مقالات

الروح لله..والباقي لي!

22/05/2023, 11:03:12

سمعت عن شيخ قبيلة يمنية كان لا يمتلك الأراضي والعبيد والحيوانات فقط، بل كل شيء.. كل شيء، بلا تحديد ولا تمييز!

وقد كانت عقود المِلْكية في روسيا القيصرية لا تشمل الأرض وحدها، بل ما عليها ومن عليها أيضاً. فقد كان البشر والبقر والشجر والحجر جزءاً لا ينفصم عن الأرض المملوكة. ويوماً، امتلك أحد كبار الإقطاعيين أرضاً تقع فيها مقبرة، فدحاها على وجه الأرض، وأقام عليها اسطبلاً للخيول، قائلاً بسخرية: لقد امتلك الرب الأرواح، أما الأجساد فهي لي، أفعل بها ما أشاء!

معظم الحُكَّام العرب -والحكام اليمنيون عربٌ أقحاح- يحصلون على السلطة (نعم، يحصلون عليها، ولا يستلمونها) بما يتبعها من مُحصّلات: الشعب، الأرض والمؤسسات.. فتصبح مصائر الشعوب والدول والمجتمعات والهيئات وسائر انزياحات الفصول واعتمالات الطبيعة مِلْكية خاصة بالحاكم. ويغدو من حق الحاكم -في غالب الأحيان- أن يُعدِّل حركات الرياح وطقوس الزراعة ومواسم الأمطار وتلقيح الشجر وتكوين المحاصيل.

وبعض من حكم اليمن رأى في نفسه القدرة المطلقة لتحديد مدى الرحلة التي يتبعها المرء من المهد إلى اللحد. وهو ينجح في ذلك بعض الحين، لكن نهايته -في كل الأحوال- تغدو أبشع من نهاية بقرة مجنونة على سكة قطار. ونهاية بعض حكام اليمن تشير بجلاء ساطع إلى فداحة هذه الحقيقة. فاليمنيون في التسامح أكرم من أرنبة، ولكنهم في الانتقام أشرس من جمل!

ويوماً، وصف شاعر يمني من يحكم اليمن بالنكد والتعاسة:

"وأتعس الناس في الدنيا وأنكدهم

من يركب الليث أو من يحكم اليمنا".

أما آخر حكام البلاد الراحلين فكان يردد دائماً بأن من يحكم اليمن أشبه ما يكون بـ"الراقص على رؤوس الأفاعي". والحق أن معظم حكام البلاد قد رقصوا دائماً على رؤوس المحكومين، فيما كانوا يُربُّون الأفاعي للانقضاض على المعارضين. وهذا الحاكم -نفسه- راح ضحية الأفاعي التي أخرجها من شقوقها وأطلقها على الناس في لحظة حقد أرعن، فصدق بذلك القول العاميّ الشهير "آخر المُحنّش للحنش"!

ذات يوم بعيد، حكى لي صديقي الأستاذ حسين عبدالرازق (هو صحافي وسياسي مصري ورئيس تحرير سابق لجريدة "الأهالي" اليسارية) أنه لم يعرف أكثر وقاحة بين القادة والساسة العرب من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.

قال لي حسين إن أبا عمار يكذب أمامك في أمرٍ أو واقعةٍ ما، وهو يدري أنك تدري أنه يكذب، لكنه برغم ذلك يطلب منك أن تؤكد على صحة حدوث هذا الأمر، أو تلك الواقعة. ولم ألتقِ العزيز حسين بعدها لأحكي له عمن فاق في وقاحته كل مثال عرفه صاحبي، بل كل مثال يعرفه أيّ آدمي!

راح صاحبنا إيّاه يتحدث -ذات مقيل- أمام جمع من عليّة القوم، عن وقائع كلها تلفيق وتزييف وادّعاء. وقد كان جميع أطراف هذه الوقائع متواجدين لحظتها، وكان يطلب منهم تأكيد صحة حدوثها فعلاً، بدون أن يرف له جفن أو يهتز له عصب. أبديتُ دهشتي من هول الحالة للراحل العظيم عمر الجاوي، فقال لي: من قال لك إنه يعي كذبته؟ إنه مؤمن بصدق روايته إيماناً مطلقاً. ففهمتُ أن الرجل قد بلغ حدّاً مَرَضياً في غاية الخطورة!

