مقالات

حين تعتذر المقدمة عن الكتاب.. بين النقوش المسندية والمرافعة القومية!

23/07/2025, 20:13:48

كتاب المؤرخ مطهر الإرياني " نقوش مسندية" من الأعمال العلمية المهمة التي تتناول دراسة النقوش اليمنية القديمة، وترجمتها والتعليق عليها في إطار لغوي وتاريخي متخصص.

كان هم المؤلف كله مركزاً على قراءة مجموعة من النقوش المسندية، ترجمتها، والتعليق عليها في حدود تتراوح بين معرفة الباحث بأسماء المناطق والقبائل والديانات اليمنية القديمة، والأقتراب قليلاً من عتبات حليل النقوش ومقارنتها.

لا يحتوي الكتاب ما يشير إلى دعوة لإحياء صراع عرقي ، بل اشتغل في حقل اللغة والتاريخ والرموز، وهو جهده كمؤرخ عمل بدأب في سبر أغوار التاريخ اليمني ونقوشه من اجل ان يزيح الغبار عن تاريخ تعرض للطمس والتجاهل واحيانا الحرب والإلغاء المتعمد.

ومع ذلك، فإن ما يثير الاهتمام ليس فقط محتوى الكتاب، بل مقدمة الدكتور عبدالعزيز المقالح التي تحولت إلى مرافعة قومية تتجاوز موضوع الكتاب الأصلي. 

مقدمة اهتمت بنفي ثنائية الصراع بين شمال الجزيرة وجنوبها " القيسية/اليمانية" ، أو ما سمي الصراع العدناني-القحطاني ، رغم ان هذا الموضوع لم يكن ضمن اهتمامات الكتاب وموضوعاته.

لم أعثر على مبرر لتناول موضوع كهذا في مقدمة كتاب موضوعه الحصري دراسة النقوش المسندية القديمة والتعليق عليها.

لا تأخذ الكتابة معناها من مضمون الفكرة التي تقولها فقط ، بل ايضا من التوقيت الذي طرحت فيه ، والمكان أو السياق الذي وضعت فيه، والمناسبة التي قيلت فيها.

كتاب يتضمن مادة علمية لا تشتبك مع صراع أيديولوجي ولا تلوح براية عرقية. لكنه مع ذلك، وجد نفسه – بفضل المقدمة – وكأنه يقف في قفص اتهام مؤجل، يستدعي تبرئة مسبقة من تهمة لم توجه إليه.

ربما حضر حماس الإرياني ودفقه الشعري وانغماسه في إحياء الهوية الثقافية الوطنية، في ذهن المقالح وهو يكتب مقدمته، فحضر فيها التبرير ونفي مالم يكن موضع إهتمام داخل الكتاب.

الدكتور المقالح، من الذين قدّموا مطهر الإرياني للقارئ، وتحمسوا لمشروعه، ولكنه يُقدّم الشاعر–المؤرخ مشروطاً بتأويل معين، يُعيد ضبط الإيقاع الفكري له ضمن خطاب قومي إنشائي، يتفادى ما يراه انزلاقاً نحو إحياء صراعات موهومة.

هذا الموقف، وإن جاء متّسقاً مع رؤيته الطويلة للثقافة العربية، إلا أنه يُسقط على المشروع التاريخي–اللغوي للإرياني هواجس لم يكن بالضرورة هو منشأها، بل أفرزتها قراءات سياسية لاحقة، أو أحكام أيديولوجية مسبقة، تنفُر من كل إهتمام بالتاريخ اليمني الحضاري القديم، ومن تأثيراته المعاصرة على تشكل الهوية الوطنية الثقافية.

