تقارير
هل تقترب الحكومة من إصلاح مالي حقيقي أم مجرد حلقة جديدة من إدارة الأزمات دون حلول جذرية؟
تتصاعد الانقسامات الداخلية داخل مكونات الشرعية اليمنية، وتتفاقم الأزمة المالية وسط عجز الحكومات المتعاقبة عن حشد موارد البلاد، وظلت تعمل بلا موازنة عامة طيلة سنوات الحرب.
اليوم تتعالى الأصوات الدولية للمطالبة بالشفافية؛ حيث دعت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي حول الشفافية المالية لعام 2025، الحكومة اليمنية إلى إقرار الموازنة ونشرها للعامة، وتخضع حساباتها للتدقيق والرقابة، بما في ذلك الإنفاق العسكري والاستخباراتي.
مؤخرًا، أصدر رئيس الحكومة سالم بن بريك قرارًا بتشكيل اللجنة العليا للموازنة العامة للسنة المالية 2026 لبحث الإطار العام والسقوف التأشيرية، لكن ذلك يصطدم بعدم توجيه المؤسسات الإيرادية عائداتها إلى البنك المركزي.
في الأيام الأخيرة، استعاد مجلس القيادة الرئاسي لحمته من الرياض بعد تصاعد الخلافات. وفي أحدث اجتماع له، ناقش مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، لكن الشارع يتساءل: هل تقترب الشرعية من إصلاح مالي حقيقي أم أننا أمام حلقة جديدة من إدارة الأزمات بلا حلول جذرية؟
-غياب الإرادة والتفاهم
يقول الصحفي الاقتصادي وفيق صالح: "تقرير الخارجية الأمريكية للشفافية المالية لعام 2025 حول أداء الحكومة اليمنية في الجانب الاقتصادي والمالي ليس بجديد، فالحكومة تعمل طوال هذه السنين بلا موازنة وبلا أي مستندات ووثائق".
وأضاف: "الجديد هذه المرة أنه أتى من أكبر دولة ومن جهة دولية معتبرة، ويمكن أن يعمل تأثيرًا في هذا الجانب ويدفع الحكومة إلى الأمام من أجل العمل وفق خطط وموازنة واضحة ومحددة وشفافة، وإنهاء عملية العبث والعشوائية وتشتت الموارد وتعدد الحسابات الحكومية خارج إطار الموازنة في شركات الصرافة والبنوك التجارية، الذي أدى إلى تشتت الموارد وضياع الإيرادات العامة وفاقم من عجز المالية العامة للدولة".
وتابع: "أنا أقول دائمًا إنه مهما بذلت الحكومة من جهود دون أن يكون هناك موازنة محددة، فإن أي إجراءات في جانب الإصلاحات الاقتصادية ستذهب هباءً منثورًا".
ويرى الصحفي صالح أن "العمل وفق موازنة واضحة وخطط اقتصادية محددة، هو العمود الأساسي لأي اقتصاد ولأي خطط إصلاحية لتحقيق التعافي والاستقرار الاقتصادي والمعيشي".
وأردف: "أما استمرار العمل بهذا الوضع، فأعتقد أن كثيرًا من الإيرادات العامة المحلية أو الخارجية ستكون عرضة للنهب والهدر، وأيضًا سيخلق بؤر فساد كبيرة".
وزاد: "أعتقد، إذا كانت هناك توصيات، وفعلاً بُذلت تحركات جادة على الواقع، فهذا سيدفع بالحكومة إلى الأمام نحو تنفيذ هذه التوصيات من أجل إصلاح الجوانب الاقتصادية وتفعيل الصادرات النفطية والغازية".
وقال: "وللغرابة، نحن قرأنا في التوصيات الأمريكية وفي جوانب الخلل التي أصدرها التقرير بالأمس، ينتقد الحكومة بشدة لعدم استغلالها للموارد الطبيعية، وهنا يقصد الموارد النفطية المعطلة، وهذا ينفي الحجة أمام الحكومة التي دائمًا ما تقول إن هناك ضغوطات دولية تمنع تصدير النفط، فما الذي يعيق الحكومة الآن والمجلس الرئاسي من إعادة تشغيل الموارد المعطلة واستئناف الإنتاج؟".
وأضاف: "غياب الإرادة لدى الحكومة، وغياب التفاهم الكامل بين مكونات المجلس الرئاسي والحكومة، هو الذي يعيق إعادة تشغيل هذه الموارد".
وتابع: "لو كانت هناك جدية ورغبة حقيقية في معالجة الأوضاع لاستطاعت الحكومة منذ فترة طويلة المبادرة إلى تشغيل المصادر المعطلة واستئناف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز المسال".
