منوعات
المشاقر وزيارة القبور.. طقوس لا تغيب عن العيد في اليمن
في صباح أول أيام عيد الأضحى، كانت الحاجة فاطمة (65 عامًا) تتفقد سلة المشاقر التي جمعتها مساءً من الريحان ورتبتها بعناية في قرص نحاسي صغير، ثم غطتها بقطعة شاش خفيفة. إلى جانبها، كان حفيدها الأصغر يراقبها بصمت وهي تستعد للخروج.
قالت له: “اليوم نزور جدك، لا تنس أن تقول له: كل عام وأنت في الجنة”.
حملت فاطمة السلة، ومضت مع أسرتها إلى مقبرة الحي في صنعاء، حيث يرقد زوجها منذ سبع سنوات، في المكان، كانت عشرات العائلات تتوزع بين القبور، تحمل الزهور والمشاقر والماء والعطر والمصاحف، وبعضها يحمل دموعًا لا يُعرف إن كانت للحزن أم للحنين.
طقس مركزي لا يغيب
زيارة القبور في اليمن تُعد من الطقوس الأساسية التي يحرص عليها كثير من الأهالي في صباح أول أيام عيد الأضحى والفطر. ويرتدي الزائرون أجمل ثيابهم، لا للحزن، بل لمشاركة موتاهم بهجة العيد.
في صنعاء وتعز وبقية مدن اليمن بما فيها الأرياف، تنتشر هذه العادة بشكل واسع، حيث تبدأ العائلات يومها بعد الصلاة بزيارة القبور وتوزيع المشاقر وسكب الماء وقراءة الفاتحة.
المشاقر اليمنية - وهي نباتات عطرية مثل الريحان والعطار والكاذي - جزء أساسي من هذه الطقوس، حيث توضع على القبور أو في أوعية فخارية، وأحيانًا تُستخدم لتزيين رؤوس النساء والأطفال خلال الزيارة.
ورغم الأوضاع الاقتصادية القاسية نتيجة الحرب المستمرة منذ سنوات، يتمسك اليمنيون بهذه التقاليد التي تحولت إلى مساحة إنسانية لمقاومة الفقد والفقر والنسيان.
تقول أم عبد الرحمن، وهي أرملة في الخمسينات، لموقع “بلقيس”: “في كل عيد نزور قبر ابني الذي استُشهد في تعز قبل أربع سنوات، نحمل له الماء والمشاقر، وأقرأ له الفاتحة. لا نملك المال لأضحية، لكن هذه الزيارة هي العيد الحقيقي بالنسبة لي”.
وترى أسر كثيرة أن العيد في ظل النزوح والانفصال العائلي، أصبح مناسبة لتبادل الذكريات أكثر من مظاهر الفرح. وتعد زيارة القبور فرصة للقاءات بين الأقارب بعد أن فرقتهم الحرب.
عطر الأعياد وتفاصيل الذاكرة
المشاقر ترافق اليمنيين في العيد منذ قرون، وتختلف تسمياتها من منطقة لأخرى. في تهامة تُستخدم أوراق الكاذي والآس، وفي صنعاء الذرحان والريحان، وفي تعز الخزامى والعطار. تُباع هذه النباتات في الأسواق قبل العيد بأيام، وتحضّرها نساء القرى وتزيّن بها المنازل وتُهدى للأحبة أو توضع على القبور.
ويضعها الرجال في رؤوسهم أو خلف آذانهم، وتستخدم لتزيين مداخل البيوت، أو تضاف إلى البخور لإضفاء طابع عطري على أجواء العيد.
يحرص كثير من الآباء على تعريف أبنائهم بهذه العادة، فيأخذونهم للأسواق لشراء المشاقر أو لقطفها من المزارع، ما يجعلها جزءًا من الذاكرة والهوية.
وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة، بات تحضير المشاقر وزيارة القبور من أبرز الطقوس التي تُبقي على شعور رمزي بالعيد، في ظل تراجع القدرة الشرائية وعزوف كثير من الأسر عن شراء الأضاحي أو الملابس الجديدة.
وفي بعض الأحياء، يتعاون الجيران على جمع المال لشراء الزهور وتوفير ما يمكن تقديمه للضيوف بعد العودة من المقبرة.
تقول عائشة، وهي نازحة من الحديدة تقيم في صنعاء: “لم أستطع شراء شيء هذا العيد، لا ملابس جديدة ولا ألعاب لأولادي، لكننا ذهبنا معًا إلى المقبرة، وأحضرت المشاقر من بستان قريب”.
وتشير تقارير محلية إلى أن غالبية الأسر اليمنية باتت تعجز عن شراء الأضاحي بسبب ارتفاع أسعار المواشي، إلا أن ذلك لم يمنعها من الحفاظ على الطقوس الروحية والاجتماعية مثل صلاة العيد، وزيارة القبور، وتجهيز المشاقر، باعتبارها جزءًا من التقاليد الأصيلة التي لم تتمكن الحرب من انتزاعها.