ثنائية عرب الشمال وعرب الجنوب، هو عنوان مهم كتبت حوله عشرات الأبحاث والمؤلفات ودارت سجالات ونقاشات لا حصر لها حوله وما تزال ، لكنه لم يكن ضمن اهتمامات الكتاب ، ولا نوقش فيه. موقف الدكتور المقالح من هذه المسألة ، ليس موضع اهتمامي هنا ، وانما السياق الذي اختار أن يثبته فيه أولاً. وكونه اعتمد على نظرية "المؤامرة" في تفسيره ، وليس تحليل هذه الفكرة المقحمة وتفكيك محركاتها وفهم أسبابها وتحليل السياقات التاريخية التي وجدت فيها.

المقدمة لها زمنها ، تضمنتها النسخة الأولى للكتاب التي صدرت في العام 1972، وكذلك الطبعة الموسعة في العام 1990. وهي تواريخ لم تكن فيها النقاشات العامة والمزاج الشعبي منقسما في صراع عرقي. كان مزاجا ثوريا في سياق حركة وطنية معاصرة بداية السبعينات ، ومناخ عام منتشي بالوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 ، وما تمثله هذه اللحظة من انسجام مع كل بحث يزيل الغبار عن عظمة تاريخ اليمن وحضارتها القديمة.

-الهوية القومية المصمتة

قدم المقالح مرافعة قومية ضد هذا النوع من التأريخ ، الواقع خارج الكتاب، لأنه في نظره، قد يُفضي إلى تصدع في صورة “العروبة” التي يرى فيها مشروعاً ثقافياً جامعاً.

هذا القلق، وإن بدا مشروعاً ، يجعل من قراءة التاريخ القديم مرتهنة لحسابات الحاضر الوطني والقومي.

وكما نعرف اليوم، فقد وصلت أنظمة القومية العربية في نهاية المطاف إلى مآل مناقض لشعاراتها، إذ كشفت عن سمات طائفية وعشائرية " نظامي الأسد وصدام "، إلى كونها أفرغت الجمهوريات من مضمونها وحولتها إلى جملوكيات عائلية.

هاجس النأي بالكتاب عن فهم معين يلوح ظله في ذهن كاتب المقدمة ،يترك انطباع لدى القاريء ان صاحبه يقف منذ البدء في موقع الدفاع، كأنه يتوجس من أن يُفهم الكتاب كجزء من سياق يتجاوز المؤلف. سياق يُفكك مركزية سائدة، ويستعيد المكانة التاريخية واللغوية والحضارية لليمن، لا بوصفها ملحقاً بالحضارة العربية–الإسلامية، بل بوصفها أصلًا من أصولها، وجذعها الأساس.

الواقع أن مثل هذا التخوّف لا ينبع فقط من هاجس الوحدة القومية للأمة العربية، بل من تصوّر لها قائم على النقاء، والتجانس، وعلى قطيعة ضمنية مع ما قبل الإسلام، باعتباره “جاهلية” أو إرثاً ينبغي احتواؤه تحت مظلة جديدة. بينما المنطق يقول أن الاستمرارية التاريخية، والاعتراف بتعدد الجذور، لا يهدد الهوية بل يغنيها ويحررها من وهم التماثل ، الذي لا يعدو ان يكون ايديولوجية سياسية مهيمنة.

افهم أن يأتي ذلك التحسس من التاريخ اليمني الحضاري القديم في الداخل اليمني، في سياق صراعات ارادت فيها جماعات دينية مسيسة ان تحتكر السلطة وفق سردية دينية تقطع مع كل تاريخ قبلها.

تيارات سياسية دينية ، على تناقضها ، لا ترى التاريخ اليمني القديم إلا باعتباره جزءا من الجاهلية الوثنية.

الجماعات الإسلامية المصنفة تحت هذا العنوان ك "مصطلح سياسي" تستخدم الدين في الصراع السياسي. الهوية الإسلامية في أدبياتها تتحول الى هوية مسيسة تؤول في رؤية تمنحها حق إحتكار السلطة.

لكن ذلك لا يقتصر عليها. إلى حد ما تبنت بعض الأحزاب القومية واليسارية، توجها ينظر بحذر للتاريخ اليمني القديم، من زاوية ايديولوجية.

