مقالات

الزرانيق.. بطولة فريدة وصمود يأبى الانكسار

25/08/2025, 16:17:19
بقلم : وديع عطا

في أغسطس 2015 كنت في مدينة الحديدة نازحًا من صنعاء، التي اضطررت لمغادرتها بعد أن تلقيت تهديدات مباشرة تمسني وأسرتي.

حينها كانت طلائع المليشيات الانقلابية (تحالف الحوثي وصالح حينها) تتحرش بقبائل الزرانيق، حينًا بحجة ملاحقة مطلوب أمنيًا، وأحيانًا بحجة البحث عن مشتبه بهم.
وقتها حاول الشيخ يحيى منصّر تجنب المواجهة معهم لعدم تكافؤ القوة، وأملًا في دعم الدولة التي ظل حريصًا على الارتباط بها ولا يزال.
لكن الانقلابيين أوغلوا في التعرّض للقبيلة وأبنائها، وهو ما لم يقبل به شيخ القبيلة وعنوانها الناصع يحيى محمد منصّر.

كان واضحًا أن الانقلابيين حددوا هدفهم، وهو السيطرة على كل بلاد الزرانيق، بدءًا بقرى القوقر والكيدية والعباسي، معاقل القبيلة ومهدها، وما بعدها في بيت الفقيه والحسينية.

ورغم تدخل بعض الوساطات القبلية، إلا أن الأمور وصلت إلى طرق مسدودة، وكان لا بد مما ليس منه بد.

انفجر الوضع، وحشدت المليشيات قطعانها مدججين بسلاح الدولة، الذي قدم بعضه من معسكرات الحرس الرئاسي في جميشة وكيلو 16.

كانت عاصفة الحزم في أوجها، وكانت حرب المليشيا ضد تعز ومقاومتها بقيادة المخلافي حمود في ذروتها، وكان المتوقع أن يتدخل التحالف بدعم الزرانيق بالسلاح برًا أو بحرًا عبر مرفأ الطائف مثلًا، وكان ذلك متاحًا، أو حتى بالدعم الجوي قصفًا أو إنزالًا، أسوة بما حدث في جبهات عديدة.

لكن المفاجأة أن الزرانيق تُركوا وحدهم، مع أن التوقيت كان مواتيًا لتشتيت المليشيا التي كانت تنكسر فعلًا في شعاب تعز وجبالها.

كنت والزميلين العزيزين عبد الحفيظ الحطامي وبسيم جناني على تواصل مع بعض القيادات الميدانية، ننشر ما يصل من معلومات وأحداث للرأي العام، كل عبر قنوات التواصل والنشر المتاحة.

كان التواصل فرديًا، وكانت بعض الأخبار تتضمن ما يمكن اعتباره إحداثيات واضحة عن تمركز وتموضع دبابات ومدرعات وقوات الحوثي وصالح.

وكنت شخصيًا على تواصل مع بعض المسؤولين المتواجدين في الرياض، وبعضهم قريبون من غرف القرار العسكري.

لكن الأمر بدا وكأن أحدهم -في التحالف- قرر أن تترك المقاومة الشعبية لمصيرها، وهو ما حدث فعلًا لمقاومات عتمة في ذمار وكُشر في حجة، وكذلك في البيضاء وغيرها.

أقسم لي أحد قيادات الحديدة حين لقيته في الرياض بعد ذلك، أنه ومن معه من أعيان تهامة كانوا يقفون ساعات طويلة في مكاتب القيادات العسكرية (من الشرعية والتحالف) لمحاولة إقناعهم بضرورة الدعم والإسناد العسكري ميدانيًا أو حتى جوًّا بالطيران، لكن الردود رتيبة ومتأخرة ويغلب عليها التسويف.

أستطيع أن أحلف أن التحالف، في حال أراد دعم الزرانيق وقتها، لكانوا كسروا المليشيات الانقلابية وتقدموا نحو الحديدة، وربما أبعد من ذلك، فأنا ابن الزرانيق وأعرف حرقتهم حين تُمس كرامتهم.

لكنهم كانوا بلا سلاح، بلا دبابة، بلا حتى ذخيرة، كل ما لديهم هو تسليح كتيبة يتيمة من خفر السواحل، ليس فيها أي سلاح ثقيل.

