"صدقي الشيباني".. قصة عازف نساه الجميع

غيّبت المعاناة المريرة بهجة عازف العود الستيني صدقي الشيباني، وأخفت كثيراً من ملامح هيئته التي سُلِبت بفعل التشرد والهوان.

 نتيجة عدد من العوامل المعيشية السيئة التي أنهكت معظم روّاد الحركة الفنية في البلاد، وتحديداً منذ منتصف العقد الأخير وحتى اليوم، إذ تبدلت كافة مظاهر الأناقة عن شكل أحد "أفضل من عزف لكبار الفنانين"، بحسب شهادة أحدهم، كما روى الشيباني لموقع "بلقيس". 

بدا الفنان بتقاسيم وجه حزينة، وحيداً بلا عود أو ريشة، بسيط المظهر، هزيل الجسد، ولحيةٍ غزاها الشيب بغزارة، تلك شواهد كافية عن جور الأيام الأليمة الذي ألحقته بحياة صدقي كإنسان أولاً، ثم فنان وعازف ردد الترتيل بأنامله وعلى ريشة عوده وأوتاره، أعذب الألحان وأجملها، من مختلف الألوان الغنائية اليمنية لعمالقة الفن اليمني وكِبارهم، مثل: "أيوب طارش، أبوبكر سالم، على الآنسي، المرشدي، عبد الباسط عبسي".

 يكابر الفنان والعازف الإنسان حتى عن الشكوى من مصابه الضرير في حياة البؤس والتشرّد، وبصوتٍ خفيض كدت لم أسمعه، من شدة حياء الرجل وعزة نفسه، قال لموقع "بلقيس": "الحياة ليست مثل أول في صنعاء، لا احتفالات ولا مراكز ثقافية، لا أغاني ولا مهرجانات، ما عاد في حاجة تدلك على الفن، ومنها خسرت معيشتي، وتشرّدت في حياتي، أنا أعاني". 

قطع الشيباني حديثه لبرهة من الوقت، حين أحس بغصة في حلقه كادت تخنقه من غُلب الحياة. 

وأضاف لموقع "بلقيس": "ما عاد باقي إلا زوامل، أما الفن والأغاني قد ألغوها، شوف كيف عطلوا حياتنا - نحن الفنانين".

ـحضور قوي

لمع اسم صدقي الشيباني بقوّة في المشهد الفني والثقافي للبلاد، خلال المرحلة السابقة، واعتبر كثير من المهتمين بالمجال الفني أنه "واحد من أفضل عازفي العود، وممن عزفوا لكبار الفنانين في البلد". 

وصدقي هو المتمرّس والمتمكّن على إجادة واخراج النغم الأصلي نفسه، من خلال حضوره القوي عزفاً في جلسات الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، إذ يظهر ذاك جلياً للمتابع بشغف وتذوق. الشاب الثلاثيني "جلال حامد" يقول لموقع "بلقيس": "إن صدقي أحسن من يعزف للفنان الكبير أيوب طارش، وهو متمكن، لكنه مهضوم ما في أحد دعمه". 

تمرس الشيباني في العزف على العود، وتقليد الألحان الأصلية لكبار فناني البلد مذ وقت مبكر من حياته.

كان قد ابتدأ هذا المشوار الفني من تعز، التي أحيا فيها كثيراً من احتفالات البلاد بمناسباتها الوطنية الخالدة، وكذلك حفلات أعراس أبنائها، يقول صدقي لموقع "بلقيس": "بدأت مشواري الفني من تعز، عزفت للفنانين الكبار في الحفلات الوطنية الجماهيرية، غنّيت في حفلات الأعراس في تعز وصنعاء". 

أبدع صاحب الريشة الأنيقة والوتر الحساس في عزف وصلات غنائية مائزة، طيلة مصاحبة الكبار له في كثير من جلساتهم وحفلاتهم المختلفة. إذ كان في سنوات قد مضت ذا حظوة كبيرة، جالس فيها كثيرا من عمالقة الفن اليمني، طبقاً للرجل خلال حديثه لموقع "بلقيس". 

ويطغى حضور اللون الغنائي الخاص بالفنان أيوب طارش، والفنان عبد الباسط عبسي، بصورة قوية ومتفردة عزفاً وأداء.

ــ جحود وتنكُر

تضيق شوارع صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية، أمام عجز صدقي عن الإيفاء بمتطلباته الضرورية من قوت وغيره من الالتزامات الأسرية. 

إذٔ أفنى أعواماً مديده من عمره في خدمة الحركة الثقافية والفنية في البلاد، دون أن يحظى بوظيفة رسمية كباقي المبدعين، أو يتحصل على إعاشة شهرية لقاء إبداعاته واسهاماته الطويلة في المجال ذاته، حتى يتمكّن من مواجهة التزاماته الضرورية في الحياة التي كشّرت عن أنيابها في وجهه، كدليل واضح على حالة الجحود والنكران لنهايات مشواره التي لم يختتمها بعد. 

يقول صدقي لموقع "بلقيس": "لا أملك أي مصدر للدخل، لا معي وظيفة من سابق ولا أستلم راتب، معيشتي سيئة، وما أحد يقدِّر جهود المبدعين هنا، أزور أسرتي في البلاد مرّة واحدة في السنة، بسبب الوضع". 

تصدرت المعاناة أيام صدقي حتى أصبحت ملاذه الأوحد في أحلك لحظات عمره شريداً وصامتاً، في مساءات ونهارات صنعاء ذات الطقوس المتقلّبة المزاج، التي يصارع فيها بؤس الحياة بمرارة العلقم، منسياً من الجميع ومساعداتهم له حد الوجع والحسرة. 

وأضاف لموقع "بلقيس": "الجميع نسوني، وأنا في هذا الحال، أحياناً أشتغل بالمصاريف في القاعات". 

لكأنّ التخلي عن حياة المبدعين ورعايتهم عمل مشروع في بلد تتقاسم نفوذه المليشيات الدينية، التي تسعى إلى تقويض الحركة الفنية وروّادها.