منوعات

حلويات الأطفال.. مساحيق تضر بالصحة وتشجّع على ممارسة العنف

02/10/2021, 09:31:04

قناة بلقيس - هشام سرحان

يحث الطفل معتز مصطفى (10 أعوام) الخطى نحو البقالة المجاورة لمنزلهم في حي 'الضبوعة' وسط مدينة تعز، ويشتري كغيره من أطفال المدينة مساحيق ملوّنة ومحلاة وموضوعة في  قوالب بلاستيكية متعددة الأشكال والأحجام، وكعادته ينزع عنها غطاءها، أو يقضم طرفها بأسنانه، ثم يصبّها تدريجياً في فمه، مستصيغاً مذاقها، ومتجاهلاً تعليمات والده ووالدته، وتحذيراتهما المستمرة من تناول تلك الحلويات، التي تنتشر بشكل واسع وتحظى بإقبال كبير.

يتدافع الأطفال لشراء تلك المنتجات، دون إدراك منهم عدم فائدتها الغذائية، وأضرارها، ومخاطرها الصحية والنفسية والاجتماعية، وغيرها من التفاصيل المتعلّقة برداءة مكوّناتها ومواصفاتها، وطريقة تصنيعها.
يبتاعها معتز ورفاقه في الحي والمدرسة بشكل يومي، ويبدي  -في كل مرّة يتعاطاها فيه- شغفاً لا يضاهيه فيه سوى أقرانه، ولا يجد لذلك تفسيراً سوى أن مذاقها حلو، كما يقول لموقع 'بلقيس'.
ويضيف "أشتري هذه الأشياء في وقت الراحة بالمدرسة، وبعد خروجي منها، وكذلك أثناء تواجدي في المنزل، خصوصاً في وقت العصر أو قبيل المغرب".

لا تروق له البدائل التي ينصح بابتياعها، لمكوّناتها الغذائية، وتدني مستوى سُميّتها، ودرجة خطورتها، وهو ما يشير إليه والده، الذي ذكر لموقع 'بلقيس': "حاولت منعه من شراء بعض أصناف الحلويات، وأخبرته أنها مفتقرة للفوائد الغذائية، ومضرّة بالصحة، وحاولت إقناعه بشراء بدائل أخرى، وأتمنّى أن يسمع كلامي".
بمكوناتها الغريبة، ومصادرها المجهولة، تشهد بعض المساحيق المحلاة بمواد صناعية ومستحضرات العصائر الجافة والمقرمشات والآيسكريم والمشروبات الملونة رواجاً ملحوظاً في الأسواق والمدارس، الأمر الذي يرجعه البعض إلى غياب الرقابة وضعف السلطات المحلية والمكاتب الحكومية.



رغم التحذيرات الرسمية والتوجيهات القاضية بحظر صناعتها واستيرادها، ومنع بيعها وتداولها، إلا أن تلك المنتجات تتصدّر واجهة النشاط التجاري، وتُباع بشكل علني في معظم المحلات والأكشاك والبسطات، إذ يفسح الخمسيني نائف العديني، في بقالته الواقعة وسط مدينة تعز، حيزاً لتلك الأصناف، التي يرتّبها بعناية على رفوف زجاجية عند مدخل محله، ليجعلها في نطاق رؤية الأطفال، ويجذبهم إليها، ويسهل عليهم اختيارها وابتياعها.

* جهل

لا يدرك العديني مخاطر تلك المنتجات، والجدل الذي يدور حولها، والتحذيرات الرسمية والمجتمعية منها، ويواصل -منذ مدة طويلة- عرضها وبيعها لزبائنه الصغار، وذلك مقابل أسعار متفاوتة، قد تبدأ عند 50 ريالاً، ولكنها لا تتوقف عند ذلك الحد.

يظنّ الرجل الريفي أنه يقدِّم خدمة جليلة للأطفال، الذين يقدم لهم حلويات لا يعرف عنها شيئاً سوى اسمها، وطريقة جلبها من تجار الجملة الذين يذهب إليهم، أو الموزّعين الذين يأتون إليه.

بعفوية يقول لموقع 'بلقيس': "نفرّح الأطفال، ونخليهم يحلّوا، ونعطي كل واحد على قدر فلوسه، وما نرد أحد، ونبيع هذا ب50 ريالاً، وذاك ب 100 ريال، وغيره ب150 ريالا، وهكذا".

