مقالات

العالم الذي يُلهم الجريمة

12/04/2025, 10:53:28

حين ينظر الطغاة من حولهم، فلا يجدون سوى أمثلة سابقة على الإفلات من العقاب، يصبح ارتكاب الجرائم بالنسبة لهم مجرد استمرارٍ لمسار مألوف، نتنياهو اليوم ليس استثناءً من هذه القاعدة، فالمجزرة المستمرة في غزة ليست سوى حلقة جديدة في سجلٍ طويل من الفظائع التي ارتُكبت تحت أنظار العالم، بل وبتواطئه المباشر أحيانًا.
كيف سيرتدع نتنياهو عن الإبادة وهو يرى التاريخ يعجّ بجرائم مماثلة لم تُحاسَب؟

- إرث الجرائم الكبرى: من الهنود الحمر إلى هيروشيما

منذ أن وطئت أقدام المستعمر الأبيض أرض الأمريكيتين، بدأت واحدة من أفظع عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ، حيث قُتل الملايين من السكان الأصليين، ليس فقط بالسلاح، بل بالأوبئة المدبّرة، والمعاهدات المخادعة التي سلبتهم أرضهم وهويتهم.

ثم جاء القرن العشرون ليُثبت أن هذا النموذج من الفظائع لا يزال سائدًا، حين ألقت الولايات المتحدة قنبلتيها النوويتين على هيروشيما وناجازاكي، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء في لحظة واحدة، بحجة إنهاء الحرب العالمية الثانية. لم يُحاسب أحد، ولم يكن هناك ندم، بل ظلَّ القتل الجماعي يُبرَّر بمصطلحات مثل "الضرورة العسكرية".

- من جروزني إلى الإيجور: الاستبداد بلا عقاب

في التسعينات، حين أرادت روسيا سحق المقاومة الشيشانية، حوّلت العاصمة جروزني إلى ركام، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة. بوتين، الذي كان في بداية صعوده السياسي، فهم أن العالم لن يُحرّك ساكنًا طالما كان التدمير يُبرَّر بالحرب على "الإرهاب".

وفي الصين، تمارس الدولة واحدة من أبشع عمليات الاضطهاد ضد مسلمي الإيجور، حيث تُقام معسكرات اعتقال جماعية، ويُجبر الملايين على التخلي عن دينهم وهويتهم، وسط صمت دولي مطبق.

- بشار، إيران، والحوثي: الطغيان في أبشع صوره

لم يكن بشار الأسد بحاجة إلى القلق من أي تدخل دولي وهو يسحق مدنًا بأكملها في سوريا، فمن قبله فعلها الروس في جروزني، وفعلها الأمريكيون في الفلوجة. الأسلحة الكيميائية، البراميل المتفجرة، القصف العشوائي-كلها أدوات استخدمها الأسد دون خوف من العقاب، فالنظام العالمي يفضّل الاستقرار تحت حكم الطاغية على تحمّل تبعات التغيير.

أما إيران، فبينما تدّعي دعم القضية الفلسطينية، تمارس في الداخل والخارج سياسات إبادة ممنهجة ضد العرب السنّة، خصوصًا في الأهواز، حيث يتم سحق أي مطالبة بالحقوق بالقوة المفرطة، وسط دعم مباشر وغير مباشر من القوى الكبرى.

وفي العراق، لم تكن الموصل استثناءً، حيث استغلت مليشيات الحشد الشعبي الحرب على داعش لارتكاب مجازر بحق المدنيين، شملت القتل والتهجير والتدمير الممنهج، بغطاء إقليمي ودولي.

وكما هو الحال دائمًا، لم يُحاسب أحد، بل تحولت هذه المليشيات إلى قوة نافذة تكرر الفظائع في مناطق أخرى، مستفيدة من الإفلات المستمر من العقاب.

وفي اليمن، يكرّر الحوثي النموذج تفسه، حيث لا يتردد في هدم المساجد، وقتل المعارضين، وتصفية المخالفين له؛ لأنه يعلم أن المجتمع الدولي لن يحرك ساكنًا طالما كان جزءا من إستراتيجية الغرب لنشر الفوضى الخلاقة في اليمن والمنطقة.

- ابن زايد: مموّل الفوضى وصانع الطغاة

وفي قلب الفوضى، يلعب محمد بن زايد دورًا محوريًا في دعم الثورات المضادة وتمويل مشاريع الاستبداد في المنطقة. من تونس إلى ليبيا، ومن اليمن إلى السودان، كان حضوره دائمًا مرتبطًا بإعادة إنتاج الطغاة وإشعال الحرائق السياسية؛ لضمان بقاء نفوذه الإقليمي. طالما أن الديكتاتور يخدم المصالح الغربية، فلا بأس إن مارس القتل والتدمير.

  - نتنياهو.. لماذا يخشى العقاب؟

حين يرى نتنياهو أن كل هؤلاء قد أفلتوا بجرائمهم، بل وكوفئوا بالاستمرار في الحكم أو النفوذ، فلماذا قد يخشى على نفسه؟ الغطاء الأمريكي جاهز، والصمت الدولي مضمون، والعالم العربي ممزّق بين أنظمةٍ مستعدة لبيع كل شيء مقابل بقائها في السلطة.

في النهاية، ليست غزة سوى محطة جديدة في قطار الجرائم التي تُرتكب بلا حساب. لن يرتدع الطغاة حتى يروا من سبقهم قد سقط تحت وطأة العدالة، وحين يكون ميزان القوة أخيرًا في يد الشعوب، لا في يد من يقتلونها.

مقالات

محمد محسن عطروش: صيحة الاستقلال ونغمة لا تخطئ القلب

قرأت في سيرة الفنان محمد محسن عطروش أنه درس الأدب الإنجليزي في القاهرة، ثم عمل مدرسًا للرياضيات واللغة الإنجليزية في عدن، فحضرت في ذهني حلقات برنامج قديم في قناة السعيدة، مسابقة فنية كان يشارك فيها فنانون شباب، وكان عطروش في منصة التحكيم.

مقالات

تصعيد الحوثي تجاه بيت هائل.. لماذا الآن؟

اشتدت الحرب الحوثية على قطاع التجارة بشكل لافت بعد أن أقدمت الولايات المتحدة على تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وفرضت عقوبات على جميع الشركات التجارية المحسوبة عليهم، والتي كانت تسعى لإحلالها كبديل في السوق لمجموعة بيت هائل.

مقالات

عودة الخروف الضائع – 5 – (سيرة ذاتية – 24)

بعد أن أُوصدت جميع الأبواب في وجهي قررتُ العودة للدراسة. وفي صباح ذات يوم ذهبتُ إلى مدرسة جمال عبد الناصر في شارع القصر الجمهوري، وقابلتُ الأستاذ محمد الشامي مدير المدرسة، وكلمته عن رغبتي في الالتحاق بمدرسته.

مقالات

الشعر الحميني: سردية الجذور والتحولات وزمن الظهور - (الحلقة الثانية)

تكوّنت المعرفة الأكاديمية الحديثة حول الشعر الحميني داخل إطارٍ منهجي صارم، ربط نشأته بالعصر الرسولي في القرن السابع الهجري؛ لا لأن الباحثين كانوا مقتنعين بحداثة هذا الفن، بل لأن الوثيقة -لا غيرها- هي التي حكمت دراساتهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.