مقالات
الدكتورة إلهام مانع وكتابها "الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن: 1948 - 1993م - دراسة تحليلية"
يقع الكتاب في 336 صفحة، و16 صفحة ملخص باللغة الإنجليزية. يشتمل الكتاب على مقدمة بقلم الدكتور أحمد البشاري، وخمسة فصول، وخاتمة، وملحق، وقائمة بالمراجع.
يعتبر الدكتور الحزبية في بداية تكوينها من أهم وسائل التعبئة السياسية لأفراد المجتمع، وحشد قواهم في سبيل مقاومة الاستعمار في الجنوب، وتغيير نظام الإمامة في الشمال. يشير إلى حظر الحزبية، وتباين الآراء حولها، كما يتناول محاولة الباحث دراستها، ويتساءل: هل تتوفر في اليمن بيئة ملائمة للتعددية الحزبية؟ ويرى -محقًا- أن الإجابة لا تكون بـ«نعم»، أو «لا».
كما يشير إلى حظر حركة 13 يونيو 1974 الحزبية في صفوف الجيش. والواقع أن حظر الحزبية في الجيش والأمن والقضاء والتعليم مهم، ولكن قرار 13 يونيو كان وقود معركة سياسية ضد أطراف أخرى، وليس عامًا ومجردًا. [الكاتب]. وكانت الخطوة الأساس المادة الـ'39' من دستور دولة الوحدة مبدأ التعددية السياسية، وإن أحالها إلى قانون يفرض القيود. [الكاتب].
ويعرف الباحثة بأنها المعيدة بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء، والآتية من الدراسات العليا بالولايات المتحدة الأمريكية بعد تميزها في دراستها في الكويت، وأن المستوى العلمي للباحثة قد انعكس إيجابيًا على الدراسة. أما مقدمة الباحثة فتشير أن أساليب العمل السياسي في الشطرين تتصف بسيادة الاتجاه الرسمي للسلطة، ولم تتح مجالاً للقوى الأخرى؛ شأن دول العالم الثالث. وتعتبر أن انتخابات الـ7 من أبريل 1993 شكل منعطفًا حاسمًا تنعقد حوله الآمال، وممارسه صحيحة لمفهوم التعددية.
وما يعيب التجربة -رغم الأهمية- أنها جاءت في سياق تقاسم طرفي الحكم في الشمال والجنوب حصيلة الانتخابات؛ فقد تفرد الجنوب بالجنوب، وتقاسم الشمالَ الحليفان: المؤتمر، والإصلاح؛ للالتفاف على حصة الجنوب؛ وهو ما مهد لحرب 1994، وكان حضور أجهزه الدولتين أقوى من المسميات الحزبية.
وتشير -محقةً- أن التحدي الذي تواجهه اليمن لا يخرج عن المأزق الديمقراطي، واعتقاد اقتصار الديمقراطية على الجانب الشكلي: أحزاب سياسية، وبرلمان نيابي تابع للدولة، وعدم امتزاجها بالهياكل المؤسسة للمجتمع لتخلق مبدأ دولة القانون. تنتقد الصيغة الشكلية للتعددية التي لا تتجاوز حيزًا ما من حرية القول، بينما تحتكر النخبة، أو شريحة سلطوية عليا- صنع القرار.
وتشير إلى أن العديد من بلدان العالم الثالث قد اختارت الجانب الشكلي من الديمقراطية؛ مؤكدةً على أهمية بناء دولة الحداثة والقانون. وحقيقةً، فإن تلكم مشكلة اليمن كتأكيد الباحثة، وتعدد موضوعات الكتاب. المقدمة النظرية من «الفصل الأول» تدرس مفهوم الحزب، وتدرس التعريفات المختلفة حسب الإيديولوجيات، وتعدد النماذج، كما تدرس وظائف الأحزاب؛ معتبرةً إياها مرحلة متقدمة في تطور الفكر السياسي الغربي للانتقال من مرحلة لأخرى.