يتوجسّ أولياء الأمور وغيرهم من المخاطر المتعددة لتلك الأصناف، ويساورهم القلق من توسّع نطاق تفشيها وتناولها، ويرجّحون أنها وراء تلك الأعراض الصحية الجانبية، التي تظهر  على أطفالهم ك: التسمم الغذائي، والحساسية، والطفح الجلدي، والمغص، والإسهال، والتقيؤ، والحمى، والسعال، وغيرها من المضاعفات التي قد تطال المصابين ببعض الأمراض.

     
عبد الملك سعيد (48 عاماً) أب لأربعة أطفال، لطالما أصيبوا بوعكات صحية جراء تناولهم بعض الحلويات، التي لا تتضح تبعاتها إلا بعد زيارة الطبيب، الذي أخبره مراراً أنها خالية من المكونات الغذائية، وحذّره من مغبة تعاطيها على سلامة وصحة أطفاله، كما أكد له أنها سبباً لتلك الأمراض التي أصابتهم، والمضاعفات الصحية التي تحدث لطفلته التي تعاني من التهابات في الصدر، وطفله الذي يعاني من الحساسية.

تثير أشكال بعض حلويات الأطفال الشبيهة بعُلب السجائر والمسدسات والقنابل اليدوية مخاوف وقلق الأوساط المجتمعية والرسمية، التي تذهب نحو الحديث عن أضرارها الأخرى، وترى أنها
تدفع الأطفال نحو الانحراف، وتشجِّعهم على السلوكيات السلبية، وتنمِّي الروح العدوانية في نفوسهم.

يُبدي المعلّم عبدالعزيز الفقيه (50 عاماً) ارتيابه من الأشكال التي تظهر بها، ويعد ذلك تسميما لعقول الأطفال، وترويجا للعديد من المفاهيم  المغلوطة، والتصرفات الخاطئة، وتقديمها لهم  كممارسات سليمة ومقبولة، ما يحبب لهم  عادات التدخين وحمل السلاح والمظاهر المسلحة، ويدفعهم نحو التطرّف والعنف، ويهيِّئهم للالتحاق بالعصابات المسلحة والجماعات المتطرّفة والانخراط في القتال بصفوف أطراف الصراع.

انتعشت -خلال السنوات الأخيرة- تجارة حلويات الأطفال، مستغلة بذلك ضعف السلطات التربوية والمحلية،  والمكاتب الحكومية المعنية، وغياب دورها الرقابي، وتخاذلها عن القيام بواجبها، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحد من انتشارها، والتقليل من مخاطرها على الأطفال وأسرهم المنهكة، التي لا تحتمل نفقات العلاج، في حين تخوض كفاحاً مريراً لتوفير لقمة العيش.

* هوامش

بمسميات برّاقة ومألوفة تخفي الكثير من العيوب، وتَصرف الأنظار عمّا يُثار حول تلك المنتجات، التي ترجّح مصادر متطابقة أنها سامة، ومصنوعة بطريقة يدوية، وفي معامل متسخة، وغير مرخصة، وبعيدة عن الرقابة، ومخالفة للمواصفات ومعايير التصنيع الجيّد.



الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة في تعز حذّرت من بعض أصناف الحلويات المستوردة والمصنعة محلياً، التي تتخد شكلاً مشابهاً للسجائر والأسلحة، كما منعت صناعتها واستيرادها وبيعها وتداولها، كونها تُعرِّض الأطفال لمخاطرها الصحية، وأضرارها المتعددة، كما تضر بهذه الشريحة، وتُسهم في بناء أفكار وعادات سلبية لديها.

مدير عام الهيئة، ياسر عبد درهم، ذكر لموقع 'بلقيس': "الهيئة حظرت إنتاج تلك المنتجات، والاتجار بها، ومنعت دخولها البلاد، إلا أنها تدخل إليها بطرق غير رسمية، وهو ما يتطلب تضافر جهود الجميع لمحاربتها".

وأوضح أن الهيئة منعت إنتاج واستيراد مساحيق الشراب الصناعي، التي يقل وزنها عن 100 جرام، كونها تتضمن محليات صناعية، ويمنع إضافتها للمنتجات المخصصة للأطفال، ومن أبرز تلك المحليات: المحلى الصناعي "اسيسلفام يوتاسيوم"، الذي يجب ألا تزيد كمية الاستهلاك منه عن 15 ملغرام/كجم من وزن الجسم، إلى جانب محلى "الاسيارتم"، الذي يمنع استخدامه من قِبل الأشخاص المصابين ببعض الأمراض.

ويتدنّى مستوى التزام التجار بضوابط الهيئة، التي وجَّهت بسحب تلك الأصناف من الأسواق، ومنع بيعها وتداولها، وذلك لغياب التنسيق بين الجهات المختصة، وعدم تضافر جهود الجميع، بمن فيهم المواطنون.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.