مقالات

الكاتب بين زمنين..

08/11/2024, 19:45:03

السؤال الجوهري هو: ماذا تبقّى من الكاتب والكتابة، بعد هذا السيل الجارف والغثاء من وسائل التواصل والسوشيال ميديا بكافة مسمياتها ومحتوياتها؟

كان أول من أشار إلى هذا الجيش القادم عبر هذه الوسائل هو أمبرتو إيكو، جيش من الأميين وأنصاف المتعلمين والجهلة، أصبح بإمكانهم نسف أي فكرة، أو كتابة تعليقات لا علاقة لها بفكرة الموضوع المطروح، ولا جوهره. 

بل وأصبحت مئات وآلاف الأسماء بإمكانها أن ترد على أي كاتب مبدع أو مفكر مُلهم كان في زمن الصحافة لا يتصدى لهم إلا أصحاب العقول الموزونة والرزينة، وعلى اطلاع بمرامي وأغراض الكاتب، وكانت ردودهم تتميّز بالحصافة، ورجاحة العقل، وتضيف لموضوع النقاش، وتثري الحوار، ويخرج القراء بفوائد كبيرة. 

وكان هناك محررون يقرأون ويدققون، وهناك مدراء تحرير ورؤساء للصحف على قدر كبير من العقلانية والثقافة يوجهون موضوعات الكتابة والردود بما يضيف إلى قُراء الصحف  والارتقاء بأذواقهم. 

ولنتخيّل اليوم أن المقالح والبردوني وغيرهما من عمالقة القرن العشرين وهم منخرطون في وسائل التواصل، وينشرون كتاباتهم وعبقرياتهم وأشعارهم ونثرهم في "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما، ووجد ملايين الحمقى - والتعبير لأمبرتو إيكو  - الفرصة للرد على هؤلاء العمالقة خلال لحظات عبر كتابة تعليقاتهم  المريضة، باعتبار "فيسبوك" أكبر مصحة نفسية في الوقت الحاضر؛ حسب تأطير الدكتور ياسين الشيباني، الذي كان يشارك بأجمل الأفكار، ولا يجد من يتفاعل معه سوى العشرين والخمسين صديقا، بينما يتفاعل الآلآف وعشرات الآلآف مع من يسمون أنفسهم مشاهير "فيسبوك"، وتحول الأمر إلى ما يشبه الذباب الإليكتروني، الذي أفسد الثقافات والأخلاق والمجتمعات على حدٍ سواء. 

طبعا، التعميم أمر خطير جدا، وهناك استثناءات، لكنها لا تبدو ماثلة وواضحة للجميع كما هو الحال الذي نراه جهارا نهارا. وضع مؤسف بحق، أن نرى المجرمين ينشرون عنترياتهم على الشعب في "تويتر"، ويلاحقهم، ويحذوا حذوهم  آلاف الذباب الإليكتروني من الأتباع والعبيد والمطبلين والمرضى، مما يؤثر سلبا على نفسيات الكثير من فئات الشعب التي تنتظر الخلاص. 

هذه الوسائل والوسائط أفسدت كل شيء جميل في حياة الناس بلا شك، حتى صار وتحول الأصدقاء الحقيقيون إلى منافقين، لم تعد المحبة هي تلك التي كانت عبر رسائل البريد، أو رسائل "أس أم  أس"  حتى… 

تحول الواقع الجميل إلى واقع مرير، هذا الفضاء اللا متناهي سلب الناس مروءتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم، وحولهم إلى مجرد روبوتات بشرية، وأناملهم التي كانت متصلة بالقلب عبر الرسائل والجوابات الورقية مع الطَّبَل تحولت إلى أصابع روبوتات فاقدة للحياة والمعنى والحب. 

هذا الفضاء الشبكي اللا متناهي يكاد يحوّل الجميع إلى كائنات ضوئية خالية من القيم والمبادئ والإنسانية، لقد نجحوا  في سلب الناس حريتهم، وصرنا عبيدا لمواقع التواصل، تقودنا إلى حتفنا بأظلافنا.

فقدنا متعة الصداقات ومتعة العائلة، ومتعة الأبناء.. فقدنا تلك الساعات التي جعلنا الشاعر المصري محمود سامي غنيم نعتبرها مقدسة من طفولتنا:

وأطيب ساع الحياة لديا   عشية أخلو إلى ولديا  

فأحمل هذا على ساعدي  وأجلس هذا على ركبتيا  

إلخ.. القصيدة. 

أمست عيوننا مثقلة بهذا العبث الرقمي، وهذا العالم الافتراضي. 

لقد نقل الديكتاتوريون والطغاة أنشطتهم إلى هذا العالم الافتراضي، وتحوّل الافتراضيون إلى صيد ثمين للسجون والمعتقلات بكافة مشاربهم… 

لقد حولوا الواقعين والعالمَين "الحقيقي والافتراضي" إلى سجن ومعتقل كبير، وأصبح عدد المخبرين في وسائل التواصل أكبر من الواقع بكثير، تم تكميم كل الأفواه، والأقلام، صادروا الهواء والأكسجين، وفرضوا عليه جبايات وإتاوات… ويمطروننا برسائل التبرعات، كما كان يفعل أسلافهم الذين أمطرونا بفرش السماطات على أبواب المساجد والمعابد والساحات. 

جوعى ولا أحد هنا يرثي لنا   …. قم وارثنا يا ناجي العلي 

وكما قال البردوني: نأكل الجوع ونستسقي الظمأ  وننادي حفظ الله الإمام… 

يطلبون التبرع شعبا من الجوعى، وبدون مرتبات، منذ عشر سنوات، التبرع لنازحين لم يمضِ على نزوحهم شهر وعشر أيام، شر البلية ما يضحك.

 

مقالات

"الرواية والثقافة والمثقف"

قد نتّفق جميعاً على أن الرواية عمل أدبي عظيم، وربّما عند البعض هي أعظمها، ولكن علينا أن لا ننسى أنها جزء أو شكل واحد ضمن أشكال عدة في الأدب، وأنها في علاقتها بالثقافة أيضاً تصبح جزءا أصغر ضمن ذلك التركيب، الذي يشمل البنية الفوقية ككل، وفقاً للتعبير الماركسي، أو بحسب أحد التعاريف التي أظنها مقبولة للثقافة بأنها: ذلك الكل المعقد الذي يتكون من الدين والفن والأدب والفكر والعلوم والقانون والعادات والتقاليد.

مقالات

اليمنيون في الشتات: التغريبة الأولى.. مخافة ومجاعة و"إمام" 4-2

معلومٌ أن الهجرةَ والاغتراب ظاهرةٌ تاريخيةٌ في حياة اليمنيين منذ قرون؛ لأسباب مختلفة، وذلك كما حدث بعد انهيار سد مارب العظيم، ونزوح اليمنيين إلى العراق والشام، أو عند مشاركة اليمنيين الفتوحات الإسلامية، شرقاً وغرباً، حيث استقر بعضهم في بعض البلدان، ولا يزال الكثير من عائلاتهم يحتفظ حتى اليوم بألقابه، ويتذكر موطنه الأصلي الذي جاء منه أسلافها الأوائل، بل إن بعض القلاع والحصون، وحتى الوديان في بلاد الأندلس، ما برحت تحتفظ ببعض أسماء قادة الفتوحات الذين شيدوها أو استصلحوها، وعاشوا على زرعها وضرعها أزمنةً طويلة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.