هذه التحفظات ذات الطابع السياسي العقدي والأيديولوجي من التاريخ اليمني القديم، تنفر حتى من الأبحاث والدراسات، المهتمة بالتاريخ اليمني من منظور الدراسات التأريخية وما يتعلق بها من مجالات بحثية في الآثار والنقوش والتاريخ القديم.

رؤية كهذه، تحول النقوش والمسميات واللغات إلى أدوات محاكمات أيديولوجية، بدل أن تُقرأ كما هي: شواهد على تنوعنا، وعلى ثراء تاريخ العرب في عمقه الحضاري الممتد في حضارات اليمن القديم جنوب الجزيرة العربية.

-الحديث عن التاريخ بمنطق القطعيات الأيديولوجية

ينطلق المقالح في موقفه من مسألة تاريخية كهذه ، من استناده إلى المؤرخ جواد علي، الذي يرى أن هذا الصراع لم يكن حاضراً قبل الإسلام، بل صُنع لاحقاً بفعل الحزبيات والنزاعات القبلية ، وأن تدوين الأنساب جاء كتثبيت لتلك التكتلات، لا كتعبير عن واقع سابق. ومن هذا المنظور، يصبح كل حديث عن قحطانية وعدنانية، أو عن مركز عربي جنوبي وآخر شمالي، ضرباً من الأدلجة أو الاستثمار في تمزقات الهوية.

هذا الرأي الذي يعبر عنه جواد علي، ويستدعيه كاتب المقدمة، يرى ثنائية القحطاني والعدناني ، باعتبارها "خرافة لا أساس لها وأنها كانت مجرد تحايل سياسي قديم.

ويرى أن هذه الخرافة " إذا قد عادت إلى الظهور مرة أخرى في اليمن في أواخر عهد الإمامة فإنما كان ذلك بعث واستمرار لذلك التحايل السياسي. ومن هنا ينبغي أن نتبين أَن الخصوم التقليديين للعرب مضافاً إليهم الخونة من ذوي المطامع السياسية من العرب أنفسهم ، هم الذين مكنوا لهذه

وأمثالها من الدعاوى الانقسامية التي قل أن يسلم منها قطر من الأقطار العربية اليوم ."

استحضر المقالح قضية من خارج اهتمام الكتاب، وانطلق مسترسلا في مهاجمتها باعتبارها مؤامرة من أعداء العرب، خارج سياق اللغة البحثية العلمية لدراستها كموضوع تاريخي

الحديث في التاريخ بمنطق القطعيات الدينية واضح في مقدمة الكتاب.

حشد الحجج قاد كاتب المقدمة إلى الاستشهاد بآيات قرآنية ، أوردها جواد علي باعتبارها " الكلمة الفصل " في موضوع له علاقة بالدراسات التاريخية.

لنقرأ هذه الجملة من المقدمة :

"لقد قلت من قبل : إن القرآن الكريم لم يشر إلى وجود جدين أو أكثر للعرب ، لقد خاطبهم الرسول على أنهم نسل إسماعيل وإبراهيم ، ولم يفرق بين عرب قحطانيين وعرب عدنانيين ، وإننا لم نجد فيه إشارة ما إلى قحطان وعدنان ، أو إشارة يفهم منها أن الجاهليين كانوا يقولون أنهم من أصلين ( وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ، هو سماكم المسلمين من قبل ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله . هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) أسورة الحج ]

فإبراهيم في القرآن أبو العرب عامة لم يختص بقسم ، وهذه الآية مدنية نزلت في ( المدينة ) مقر الأنصار. "

الإشارة من جواد علي ان الآية القرآنية نزلت في مقر الانصار يعطي انطباع أنها تعنيهم بحسب فهمه، وما أراد أن يقوله!

