مقالات
الشاعر الذي صَهَرَ اليمن بأصوات المطربين!! (2-2)
استدراك:
في الجزء الأول من هذه المادة، سقط ذكر ثنائية الشاعر الغنائي الراحل أحمد رحيم بو مهدي والفنان الراحل محمد صالح عزاني، في سياق رصد الثنائيات، التي تشكّلت داخل المشهد الغنائي اليمني المعاصر، ومثّلت هذه الثنائية خصوصية مهمّة، سنحاول مقاربتها في كتابة مستقلة.
(**)
اشتهر فنان كمحمّد سعد عبدالله بتأليف كلمات أغانيه وتلحينها وأدائها، وقليلاً ما كان يستعين بكتاب قصائد لهذا الغرض؛ هذا الأمر اختلف مع الشاعر أحمد الجابري حين قام بن سعد بتلحين وأداء بعض نصوصه، ومنها قصيدة "حبُّوب" باللهجة العدنية الصرفة، تقول كلماتها:
"ليش استويت حسَّاس أكثر من اللازم/ من شان كلام الناس تصدّ وتخاصم/ من كلمة تزعل زعل تجرح شعوري دوب/ لكن مهما حصل باقول عليك حبّوب/ الغيرة قتالة با تتعب أعصابك/ تسخى بنا واحنا والله ما نسخى بك/ ما لي غِنى عنك باعيش أنا أهواك/ مهما حصل منك العمر ما بنساك".
وغنى له قصيدة "من زمان"، التي تقول بعض كلماتها:
"من زمان اشتي أقلك.. بس خائف من زمان/ كنت ناوي اشتكي لك.. أشتكي غدر الزمان/ والتقينا صدفة في نفس المكان/ بعدها حسيت بقربك.. في وجودك بالأمان/ أنت ياللي كنت أحلم.. من زمان أني أشوفك/ كنت متأكدا بأنك با تجي.. وأعرف ظروفك".
وعلى ذكر النصوص العدنية الرائدة للشاعر أحمد الجابري هناك نص "خصامك زاد"، الذي لحَّنه وغنّاه الفنان أحمد قاسم، في وقت مبكّر، ولم يزل الكثير من المتلقين يظنُّونه للشاعر الراحل لطفي جعفر أمان، بسبب سبكته العالية بطرائق اشتغالات لطفي الغنائية بذاتها، وتقول بعض أبياته:
"خصامك زاد ومش معقول نعيش في خصام كده على طول/ ذا مهما كنت أنا الغلطان برضه عليك تتحمّل/ وتنكر حبنا اللي كان وترجع ثاني زيَّ أول/ تفكر ايش بس با تكون نهايتنا/ ما دام الحبّ كله خصام يجرحنا".
على كثر نصوص الشاعر أحمد الجابري، التي لحّنها وغناها الفنان محمد مرشد ناجي بعديد لهجات، منها "البدوي والصنعاني واللحجي والعدني"، تبقى نصوص مثل: "على امسيري" و"شي لله" و"يا غارة الله"، من أجود النّصوص التي عززت من تجربة المرشدي الغنائية:
"على أمسيري على أمسيري ألا بسم الله الرحمن/ على أمسيري على أمسيري ولا مؤذي ولا شيطان/ على أمسيري على أمسيري تخطي في درج أهلش/ ألا يا مرحبا بش وباهلش وبالجمل ذي رحلبش/ فرشنا أموادي بالريحان ومن أجلش سرينا ليل على صوت الفرح والدان/ ألا حيا ملا الوديان".
هذا النص بخصوصيته البدوية صار بعد لحنه العبقري وبصوت المرشدي واحدا من العلامات البارزة في الغنائية اليمنية المعاصرة، ولا يمكن أن يمر مروراً عابراً في أذن المتلقي في أول استماع له، مثله مثل نص "شي لله" بخصوصيته اللحجية، الذي تقول كلماته:
"ما لك كذا يا هَلي يا نور وصلك غِلي/ غلِّيت وصلك علَي يا بوي أنا شي لله/ قلبي مولع بكم ليش تقطعوا حبلكم/ والود باقي لكم يا بوي أنا شي لله / مش هكذا يا حبيب الهجر هذا صُعيب أصبحت زي الغريب يا بوي أنا شي لله".
بعد مرحلة التعاون المبكّرة بين الجابري والفنانين أحمد بن أحمد قاسم ومحمد مرشد ناجي طيلة فترة الخمسينات والستينات (منذ كان طالباً في القاهرة في مراحل دراسية مختلفة بين 1953- 1966)، بدأ التعاون بينه وبين الفنان أيوب طارش عبسي ابتداء من مطلع السبعينات، وتحديداً بعد انتقاله من مدينة عدن إلى مدينة تعز حين عمل في البنك اليمني، ثم في شركة هائل سعيد، في ابتداء من 1972، قبل انتقاله إلى الحديدة، وتالياً سفره إلى السعودية للعمل في شركة تجارية في العام 1982م.
أثمرت هذه العلاقة عن الكثير من الأغاني، التي وسمت تجربة أيوب بعيداً عن الهيمنة الفضولية، ومنها أغنية "خذني معك":
"خُذني معك ويا حبيبي شتبعك خذني معك / خذ من عيوني ما تشا شافديك بروحي يارشا/ كيف شفرقك وانت الذي ساكن بقلبي والحشا خذني معك / ولّعت قلبي بالهوى واضنيتني في ذا الجوى هالك بحبك ما عليك ظامي حبيبك ما ارتوى خذني معك/ اسقيني من روحك حنان وازرع بأيامي الأمان يا من بقربك أحتمي واسعد بأيامك زمان خذني معك/ ورد الصباح في مقدمك أسفر بنوره مبسمك ضوَّى وصبَّح بالرضا أيما تروح الله معك خذني معك".