وتعتبر الأحزاب قنوات المشاركة، والتوعية السياسية، وأداة لتمثيل التيارات الاجتماعية السياسية المختلفة، ووسيلة للتأثير على صياغة القرار السياسي في الدولة، كما قرأت أنظمة الحزب الواحد.
وتناولت الوظائف العامة؛ معتبرةً المشاركة السياسية سمةً من سمات العصر الحديث، وقد ترافقت هذه الدعوة مع قيام ثورة الاتصالات، وارتفاع نسبة التعليم والوعي السياسي. وتقرأ تمثيل التيارات المختلفة، والعمل على اندماجها قوميًّا، كما تتناول الوظائف الخاصة وتحددها في: السعي إلى السلطة، وترشيح أعضاء الحزب للمناصب العامة، ودعمهم في الانتخابات، وجمع قاعدة جماهيرية عريضة.
وتتناول النظم الحزبية، فتدرس أحزاب برامج، وأحزاب أشخاص، ونظام الحزبين، ونظام الحزب الواحد. وتدرس بدقة النظام التعددي والثنائي، كما تتناول النظم غير التنافسية، ونظام الحزب - الدولة. وتدرس عميقًا الظاهرة الحزبية في العالم الثالث، وتقف إزاء النظام الحزبي في النظم الغربية كنتيجة لتطورات اقتصادية واجتماعية سياسية، وأن الأنموذج «العالم ثالثي»، مستجلب، والتأثير العالمي الجديد قد ساعد في انتشاره وتعزيزه بعد أن فشلت أساليب الحكم الشمولية.
ويقينًا، فإن للظروف الذاتية والموضوعية والتطورات المجتمعية داخل هذه البلدان أساس في نشأة الظاهرة الحزبية؛ وهو ما تؤكد عليه الباحثة. وترى أن القول بِغُرْبة النظام الحزبي بتقاليده الكلاسيكية عن المجتمعات النامية يظل ساريًا في مدلوله متى استمرَّ التعامل باختلاف نظمها كأداة سطحية لا تتغلغل في بنيان الدول، وكأن لا صلة بين هذه الأحزاب ومجتمعاتها.
تربط استقرار الإرادة السياسية بالقدرة على خلق هوية جديدة للدولة، وتربط ذلك بعوامل ومتغيرات مساعدة تحددها
بـ: 1- بناء نظام تعليمي تربوي متماسك يعمل على خلق تنشئته سياسية تتضمن مفهوم المشاركة للأجيال الجديدة.
2- تكوين هيكل فعال للإدارة العامة يتميز بالكفاءة والفعالية.
3- قدر من النمو الاقتصادي الذي يسمح برفع نسبة الدخل القومي.
4- تحييد المؤسسة العسكرية، وقَصْر دورها على حماية الأمن الداخلي والخارجي، وبشكل لا يسمح لها بالتدخل في الشئون السياسية للدولة.
5- تتناول الباحثة التجربة الحزبية في الجمهورية العربية اليمنية منذ البدايات الأولى،
وتقسمها إلى قسمين:
1- الأحزاب السياسية في الشطر الجنوبي قبل الاستقلال 1967.
2- التكوينات الحزبية قبل ثورة 1962 في الشطر الشمالي. وترى أن اختلاف طبيعة المجتمعين آنذاك قد أدى إلى اختلاف جذري في الكيفية التي تبلورت بها التجربة الحزبية في كل منهما، وترى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الشطرين اتسما بالتخلف الشديد إلا أن اختلاف قطاعاتهما، ودرجات هذا التخلف يظل من السمات الفارقة التي تميز بينهما في تحديد الإطار العام للتجربة الحزبية؛
إضافةً إلى خضوع عدن للاستعمار البريطاني، ووجود عدن الذي شكل قاعدةً تجارية وعسكرية حيوية للوجود البريطاني، وامتزاج أهلها بحضارات وأجناس متعددة جعلتها لذلك أكثر استجابة للتغيرات الخارجية، وأكثر تقبلاً للمفاهيم والأفكار المتجددة.