هذا المعنى نفسه هو ما تذهب اليه مقدمة اوردت كل هذا الحِجاج في صدر كتاب عن النقوش المسندية، لم يناقش هكذا موضوع بحثي تاريخي ، لا مؤيداً له ولا معارضاً!

مقدمة تستدعي القومية العربية كحالة ذات بعد واحد ، ومنزهة من الانقسامات والصراعات ، بل ضد أي محاولة لقراءة الهوية اليمنية القديمة خارج أفق التوظيف السياسي لمسائل ذات طابع بحثي تاريخي.

وكأن تخلق العروبة ووجودها حالة مفارقة للتاريخ، وُجدت خارجه، في متن اللغة الإنشائية وكتابات التبجيل التلفيقي التي تقفز أمام كل فجوة تستدعي الحفر والكتابة النقدية. ترجع هذه الذهنية كل الخلافات إلى المؤامرة الخارجية، لا إلى التعقيد الداخلي الذي ينتج صراع موضوعي ، عرفته كل الأمم والحضارات في ازمنة تشكلها وفي ازمنة انتشارها وانكماشها وكافة مراحلها.

-مابين المرافعة وخلاصتها

الإسلام، الذي انطلق من الحجاز، لم يكن منقطعا عما قبله، بل نهرا التقت فيه روافد متعددة، كان اليمن أحد أقدمها. لكن التدوين، والمركزية القرشية، والسياسة، جعلت من هذا النهر سردا موحدا، لا يحتمل التعدد. وحين يعود أمثال مطهر إلى لغة المسند، فإنهم لا يحفرون في ارضية الخلاف، ولكنهم يظهرون هوية جذورها ضاربة في اعماق التاريخ القديم. يظهرون جذور الحضارة العربية في تاريخ أصلها القديم ومنبعها ، وعمادها الأكبر بعد الإسلام.

والحال كذلك ، أرى أن نقاش فكرة القحطانية - العدنانية في مقدمة لكتاب مطهر الإرياني حول النقوش المسندية، يستدعي تساؤلاً مهما لا زال مطروحاً إلى اليوم:

لماذا تبدو كل عودة للتاريخ اليمني القديم، وكأنها " تهمة" تحتاج إلى تبرير ؟

هل أصبحت العودة إلى تاريخ اليمن القديم، وإلى لغته ونقوشه، تُقرأ بوصفها تهديداً؟ هل تحوّل كل بحث في المسند ونقوشه ، وحمير والحضارة اليمنية القديمة، بمثابة استدعاء لصراع؟

وإذا وسعنا فرجار الدائرة إلى الوطن العربي ، يبرز تساؤل آخر : هل مفهوم القومية العربية مصمت ومنغلق على معنى واحد يلغي كل تاريخ قبله، ولا يعترف بالتنوع في إطار الوحدة ؟

الغريب والعجيب ان الدكتور المقالح واع لهذه النقطة بالذات. فبعد ان استطرد في مرافعة نفي الصراع تحت هاجس الخوف من فهم معين لكتاب لا يناقش هذا الموضوع ، اختتم نقاشه لهذه المسألة بالإشارة إلى السبب الحقيقي الذي جعله يستطرد في موضوع كهذا. يقول في ختام هذا الجزء من المقدمة :

"توجد أقليات وطوائف صور لها الوهم الشائع ، وصور لها جهلاء المؤرخين أنها مبتورة الصلة بتاريخ هذا الإقليم أو ذاك ، فهي دخبلة، وأن هذه الآثار وذلك التراث لا يعنيها ولا يمت إليها بصلة من الصلات ، وبذلك يكون الحديث عن : غمدان ، والأهرام ، وحدائق بابل ، وقرطاجة ، وتدمر ، هو في نظر هذه الفئات حديث اقليمي يباعد بين المشاعر المعاصرة لأفراد الأمة العربية ، وحديث طائفي وعنصري يعمق الخلافات المحلية .