خاض رجال الزرانيق المعركة بشراسة نادرة، تمترسوا بجذوع النخل واعتلوا بعضها، وكانوا عيونها وقناصتها،
واجهوا الدبابات والمدرعات والمجنزرات بكلاشنكوف ومسدسات، ليس لديهم أي مستشفى ميداني ولا أي استراتيجية للدعم والإسناد.

حتى التغطية الإعلامية لم تكن ممنهجة، ولم تتم بشكل يوازي الملحمة الحاصلة.

خاضوا معركة الكرامة بكل جسارة وإباء،
لم يعبأوا بكثرة العدو، ولا قوته وعتاده.

تمكنوا خلال أقل من 48 ساعة فقط من قتل أكثر من 80 وجرح مئات آخرين، واغتنموا دبابة وأعطبوا عددًا من المدرعات، وهو إنجاز فريد مقارنة بما لدى الطرفين.

الوضع كان أشبه بالمعجزة فعلًا،
والمعركة كانت بالنسبة لهم (نكون أو لا نكون) بعد أن انقطعت كل آمال الدعم.

لم يكن للوحوش السمر من وسيلة للتنقل في الميدان إلا أقدامهم، وما توفر من السيارات الخاصة والدراجات النارية، وكل يحمل صاحبه من مترس لمترس، ومن جبهة لأخرى.

صمد الزرانيق أسابيع في معركة مصيرية، دفاعًا عن أرضهم وعرضهم، قاتلوا لأجل اليمن والدولة والجمهورية، وعن الشرعية التي خذلتهم.

وصل طيران التحالف متأخرًا، كان العدو المدجج بكل أنواع السلاح الثقيل قد اجتاح القرى، وأمعن في التنكيل بالمدنيين، وفجر أغلب بيوت القيادات.

حينها وجد الأبطال أنهم أحيطوا بالخيانة، وكبلوا بانعدام السلاح، أدركوا أن البقاء يعني الانتحار، فكان الانسحاب التكتيكي خيارهم الوحيد.

ليس هروبًا ولا انهزامًا، بل على أمل الاستعداد لجولة كرامة قادمة.
كانوا على أهبة الاستعداد فعلاً لتكوين معسكرات إعداد وتدريب، وكانت عشرات القبائل التهامية متحمسة لإعلان مقاومة شعبية تهامية كبرى.

إلا أن التوجيهات جاءت من شرعية المهجر قاهرة، باستدعاء مشائخ الزرانيق وقيادات للتشاور في الرياض، وبحث فرصة التجهيز وتأسيس معسكرات خاصة بمقاومة الزرانيق،
والتقى حينها الشيخ يحيى بالرئيس هادي، لكن ما حدث هو الترقيد والخذلان الممنهج.

وبقي الحال على ما هو عليه إلى 2017، مع انطلاق معارك الساحل التهامي (غرب تعز وجنوب الحديدة)، قدومًا من باب المندب، ثم ذوباب والمخا، والتي احتضنت شباب تهامة جنبًا إلى جنب مع رفاقهم من أبطال العمالقة، وتشاركوا في صنع ملاحم التحرير وصولًا إلى الخوخة وحيس، بوابة تهامة الجنوبية، ثم انطلاقًا منها إلى عمق مدينة الحديدة، وكان الصمود هو العنوان حتى حلّت النكسة بقرار الانسحاب المذل منتصف نوفمبر 2021، والذي يحاول البعض تجميله بتسميته (إعادة تموضع).

ورغم ذلك، ما يزال الأمل قائمًا، والحماس مستمرًا لدى أبطال تهامة في مختلف التشكيلات العسكرية، بعودة قريبة إلى معركة الحسم التي لا بد منها، وإن طال الزمن.

مقالات

تعز العطشى بين الماء والظمأ

محزنٌ ومعيبٌ أن تخرج النساء في مدينةٍ مثل تعز للاحتجاج بشدة والمطالبة بتحقيق ما عجز رجال السلطات المحلية عن إنجازه، وهو التخفيف من معاناة مواطني ومواطنات المدينة جراء شح المياه النقية الصالحة للشرب .

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.