مقالات
الاتفاق السعودي - الإيراني مبتدأ فأين الخبر؟
الاتفاق السعودي - الإيراني بعودة العلاقات بينهما فتح باباً لتخفيف التوتر في المنطقة العربية، وبالأخص في اليمن، ولبنان. ذلكم البلدان اللذان دمرهما الصراع، وأتى الاتفاق ليفتح نافذةً للأمل لكليهما.
كانت الحرب المركبة في اليمن، والممتدة لثمانية أعوام، هي أكبر كارثة تطال اليمن، وكان الصراع الإيراني - السعودي حاضرا منذ البداية؛ فما أن تفجرت الحرب بين الأطراف اليمنية؛ حتى رمت القوتان الإقليميتان؛ السعودية، وإيران بثقلهما وعدتهما وعتادهما للاحتراب بالدم اليمني، وحولتا اليمن إلى ميدان صراع.
الأطراف اليمنية المتحاربة جلادون وضحايا؛ جلادون لوطنهم، ولأبناء شعبهم، وضحايا، وأدوات للصراع الإقليمي المتخذ من الحرب حمايةً لمصالحه، وتحقيقاً لمآربه.
الحرب دمّرت إمكانات وقدرات اليمن، وهدمت كيانها الوطني، ومزَّقت نسيجها المجتمعي، وبعد أعوام من انخراط إيران والسعودية في الصراعات المدمّرة في العراق، وسوريا، ولبنان، وبالأخص في اليمن - ربما شعر النظامان بعدها بالاستنزاف، والإنهاك، وأن هناك طرفاً دولياً أكثر استفادة، وهو في الوقت نفسه متربص بهما.
النظام الإيراني وجد نفسه في مواجهة مع شعبه، ومحاصراً من القوى الكبرى، ومهدداً بضرب مفاعله النووي، وإسرائيل تعد العدة لجره إلى الحرب. أما العربية السعودية، فإن حليفتها في الحرب على اليمن (الإمارات العربية) تهرب إلى الاحتماء بإسرائيل، ومعها البحرين المحمية بدرع الخليج السعودي، وتكتشف السعودية زيف وكذب الحماية الأمريكية، والمبالغة في الإساءة والابتزاز؛ فتمتنع -بمستوى معين- عن الإرغام الأمريكي للتطبيع مع إسرائيل، وتُقدِم القيادة الجديدة؛ فتنسج علاقات مع الصين وروسيا؛ ما مكنها من مراجعة سياستها وتحالفاتها، ويعود للصين الدور المهم في عودة العلاقات بين القوتين الإقليميتين: السعودية، وإيران.
عودة العلاقات السعودية - الإيرانية تخفف من حدة التوتر في المنطقة كلها، وتحد من مخاطر الحرب، وتفتح نافذة للأمل بوقف الحرب في اليمن، وبداية السعي لحل سياسي.
يحرص السعوديون أن يبدأ الحل بمصالحة سياسية داخلية؛ يترتب عليها الحل في المستوى الإقليمي والدولي، في حين يصر أنصار الله على الحل الشامل بينهم، وبين السعودية. يذهب السعوديون إلى القول إن المشكلة يمنية - يمنية، في حين يرى أنصار الله أن المشكلة يمنية - سعودية، فحسب.
بعد حرب 5 حزيران، اضطر جمال عبد الناصر إلى سحب جيشه من اليمن بعد تعهد الملك فيصل بعدم دعم الملكيين، وإمدادهم بالمال والسلاح، لكن قبل أن يستكمل الجيش المصري الانسحاب، كان الملكيون يزحفون على المدن اليمنية، وتَدفقَ المال، والسلاح، والمرتزقة الأمريكان والأوروبيون لإسقاط العاصمة اليمنية صنعاء، وخلال أسابيع جرى تطويقها من الجهات الأربع، وعزلت العاصمة الثائرة عن مختلف مناطق اليمن.
شكل اليمنيون المقاومة الشعبية، وتوحد الجيش والأمن والمقاومة الشعبية، وتراصت صفوف القوميين: حركة القوميين العرب، والبعث، والناصريين، والتيار الماركسي، وخلال سبعين يوماً تمكن اليمانيون من كسر الحصار عن صنعاء، وبقية المدن اليمنية، وهرب المرتزقة.
يريد السعوديون والإماراتيون التهرب من مسؤوليتهم في الحرب، ويهدفون إلى التحول إلى مصلحين ورعاة للحل السياسي، بينما يريد أنصار التنكر لطبيعة الصراع اليمني - اليمني، وعدم الاستجابة للمصالحة اليمنية - اليمنية، ويعتبرون انتصارهم تمكيناً إلهياً لا شأن لليمن ولا اليمنيين به؛ لذا لا يقبلون بالتشارك، أو حتى التسامح مع إخوانهم، غير مدركين أن التمكين الإلهي هو دفاع اليمنيين عن بلادهم ضد العدوان، وضد وضع اليمن تحت الفصل السابع، ووصاية الرباعية الدولية.
