مقالات

السلطة كعبء على الجيش

26/08/2025, 15:12:09

في لحظات الانكسار، الهزيمة غالبًا لا تبدأ من الميدان بقدر ما تتسلل من داخل بنية السلطة التي يُفترض أن تحمي الجيش وتمنحه مكانته.

ما يفعله المحافظ نبيل شمسان في تعز ليس تقصيرًا بقدر ما هو إعادة إنتاج للسلطة المتخففة من المسؤولية، سلطة تتعامل مع الجيش كعبء زائد، لا كعمود وركيزة للدولة.

الحكومة سارت في الاتجاه ذاته. ثلاثون جبهة في تعز تُدار بلا موازنة، بلا تسليح، بلا تغذية. الجيش اضطر إلى أن يبحث عن مورد عبر ضريبة القات، ثم تحاول الحكومة انتزاعها منه وإعادتها إلى المحافظ نفسه. هذا أسوأ وجه للانكشاف: سلطة تمتص ما تبقى من موارد جيشها ثم تتركه وحيدًا أمام جبهات المواجهة.

أي إجراء من الرئاسة يتجاهل جوهر المشكلة ويُبقي المحافظ في مكانه لا يمكن وصفه بأقل من كونه تواطؤًا، وليس فقط مكافأة لشمسان، وهو رجل معادٍ للمعركة، منزوع الحس بالمسؤولية، منفصل عن أي شعور بالانتماء إلى مصير تعز والمعركة اليمنية مع الإمامة بنسختها الحوثية.

شمسان يمثل نموذج الإدارة البيروقراطية الباردة، الخالية من المسؤولية في اللحظات المصيرية. موظف طفيلي ينفصل عن معنى أفعاله، ويتعامل مع أولوية المقاومة والتحرير وكسر الحصار والدفاع عن المحافظة بوصفها ملفًا ثانويًا يمكن التخلص منه.

العلاقة بين الجيش والمحافظ وصلت حدها الأخير. القبول باستمرار شمسان سيكون رضوخًا مكلفًا، انتصارًا لمنطق الإداريين الذين يرددون لغة التنمية والخدمات ببهلوانية غير منتجة أو فاعلة، بينما تواجه المحافظة خطر الاجتياح. هؤلاء يصورون أولويات المقاومة كفوضى، مع أن الفوضى الحقيقية في أسوأ أشكالها تكمن في تنصل السلطة من معركتها الأساسية.

الجيش، كعادته، لا يرفع صوته. وحين يفعل، تكون صرخته عميقة وفوضوية ومكلفة. شمسان يعرف هذه القاعدة، ولهذا يجره إلى صراع صغير، صراع يمكن أن يستهلك الجيش داخليًا ويعرض تعز لهزيمة قاسية. الخطر أن يتزامن هذا الاستنزاف الداخلي مع دفع المحافظ لتعز نحو انكشاف أمام أعداء لا تفصلهم عن قلب تعز سوى أمتار.

كان المنتظر أن يقف المحافظ إلى جانب الجيش، يسنده ويحميه. لكنه اختار موقعًا آخر، موقع الرجل المتخفف من أي عبء، ويرى في معركة الجيش عبئًا يجب التخلص منه. الحكومة انسحبت من الدفاع وتركت الجيش مكبلًا، مكتومًا، ثم عرضته للاستغلال من كل من يقف خارج الجبهة وضد المعركة.

بإمكان الرئاسة كسر هذه المعادلة الرثة: توجيه الحكومة ووزارة الدفاع بمسؤوليتهما وتغطية احتياجات الجيش الأساسية، أو في أضعف الإيمان أن يُعاد تمويل الجبهات من موارد المحافظة عبر القنوات الرسمية.

ترك الوضع على حاله هو مشاركة في صناعة هزيمة بطيئة ومكلفة، هزيمة تنشأ من داخل السلطة قبل أن يفرضها العدو.

المحافظ والحكومة يظهران خفيفي الوزن، متخففين من أعباء المعركة. ما يجري أعمق من ذلك.. نحن أمام تفريغ متدرج لمعنى الدولة. ترك الجيش وحده على هذا النحو يحوله من مؤسسة دفاعية إلى كبش فداء. سلطة تنسحب وتتخلى عن دورها ومسؤوليتها، وهي تتوهم أنها تمارس السياسة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.