مقالات
أفكار مبعثرة
لازال الحاكم يرى أقرانه يتساقطون في الوحل والخريف والمقابر، لكنه لايزال يُقامر، يحتقر شعبه، يهين إضبارة التاريخ ويستهتر بأحكامه.
أيّ حاكم مخلوع أو مقتول يدرك هذه الحقيقة، ولكن بعد فوات الأوان: أنه ساقط لا محالة كورقة صفراء من شجرة سيسبان على قارعة الطريق وذاكرة الأجيال.
وظلت هذه الحالة من تجلّيات وتحوّلات أيّ حاكم منذ غابر الوقت، وفي سائر الجهات. حين يدرك الحاكم الحقيقة تكون قد طارت السكرة والفكرة معاً.
كرّرها معمر القذافي: من أنتم! وطاردت لسانه الجميع زنقةً زنقة. لسانه فقط، قدماه لم تقويا على مطاردة شخص ولا شيء سوى ظله.
كرّرها ع . ع . صالح أيضاً: دقُّوهم بالقناصات. عن أهالي تعز كان يتحدث. هؤلاء أنفسهم الذين شتمهم عبدربه منصور: أنيك عارهم.
هل أهالي تعز فقط قابلون - دائماً - للقتل والشتم من جميع الرؤساء؟
لا، جميع اليمنيين كذلك، ولكن بنُسب متفاوتة.
ضِف من لدُنك آخرين كما تشاء.
السلطة - دائماً - فاكهة مسمومة. أُحجية ملعونة. عجوز شمطاء. فأر أجرب. لوحة تبوَّل عليها حارس المتحف فطمس ألوانها. دودة حكَّاكة في طيز قرد أرعن. وراقصة باليه تجاوزت الثمانين وتستلم معاشها التقاعدي من مبنى البلدية.
وكرّرها حسني مبارك: دا أنا قلت لهم، بس هُمَّ ما فهمونيش. من هم هؤلاء الذين قال لهم؟ حتى هو نفسه لم يكن يدري من هم!
أما زين العابدين فقد "فهمهم"، ولكن متأخراً جداً جداً جداً.
عبدالله السلاَّل لم يبصر "جحره" إلاَّ في مرحاض القاضي العرشي. هو قالها. "جحره" ذات نفسه دخلته الكهرباء قبل أن تدخل إلى بلاده. هو أكدها ساخراً في مستشفى القوات المسلحة المصرية.
قحطان الشعبي أطاحه سالمين الذي أطاحه عبدالفتاح الذي أطاحه علي ناصر الذي أطاحه علي البيض الذي أطاحه علي صالح الذي أطاحه شباب زي الورد. لم يعد ثمة ورد في هذا البلد، بل ثمة "بلاليع" تفجّرت ثورتها في شارع هائل، وحافة حسين، وفي بطون تجار الحروب.
كل مسؤول سياسي سابق في هذي البلاد هو فيلسوف حكيم بالضرورة، وهو دمث ومتواضع وخلوق بالضرورة، وهو يحترم جداً المشاعر والأفكار وحقوق الإنسان وإشارات المرور بالضرورة.
حتى إبليس - بعد طرده من الجنة - صار رئيساً لأربع جمعيات خيرية، وعضواً ناشطاً في اتحاد الأدباء ونكابة الصحافيين، ورابطة أنصار البيئة!