الصراع اليمني شديد التعقيد، وتتعدد الأطراف المتباينة والمتعادية، كما تتداخل هويات ما قبل عصر الوطنية والدولة من قبلية، وطائفية، وجهوية، وهي فاعلة وحاضرة، بالإضافة إلى التدخل الخارجي، والصراع الإقليمي - كل هذا يغذي الهويات البائسة لإطالة أمد الصراع، وترسيخ نفوذه في اليمن المفكك والمتصارع.
الصراع الإقليمي السعودي - الإيراني له مصلحة في حسم صراعاته، وحل مشكلاته، ولكن حل صراعاتهم لا يمر بالضرورة عبر حل قضية اليمن.
ليست هي المرة الأولى، التي يجد اليمنيون أنفسهم أسرى الصراع الخارجي، ولكن في نهاية المطاف لا يكون الحل إلا بتصالح اليمنيين، وتوافق إراداتهم، وقبولهم ببعضهم، والخلاص من التدخل الخارجي.
المأزق في الصراع الحالي أن صناع كارثة الحرب هم الأطراف التي يراد لها أن تكون كل الكارثة، وكل الحل؛ وهذا ما تريده السعودية والإمارات وإيران، وهو ما أنجزته مبادرة التعاون الخليجي عام 2011، حين أعادت اللحمة بين طرفي الحكم: المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، وكانت النتيجة حرب الثماني سنوات، وما يسهل مثل هذا الصنع توزع الأحزاب القومية اليسارية على خارطة الحرب، والارتهان للصراع الإقليمي والدولي، وغياب المجتمع المدني والأهلي، والشخصيات العامة، والمؤسسات المدنية.
الاتفاق الإيراني - السعودي يخص صراعاتهما بالأساس، ويلبِّي ويستجيب لمصالحهما، وبالتأكيد انعكاساته إيجابية وطيبة على المنطقة كلها، وبالأخص اليمن المرتهنة لصراعاتهما، لكن على الأطراف اليمنية التي تقاتلت أصالةً ونيابةً أن تأخذ قرار حلها بيدها، مستفيدةً من اتفاق أولياء أمور الحرب ومموليها.
قوة انتصار أنصار الله الحوثيين تتجلى في التصدي، ومواجهة العدوان السعودي - الإماراتي المدعوم أمريكياً وأوروبياً، كما أن نقطة أو نقاط ضعفهم هو إعطاء الصراع ضد شعبهم أو جزءاً من شعبهم الأولوية، بالإضافة إلى عدم احترام التنوع والتعدد، والاعتراف بحق كل اليمنيين بمختلف معتقداتهم، واتجاهاتهم، ومواقفهم، في التشارك على قدم الندية والمساواة في الحكم، والأهم المواطنة المتساوية، بعيداً عن أوهام "الهوية الإيمانية"، وزيف الاستعلاء السلالي الطائفي.
أما خيبة أو خيبات الشرعية فهي تسليمها، ومنذ الساعات الأولى، كامل أوراقها للسعودية والإمارات، ورضاها بأن تُستخدم في الحرب كأداة، وكانت الطرف الأضعف منخورةً بصراعاتها، وتهافت المصالح والدعاوى، وكان الانتقالي الداعي إلى الانفصال كعب أخيل في الحرب الخائبة.
في الحروب الأهلية لا يوجد منتصر؛ فأن تقتل أخاك، أو يقتلك أخوك، لا يعد انتصاراً، وأن تنتصر مدينة يمنية ضد أخرى، أو قرية، أو قبيلة، أو حتى جهة، ضد جهة أو جهات، لا يعني إلا خسارة الجميع.
في حقيقة الأمر، فالحرب اليمنية بدأت منذ حرب 1994 ضداً على الجنوب، وإلغاء مشاركته في الوحدة الطوعية السلمية، وما أعقبها من حروب صعدة الستة، وهذه بداية الكارثة.
الحوار اليمني - اليمني هو البديل، والوسيلة الأرقى لحل الخلافات، والتوافق على حل سياسي سلمي هو البديل لأوهام القوة والتفرّد.
تمسك أنصار الله بأوهام الانتصار في مواجهة شعبهم مصدر خطر ضدهم، كما أن تمسك الشرعية باستمرار الارتهان للسعودية، والإمارات مصدر ضعفهم وخيباتهم، أما الدعوة إلى الجنوب العربي فهي دعوة ميتة.
المعنى الجوهري للاتفاق الإيراني - السعودي التفرغ لقضاياهم الداخلية، وعدم التصارع هنا أو هناك، أما مسؤوليتهم السياسية والأدبية والأخلاقية فهي تشجيع الأطراف الموالية للذهاب إلى الحوار، وتحقيق التصالح الوطني والمجتمعي، وتعويض اليمن عمّا لحق بها من خراب وتدهور.
أخشى ما نخشاه -كيمنيين- أن يكتفي صناع الحرب الإقليميون والدوليون بتعويم القضية اليمنية، ووضع اليمن في حالة اللاحرب، واللاسلم، والاكتفاء بمعالجة بعض القضايا الإنسانية كفك الحصار، وتبادل الأسرى، وصرف المرتبات، ونزع فتيل التوتر، مع بقاء اليمن مفككا ضعيفا قابلاً لإعادة الصياغة وفق أهوائهم.
الاتفاق السعودي - الإيراني مبتدأ، والخبر ما سيقوله اليمنيون لأنفسهم، ولبلادهم المنكوبة بهم.