مقالات

المصالحة الوطنية وإنهاء الصراع في اليمن

24/07/2025, 06:50:09

- رؤية إستراتيجية للخروج من الصراع اليمني الحالي

في ظل التحدِّيات المركّبة التي تمر بها اليمن سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، لم يعد ممكنًا الاكتفاء بالخطاب التقليدي أو الحلول المؤقتة.

أصبحت الحاجة ملحّة لاعتماد مشروع وطني شامل، يتحول فيه الخطاب السياسي إلى خطة إستراتيجية عملية، تنقل البلاد من الانقسام والصراع إلى البناء والمصالحة والتكامل الإقليمي.

تقوم هذه الرؤية على ثلاث مراحل مترابطة، تستند إلى مخرجات الحوار الوطني الشامل، ومشروع الدستور الاتحادي المنبثق عنه، وقرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 2216 الذي يدعو إلى إنهاء الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، ونزع السلاح، والعودة للعملية السياسية الشاملة (قرار مجلس الأمن رقم 2216، 2015)، إلى جانب اتفاق الرياض كمرجعية تنفيذية مرحلية لترتيب الأوضاع السياسية والأمنية.

أولًا: الخطة الإستراتيجية قصيرة المدى (عام إلى عامين)

تركّز هذه المرحلة على وقف الحرب وتهيئة مناخ سياسي وإنساني ملائم عبر الخطوات التالية:

إعلان هدنة شاملة تحت إشراف دولي وإقليمي ضامن، يشارك فيه مجلس التعاون الخليجي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، كجهات ضامنة وراعية لأي اتفاق مبدئي.

تشكيل حكومة توافقية مؤقتة تمثل فيها جميع الأطراف، تتولى إدارة المرحلة الانتقالية، وتهيئة المناخ العام للتسوية الشاملة.

رفع الحصار عن المدن، وفتح الطرق بين المحافظات، وإعادة فتح المطارات والموانئ الحيوية ك "عدن، الحديدة، وصنعاء".

صرف مرتبات الموظفين في عموم البلاد، من خلال آلية مالية مشتركة تُشرف عليها الحكومة المؤقتة والبنك المركزي، وتستفيد من عائدات النفط والغاز بشكل شفاف.

البدء بإجراءات أولية للعدالة الانتقالية، تشمل التوثيق الشامل للضحايا والانتهاكات، وجبر الضرر النفسي والمادي لكافة ضحايا الصراع، وتفعيل لجان مجتمعية مستقلة في كل محافظة، ضمن إطار وطني جامع (مخرجات الحوار الوطني، وثيقة العدالة الانتقالية 2013).

ثانيًا: الخطة الإستراتيجية متوسطة المدى (من عامين إلى خمس سنوات)

تركّز هذه المرحلة على إعادة بناء الدولة واستعادة مؤسساتها، وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وتشمل ما يلي:

استئناف تصدير النفط والغاز اليمني من جميع الحقول في مأرب، شبوة، حضرموت، وأي مناطق إنتاج أخرى، وفق آلية شفافة يديرها المجلس الاقتصادي الانتقالي، مع توجيه العائدات لمصلحة الإعمار ودفع المرتبات وتنشيط الاقتصاد الوطني (بيانات وزارة النفط اليمنية، 2019–2022).

تهيئة بيئة آمنة وجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة في مجالات الزراعة، الثروة السمكية، الطاقة، وتكنولوجيا الاتصالات، وإعادة الثقة بالمؤسسات الاقتصادية والمالية.

إطلاق عملية مصالحة وطنية شاملة، لا تقتصر على المصالحة بين القوى السياسية الكبرى، بل تمتد لتشمل المجتمعات المحلية، ومناطق الجنوب، وأبناء تهامة، ومناطق الحرب المتأثرة بالصراع، على أساس من العدالة والإنصاف والتعويض العادل، مع ضمان عدم التكرار.

إقرار دستور جديد يستند إلى المسودة الاتحادية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني، ويكرّس مبادئ الدولة المدنية، والاتحادية، والمواطنة المتساوية، والتوزيع العادل للثروة والسلطة، ويعرض على استفتاء شعبي عام بإشراف أممي (مشروع الدستور اليمني 2015، لجنة صياغة الدستور).

إرساء مرحلة انتقال فعلي من النظام المركزي المفرط إلى نظام اتحادي تعددي، تُمكّن فيه الأقاليم من إدارة شؤونها الإدارية والمالية والخدمية.

ثالثًا: الخطة الإستراتيجية بعيدة المدى (خمس سنوات فما فوق)

تمثل هذه المرحلة انتقال اليمن إلى الاستقرار المستدام، وترسيخ شكل الدولة الجديدة، عبر ما يلي:

إنشاء دولة اتحادية مكوّنة من أربعة أقاليم، وفق ما نصّت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتوافقات لجنة الأقاليم، وهي على النحو التالي:

-الإقليم الجنوبي: ويضم محافظات عدن، أبين، لحج، الضالع.

-الإقليم الشرقي: ويضم محافظات حضرموت، المهرة، شبوة، سقطرى.

-الإقليم الأوسط: يضم محافظات تعز، إب، الحديدة، ذمار، البيضاء، ريمة، مأرب.

-الإقليم الشمالي: يضم محافظات صعدة، الجوف، عمران، حجة، المحويت، صنعاء.

وتُمنح أمانة العاصمة صنعاء وضعًا خاصًا كعاصمة اتحادية للجمهورية اليمنية، مع امتداد إداري يضمن شمولية التمثيل، وضمان حيادية العاصمة.

يتمتع كل إقليم بحكومة إقليمية بصلاحيات واسعة، وبرلمان محلي، وسلطة قضائية مستقلة، مع التزام بمبدأ وحدة الدولة، واحترام الدستور الاتحادي، ومؤسسات الدولة السيادية.

في موازاة هذا المشروع الوطني، ينبغي تعزيز العلاقات الأخوية والإستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، من منطلق التكامل الأمني والاقتصادي والجغرافي، إلى جانب تطوير العلاقات مع جمهورية مصر العربية ودول القرن الأفريقي، خاصة في ملفات الأمن البحري، ومكافحة التهريب، والتجارة العابرة، والطاقة، والاستثمار في البنية التحتية والاتصالات.

كما يجب ألا يُهمل الجانب الإنساني، عبر بناء منظومة شراكة مع المنظمات الدولية والإقليمية، لدعم قطاع الصحة والتعليم والغذاء، وإعادة تأهيل المجتمعات المتضررة.

إن هذه الرؤية لا تعالج فقط آثار الحرب، بل تفتح أفقًا جديدًا لبناء دولة عادلة، مستقرة، منتجة، وشريكة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي. وهي تمثل إطارًا أوليًا للنقاش الجاد، وقابلة للتطوير والإثراء من قِبل جميع المهتمين بالشأن اليمني، في الداخل والخارج، انطلاقًا من الحرص على استعادة الدولة، وبناء وطن يتّسع للجميع دون إقصاء أو تهميش.

مقالات

اليمنيون كلهم شيعة

ما من أمةٍ أحبّت أقاربَ نبيّها كما فعل اليمنيون، حتى غدت المحبةُ طقسًا، والتقديسُ عقيدةً. ذلك الحبّ، الذي بقي من طرفٍ واحد، منح أسرةَ محمدٍ النبي ولايةً روحيةً، وامتيازًا اقتصاديًا، وحقًا مزمنًا في السلطةِ السياسية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.