وأوضح: "لكن للأسف، الحكومة تلجأ إلى الخيارات السهلة كالحصول على مساعدات ومبالغ محدودة تغطي النفقات بشكل مؤقت، كما حصل اليوم عندما أعلنت المملكة العربية السعودية دعمها الموازنة الحكومية بـ368 مليون دولار، وهذه أعتقد ستعمل على دفع رواتب الموظفين خلال الثلاثة أشهر القادمة".
-إجراءات إدارية وليست إصلاحات
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والإنسانية، الدكتور إيهاب القرشي: "التوصيات الأمريكية تأتي في سياق الإصلاحات الاقتصادية أو التوجه العام للمجتمع الدولي نحو دعم هذه الإجراءات التي تمت من قبل البنك المركزي والحكومة، لكنها تظل أيضًا إجراءات ولا تعد إصلاحات اقتصادية حقيقية".
وأضاف: "عندما نتحدث عن التخطيط والموازنة وعن توحيد قنوات الإيرادات للبنك المركزي، هذه بداية الإصلاحات الاقتصادية المهمة جدًا، التي إلى الآن لم نجدها على أرض الواقع".
وتابع: "ما حدث من إجراءات هي طيبة ونحن معها، ولكن تبعاتها لا زالت سلبية تجاه المواطنين والاقتصاد والأمن الغذائي والسلعي في اليمن، وهناك إرباك كبير جدًا، ولذلك موضوع الموازنة وإقرار الموازنة لعام 2026 يعد خطوة أولى لضمان هذه الإجراءات والانطلاق نحو الإصلاحات المستقبلية للاقتصاد اليمني".
وأردف: "إلى الآن، لم يتم التأثير الحقيقي لهذه الإجراءات في الاقتصاد اليمني، ولا توجد أي إيرادات أو تحسن في إيرادات البنك المركزي، والسبب أن الموضوع عبارة عن فقاعة إلى الآن، وليست معتمدة على إحداث إصلاحات اقتصادية حقيقية، وهو ما يتمثل بتحسين إيرادات الحكومة من السلطات المحلية وإيرادات الدولة من الصادرات مثل الغاز والنفط والمشتقات والمواد الزراعية والسمكية التي لم تحدث على أرض الواقع".
وزاد: "لذلك تظل هي إجراءات إدارية وليست إصلاحات اقتصادية لحد الآن، وموضوع الموازنة العامة هو الطاولة الكبيرة التي سيوضع عليها كل شيء".
وقال: "الودائع في البنك المركزي لن تكون حلاً وليست معالجة للاقتصاد اليمني، وقد مررنا خلال 11 سنة بعدد كبير من الودائع والأرقام المليارية التي ذهبت أدراج الرياح".
وأضاف: "لا بُد من اعتماد الدولة على إيراداتها من السلطات المحلية التي كانت تشكل 50% من إيرادات الحكومة في 2006، بالإضافة إلى إيرادات الزراعة والثروة السمكية والمعادن المعطلة حاليًا".
وتابع: "أنا أصر دائمًا على أن ما يحدث هو ضجيج نسمعه ولا نرى طحينًا، فهذه إجراءات وليست إصلاحات اقتصادية، والإصلاح الوحيد هو مراقبة البنك المركزي للواردات وتشكيل لجنة للاستيراد، أما تحسن سعر صرف العملة، فليس إصلاحًا حقيقيًا أبدًا، هو تسعير وهمي، مثله مثل تسعيرة الحوثيين في صنعاء".
وأردف: "هذا التسعير الوهمي للعملة أضر بالكثيرين، خاصة من يعتمدون على الحوالات من الخارج، حيث لم تنخفض الأسعار بنفس مستوى انخفاض سعر الصرف، لذلك أعتبرها مجرد فقاعة؛ لأنها انفجرت في وجه المواطن".
وتعاني المالية العامة في اليمن من شلل شبه كامل منذ سنوات الحرب، إذ لم تُقر أي موازنة عامة منذ 2014، ما أدى إلى تضخم الدين، وتعدد الحسابات الحكومية خارج الإطار الرسمي، وفقدان الثقة بالقطاع المالي. كما تكررت وعود الحكومات المتعاقبة بإصلاحات اقتصادية، لكن دون خطوات عملية لاستعادة الموارد أو توحيد الإيرادات، وهو ما يجعل التساؤل قائمًا: هل تمثل الخطوات الأخيرة بداية إصلاح فعلي، أم مجرد حلقة جديدة في إدارة الأزمات؟