مثل هذه الكلمات البسيطة، واللحن السلس والطرب، جعل تلقف الأغنية مرتفعاً، حتى إن فِرق تبشيرية أعادت، قبل سنوات عديدة، توظيف الكلمات في سياقها اللحني، وتوجّهت بها إلى مستهدفيها الدينيين، في فعل أحدث جدلاً كبيراً وقتها.
تلازمت هذه القصيدة بقصيدة أخرى في التعاون "الجابري الأيوبي"، وظهرت معها في الفترة ذاتها تقريباً، وهي قصيدة "أشكي لمن":
أشكي لمن وانجيم الصبح قلبي الولوع / لا رق لقلبي ولا جفت بعيني الدموع / من يوم غاب خلي وعذابي أنا / والشوق ذايب بقلبي بحنايا الضلوع أشكي لمن/ كم قرَّح السُّهد جفني واعتراني الضَّنا والهجر في الحب بلوى والتعب هو لنا".
لكن تبقى قصيدة "ضاعت الأيام' علامة مهمة ورائدة في هذه العلاقة.. فهذه القصيدة بسبكها الفني، وشجوها العالي، ذهبت بالمتلقين إلى الاعتقاد بأنها إحدى الدرر الفضولية في علاقة التعاون بين الفضول وأيوب:
"أيش معك تتعب مع الأحباب يا قلبي وتتعبنا معك/ لا الضنى يروي ظمأ روحي ولا الدنيا بعيني توسعك/لا متى باصبر وانا أجري وراء حبك أطيعك واسمعك/ ايش بقى لي في الهوى غير الشجن زادي يلوعني معك".
من اللون التعزي بخصوصيته الحجرية غنى له أيوب عديد قصائد، ومنها قصيدة "هوى الأيام":
"يا صبايا فوق بير الماء والدنيا غبش/ من يُسَّقي بالهوى قلبي ويروي لي العطش/ لجل روحي ترتوي بالحب رشني رشش/ واسكبين العطر من قطر الندى حالي الورش/ يا هوى الأيام يا عمري ويا ذوب الشموع/ ما ظما مثل ظما روحي ولا مثلي ولوع/ لملمين الشوق من قلبي ومن بين الضلوع/ لا ظمي شارويه من حُبي وأسقيه الدموع".
وغير بعيد عن أيوب، هناك الفنان عبد الباسط عبسي، الذي غنَّى له رائعته "اشتي اسافر":
"اشتي أسافر بلاد ما تعرف الا الحب/ العيش فيها وداد والبعد فيها قرب/ أينه شلاقي بلاد ما تعرف الا الحب/ ليل المفارق طويل ويا تعب حالي/ لو قلت شاشكي لمن من كيد عذالي/ يا عين كفي الدموع ما للهوى وما لي"
الفنان الراحل محمد صالح عزاني غنى للجابري رائعته "ناقش الحِنَّه"، التي تحيل إلى اللون اللحجي الراقص:
"شفته ناقش الحِنَّه يا بوي من فنه/ طاير من الجنه شفته ناقش الحنّه/ سبحان من صوَّر كنه قمر نوَّر/ لابس حرير أخضر شفته ناقش الحنه/ حالي الرنا أدعج لا شي غَدَر سرَّج/ يضوي ويترجرج شفته ناقش الحنه". صارت هذه الأغنية بمرور الوقت، وبأصوات فنانين مختلفين، عنواناً للأعراس والأفراح في مناطق يمنية مختلفة.
هناك بعض النصوص، التي كتبها الشاعر الجابري باللهجة الحضرمية، ومنها نص ظهر في مجموعته "عناقيد ملونة"، اسماه "أمره إلى الله"، لم اهتدِ لملحنه ومؤديه، تقول بعض كلماته:
"أمره إلى الله شرع الحب ما نبغاه/ إن هو يخون الوفاء أو ينكر العشقه/ كيف با يكون الهوى والبعد والفرقه/ لا صبر لي يعرفه لو حد يتعداه/ أمره إلى الله شرع الحب ما نبغاه".
(*)
القصائد الوطنية العديدة، التي كتب كلماتها الشاعر أحمد الجابري، ووجد بعضها طريقاً إلى نوتات الملحنين وحناجر المطربين والمنشدين، تشكل حالة أخرى للقراءة والتتبع في هذه التجربة الثرية؛ ومن هذه النصوص "لمن كل هذه القناديل تضوي لمن"، التي لحنها وغناها الفنان أيوب طارش عبسي:
"لمن كل هذي القناديل تضوِّي لمن؟/ وهذي المواويل في العُرس تشدو لمن؟ أللأرض عاد لها ذويزن/ فعاد الزمان وعادت عدن/ لمن؟ لمن؟ لأجل اليمن".
ودائماً ما تستوقفني الأنشودة الجميلة، التي لحنها وأداها الفنان عصام الخليدي مع تباشير الوحدة، التي تقول كلماتها:
"صباح الخير يا وطني.. بكَ الأرواح لم تهنِ/ فأنتَ الحُبُّ في صنعاء.. وأنت الشوقُ في عدن/ إذا غنِّيت في ولهي.. أعاد الرجعَ ذو يزن/ فكُنْتُ الصبَّ لا تعجب.. ومثلي عاشق اليمن".