام في 18 محافظة من أصل 23 محافظة في اليمن بأعداد هائلة لدرجة أنه لم يكن هنالك من سبيل لتقدير عدد الألغام الموجودة حاليا في البلاد.
وقال أحد الأفراد العاملين في منظمة مسؤولة عن نزع الألغام الأرضية في إحدى المحافظات الجنوبية لـ"مركز المدنيين في الصراع" إنه يقدّر أن هنالك ما لا يقل عن 800 ألف لغم أرضي منتشرة في جميع أنحاء البلاد، لكنهم لم يتمكنوا من «فهم حجم المشكلة، لأنها حصلت بهذه الدرجة الكبيرة، وبسرعة كبيرة، بحيث يجري تتبعها وإجراء تقييم مناسب لها».
كما أن استخدام الحوثيين للألغام الأرضية يتعارض مع القانون الدولي.
فعلى سبيل المثال، تحظر اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام لعام 1997، التي يعد اليمن طرفا فيها، الألغام المضادة للأفراد، وهي أكثر أشكال الألغام شيوعا التي يستخدمها الحوثيون.
زرع الحوثيون العديد من الألغام الأرضية في الأراضي الزراعية، وفي مصادر المياه وحولها، مما منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ومنع المجتمعات من الوصول إلى مصادر المياه الضرورية.
كما أن الألغام الأرضية تنطوي على خطر حتى وإن لم توضع خصيصاً في الأراضي الزراعية أو في مصادر المياه. ذكر الأفراد الذين تحدث معهم "مركز المدنيين في الصراع" أن الفيضانات الأخيرة قد جرفت الألغام الأرضية في هذه المناطق، مما جعلها أكثر خطورة، ولا يمكن توقعها.
ومع انتشار الألغام الأرضية عبر الأراضي الريفية وشبكات المياه، لا يمكن للمزارعين الاعتناء بالأرض أو الري حسب الحاجة، مما يتسبب في أضرار طويلة الأجل للأراضي الصالحة للزراعة.
وإلى أن يتسنى نزع جميع الألغام الأرضية - وهي مهمة ستستغرق بالتأكيد عقودا - ستظل تشكل خطرا على المجتمعات المحلية التي تعيش في المناطق التي زرعت فيها الألغام، وعلى الأراضي التي وضعت فيها.
فرض التحالف، الذي تقوده السعودية، حصارا على اليمن منذ بداية الصراع، «قيّد بشدة تدفق الغذاء والوقود والأدوية إلى المدنيين».
كان لعدم القدرة على إدارة المياه والنفايات على نحو فعّال، جراء نقص الموارد الحيوية، آثار بيئية كارثية.
كان هذا هو الحال في عدن، حيث لم تتمكن الحكومة من استبدال المضخات المكسورة لأحد مرفقي معالجة مياه الصرف الصحي الرئيسيين بعد أن هاجمها الحوثيون في البداية في عام 2015.
منذ ذلك الوقت، تسرب ما بداخل المنشأة بالكامل إلى المستنقعات المجاورة حول المصنع، لتتسرب في نهاية المطاف إلى البحر.
- مستقبل مجهول
إن حاصل القيود المفروضة على الواردات، والظروف الاقتصادية السيئة ذات الصلة في البلاد، يعني أنه حتى مع تزايد الظروف المناخية الحادة، فإن البلاد ليس لديها سوى القليل من الموارد لإدارة هذه الظروف المناخية، مثل إعادة توجيه مياه الفيضانات.
مع استمرار الحرب في اليمن دون نهاية تلوح في الأفق، لا يزال من المستحيل التنبؤ بمدى الخراب والدمار الذي سيحدث على البيئة، وإلى متى ستستمر آثار الأضرار التي قد حدثت.
ومع نضوب الموارد الحيوية، مثل المياه بمعدل غير مستدام في جميع أنحاء البلاد، يجب على الأطراف المتحاربة أن توقف على الفور الهجمات على البنية التحتية الحيوية، التي يحظرها القانون الإنساني الدولي.
ويجب على المسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني والمجتمع الدولي العمل معا لوضع وتنفيذ خطة شاملة وعملية لمكافحة الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب والتخفيف من حدتها، ولمنع تدهور البيئة في المستقبل.
إذا لم يحدث ذلك، فلن يخاطر اليمن بنفاد المياه منه فحسب، بل سيظل في صراع لعقود عديدة قادمة.
•نيكو جافارنيا: باحثة إقليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "مركز المدنيين في الصراع".
- تدير البحث والمناصرة فيما يتعلق بقضايا حماية المدنيين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كتبت: نيكو جافارنيا*