ولهذه الحالة المرضية الخطيرة حكاية أخرى رواها صحافي عربي شهير في إحدى مقالاته، إذْ أبدى دهشته من جرأة هذا الحاكم على اقتحام ميدان الأدب ومضمار الموسيقى من دون أدنى موهبة أو أهون معرفة. وقد فوجئ الصحافي بالحاكم يصحبه إلى صالة تؤدي فيها فرقة موسيقية البروفات على أوبريت زعم الحاكم أنه كاتب كلماته وواضع ألحانه، ثم راح يحمل عصا المايسترو ويشرع في قيادة الفرقة الموسيقية. وقد غضب بشدة حين حاول هذا الصحافي أن يخبره بديبلوماسية حذرة أن هذا المجال ليس له من باب أو نافذة!

لقد أبتلَتْ السماء اليماني بالعديد من ويلات القدر، وكوارث الطبيعة ومآسي الحياة بشتى صنوفها.. لكنّ ابتلاءه بحكامه فاق كل ابتلاء. وقد كان حكام اليمن -إلاَّ نادراً جداً- أقل اليمنيين تأهيلاً وأدناهم كفاءة وأشحّهم خبرة، لكنهم أكثرهم وقاحة وجلافة وتعايشاً مع الخطر.

مقالات

"خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء" (2)

في أول اجتماعٍ حزبي كنا خمسة أو ستة أعضاء، ولم يكن بينهم أحد من قريتي، لكن خوفي كان قد تبخّر، وكان المسؤول الحزبي شخصاً في غاية اللطف، يقول كلامًا بسيطًا عن الظلم والعدالة وعن الحزب، وكنت قد بدأت أستلطفه.

مقالات

الحوثي.. وحشية بلا هوادة تفتت النسيج اليمني

لم يعد بيننا وبين الحوثي مساحة يمكن البناء عليها. لا رابط نقي يمكن ترميمه، ولا أرضية أخلاقية تصلح لحوار. ما فعله بهذه البلاد تجاوز حدود الخلاف، هوى بها إلى درك من الوحشية والتفكك، مزّق النسيج الاجتماعي، وحوّل الروابط إلى رماد. ارتكب مجازر لم توثقها كل الكاميرات، وقتل الآلاف بدم بارد. مارس انتهاك الكرامات، وسحق الحقوق، وزرع الخوف داخل كل بيت. من السجون خرجت صرخات لا تجد من يصغي، ومن البيوت خرج الناجون بلا ذاكرة، محملين بألم لا يُحتمل. لا يمكن توصيف الحوثي كجماعة مسلحة فقط، هو منظومة متكاملة لصناعة الرعب.

مقالات

فؤاد الحِميري: فبراير الذي لا يموت

عندما تتأمل قصائد وكتابات وأشعار فقيد الوطن وأديب فبراير، الأستاذ الثائر فؤاد الحِميري، تجد أنها جميعًا تصب في ينابيع مبادئ الحرية والكرامة ومقاومة الظلم. هذه المبادئ هي ذاتها الأهداف السامية لثورة 11 فبراير، ثورة الشباب السلمية اليمنية، التي كان الحِميري أحد أبرز شبابها وشاعرها الملهم.

مقالات

للورقة الباذخ بالشجاعة في جبال السلفية

أعتقدُ جازمًا أن طبيب الأسنان قد فخخ ضرسي تمامًا ببقايا تلك الهدايا التي أرسلها القذافي كعطيةٍ نفطيةٍ كريمة، ليجود بالحياة على من تبقّى بيدٍ واحدة أو بقايا أقدام، وهو يحتفل بأن النبض لا يزال فيه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.