ولعل ذلك هو الباعث على ظهور الأحزاب السياسية فيها في إطار أكثر نضجًا وتماسكًا عما كان عليه الحال في الشمال. وترى أن هذا النضج لا يرقى بها إلى التغلغل في بنيان المجتمع وهياكله أو يتضمن مفهوم المشاركة السياسية؛ وتعلل ذلك بالمتغيرات العامة التي أدت إلى قيام الأحزاب السياسية كوسيلة للدعوة إلى الاستقلال من الاستعمار البريطاني وأداة للتحرر.
والواقع أن التفاوت بين مدينة عدن وريفها، وبينها وبين مختلف مناطق الشمال كان موجودًا، وبالتحديد منذ ما بعد الحربين الكونيتين، ومنذ حروب الاستقلال في العديد من البلدان في آسيا وإفريقيا؛ فقد أصبحت عدن مركز تجارة عالمي وعاصمة للتجارة اليمنية، وكان الشمال المستقل تابع اقتصادي لمدينة عدن.
فعدن -منذ احتلالها عام 1839- أضحت تقوم بدور المدينة الوحيدة، والميناء الحديث، والمركز التجاري الدولي، وكانت قبلة الهجرة من الشمال والجنوب، وبلغ نصيب عدن من تجارة المتوكلية اليمنية، عام 1955م، 90%، وكان لتجار الشمال مكاتب في عدن منذ زمن طويل.
التداخل والترابط بين الشمال والجنوب عميق وقوي، والتفاوت بين أجزاء مختلفة من اليمن موجود كما هو الحال في المنطقة العربية كلها؛ فالتجار في عدن وافدون من حضرموت وتعز ومن مختلف المدن اليمنية الأخرى، والفنانون والأدباء والصحفيون وافدون من مختلف مناطق اليمن أيضًا، أما العمال، فجلهم من الشمال.
تأسس «حزب الأحرار» الآتي من الشمال، وهو حزب الوطنية المعارضة -الأم- 1944، وتأسست «الكتيبة الأولى» 1939 من قادة من الجنوب والشمال في مصر، وضمت -إلى جانب النعمان- محمد سالم البيحاني، ومحمد على الجفري؛ وهو كاتب بيان الكتيبة الأولى.
الجبهة الوطنية المتحدة (1955) تكونت من قادة سياسية ونقابيين من الشمال والجنوب، والأحزاب الحديثة: البعث، وحركة القوميين العرب، والتيارين: الماركسي، والإسلامي نشأت موحدة. وحتى بعد الاستقلال (1967) بقي الترابط بين هذه الاتجاهات قائمًا؛ وهو ما تؤكد عليه الباحثة في «الفصل الثاني».
الكتاب مبحث ريادي مؤصل وموثق يتسم بقدر كبير من الاجتهاد وعمق الرؤية والدقة والموضوعية والنزاهة والتخفف من حمولة الاستعارة الأيديولوجية، أو قراءة الواقع بعيون الآخرين، كما تخلصت من أمراض وقيم التخلف وعصبيات ما قبل عصر الدولة الوطنية. كما أن الكتاب جهد علمي وثقافي رائع وجدير بالقراءة في واقع اليمن المتصارع والمفكك، وفي ظل دعوات ومكونات تريد الارتداد باليمن إلى ما قبل التاريخ، وإلى جاهليات ظلامية لم تعرفها اليمن عبر تاريخها الطويل. الباحثة إلهام مانع أكاديمية راقية، وباحثة متعددة المواهب، فهي ساردة أدبية أصدرت أكثر من رواية، ومفكرة حداثية مقتدرة، ومدافعة بشجاعة عن الحقوق والحريات في مستوى عالمي رفيع.