مقالات
الحوثي .. لينين .. وجدّتي نيرمين !
قُلْ: الحوثيون، أو قُلْ: أنصار الله، أو ما شئت فَقُلْ. المهم أنك تتحدث عن جهة معلومة وهوية محددة، لا لَبس فيها من حيث الاسم والفعل والانتماء. ولا يهمك إذا طالبك أحدهم بالكفّ عن منطوق "الحوثيين"، وتستبدله بالنعت الرسمي "أنصار الله"، فذلك ضياع للوقت في سفسطة حلزونية لا تُقدّم في جوهر الأمر شيئاً أو تُؤخّره.
فالمهم أن ناطق ذلك المسمى أو تلك الصفة يقصد "ذوناك الناس"، وليس سواهم. فاتركوا عنكم سفاسف الأشياء، وادخلوا في لبّ الموضوع. وللأسف الشديد، فإن هذا اللبّ قد تجرثم، وذلك الموضوع قد تأثَّم!
وبعد ستة أعوام من انقلاب 21 سبتمبر (يمكنك أن تصفها بثورة 21 سبتمبر. ماكو مشكل. أو قُلْ: حركة، وربما حادثة، أو ما شئت من التوصيفات أو المُركّبات اللغوية، وهي في واقعنا أكثر من دود البنغال!) .. بعد ستة أعوام على ذلك الذي حدث، عرف الناس ماهيّة وهويّة أصحاب ذلك الحدث على قدرٍ وافٍ ومقدارٍ ضافٍ من الدقة والوضوح والموضوعية والعُمق.
وتعرَّفوا جيداً إلى جذورهم الفكرية والعقائدية، وإلى أبعادهم السياسية والاستراتيجية، وإلى جوهرهم المذهبي والطائفي.. وصارت ثمة حرية كافية لدى الناس في اتخاذ الموقف الذي يرونه جديراً بالتعامُل مع هؤلاء الناس: إما بالتعايُش والاندماج، كما حدث في ايران، ويحدث حالياً في بعض مناطق اليمن .. وإما بالتحاور والتجاور، كما حدث في لبنان .. وإما بالمقاومة والاحتراب، كما يحدث في بعض بقاع اليمن حتى هذه اللحظة.
كما تعرَّف الناس في الوقت نفسه إلى طائفة من الكائنات الآدمية، ظهرت بعد 21 سبتمبر، أُطلق عليهم نعت "المتحوثين"، وهم ممن عُرفوا في التاريخ بأنهم ملكيون أكثر من الملك أو مُتفرعنون أكثر من فرعون 'زات نفسو'!
وهم نفر غير قليل ممن لا ينتمون إلى الزيدية ولا الاثنا عشرية ولا العلوية ولا المهلبية، ولكنهم يقترفون ما لم يجروء على ارتكابه أكبر رأس أو كرش في آل الحوثي أو بني هاشم، وعلى الأخيرين أن يلبسوا الجريرة بالطبع، ويتحملوا المسؤولية بالضرورة، لأن الدجاجة الحمراء هي التي وضعت البيضة السوداء!
ومثل هذه الفئة (وقد أسماها الناس الزنابيل، في مقابل القناديل وهم صفوة السلَّة وزبدة السلالة)، ذكَّرتني بأخرى تُشبهها في الجوهر، ظهرت بيننا في سبعينيات القرن الماضي في عدن وجوارها.
وتلك الفئة كانت تتشدَّق بأفكار وتعاليم الماركسية اللينينية، فيما هي لم تتحرر بعد من الأُميَّة الأبجدية ناهيك عن الثقافية. وقد زادوا علينا في تعاطيهم مع الأدبيات الشيوعية، ثم زايدوا علينا بها، ثم راحوا يستنقصون مما جاء به الرفيق الأكبر فلاديمير ايليتش أوليانوف في "الدولة والثورة"، و"ما العمل؟"، و"خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف"، فكنت تسمع أحدهم لا يكتفي بما قاله لينين، بل يُضيف إلى ما قاله لينين!
ولو عرف لينين تلك الإضافات، لتبرَّأ من رصيده النظري كاملاً، وانضمّ إلى بن لادن في 'تورا بورا'، وأعلن محاربة الشيوعية!
أحد هؤلاء طلب مرةً من قيادة حزبنا أن تتدخل فوراً لرأب الصدع بين القطبين الشيوعيين الأعظم (روسيا والصين)، حتى ولو اضطرَّنا الأمر إلى استخدام القوة ضدهما ... أي والله!
أما جدَّتي نيرمين - طيَّب الله ثراها - فقد كانت تقول لي دائماً مُحذّرةً: لا تخشَ يا بُني من السلطة ... إنما من كلابها!
ومنذ ذلك الحين، وأنا أتلفّت حواليَّ فأرى كلام جدّتي تملؤه الصحة، ويغمره الصواب .. فرحمة الله تغشاك يا 'تيتة' نيرمين.