وهذا فهم طفولي ومغلوط للتاريخ ، وإنكار لجوهر القومية العربية التي هضمت وتمثلت كل هذا التراث العظيم ، وأصبح الوطن العربي المعاصر نتيجة تمثل أمته الكبيرة لكل هذا التراث المتنوع من أغنى شعوب العالم تراثاً . وإنه لشيء عظيم أن يكون العربي المعاصر حفيداً لأخناتون ، وآشور ، وشمر يرعش ، وهانيبال ، ومحمد ، وصلاح الدين ، وعندما ينشط على هذه المنطقة علم حفريات ماقبل التاريخ سيجد المرتجفون والمتظاهرون بالخوف على سلامة الوحدة القومية والوحدة المحلية أن الوطن الواحد جغرافياً ، ذا اللغة الواحدة ، والمصالح والآمال المشتركة يعيش مترابط المشاعر مشدوداً إلى بعضه بروابط لا تفصم ، ليس من الآن وإنما من آلاف السنين "

ما يضعه الدكتور المفتاح من افكار في الاقتباس الطويل أعلاه- وقد حرصت على إيراده كاملا هنا- يناقض ما كتبه في الصفحات السابقة في مرافعته النافية للتعدد في جذور القومية العربية التي تشكلت في سياق الحضارة العربية الإسلامية بعد الإسلام.

كذلك يعزز من التناول النقدي لمقدمته في هذا المقال ، ويبرر الإستغراب من إستدعائه ثنائية " العدنانية-القحطانية" بصيغتها الصراعية القديمة في التاريخ العربي بعد الإسلام، كي ينفيها في مقدمة كتاب لم يتناولها. وربما كان الإقتباس من خاتمة مقدمته كافياً لأن يقنع كاتب المقدمة نفسه، بتجنب إستدعاء مسألة كهذه ، بمضمونها السياسي الصراعي ، في مقدمة كتاب يبحث في النقوش المسندية.

لا أحب المقدمات عموما. ولو انها كتبت في سياق التعريف بجهد الباحث في قراءة النقوش والتعليق عليها ، وعرض ما تناوله فيها من شروحات وتعليقات ، واهمية النقوش في إطار اشمل لكتابة التاريخ اليمني القديم ، لكانت مبررة ومفيدة للقاريء.

لكنها مقدمة وضعت في واجهة كتاب دون ان تكون بوابته المُعرفة بمضمونة! تحولت إلى لافتة كبيرة في اتجاه آخر يشوش على القاريء ويربك ذهنه قبل أن يبدأ في قراءة مادة من نوع مختلف ؛ يتلمس فيها المؤلف لغة أجداده القدماء ، حروفهم وكلماتهم المنقوشة في الصخر ، وبتأمل في ما احتوته وما أحالت إليه من أحداث وشخوص ومسميات ورموز ومعاني.

-بين الخوف من التوظيف وحق الذاكرة: ما الذي تخشاه القومية من تاريخ اليمن؟

في المحصلة ، بدت مقدمة المقالح، وكأنها تحاصر التاريخ بين قطبين: وجوب الاعتراف به من جهة، والخوف من توظيفه من جهة أخرى. أما مطهر الإرياني، في مجمل مشروعه وما أنجزه كشاعر ومؤرخ ولغوي متخصص بدراسة النقوش المسندية واللغة اليمنية " العربية الجنوببة"، فقد كان يقاوم هذا التردّد أو الخوف من إعادة الإعتبار للتاريخ اليمني الحضاري القديم: لا لكي يبني دولة قحطانية مفارقة للقومية العربية، بل ليقول ببساطة إن الأمة اليمنية لها تاريخها وهويتها وجذرها اللغوي والثقافي. وأن هذا العمق الحضاري لليمن هو عمق للحضارة العربية التي سادت في القرون الأولى بعد بعد الإسلام وليست مفارقة لها.

يبقى ان اختم بالقول هنا ، إن كل محاولة لإحياء الذاكرة الحضارية اليمنية ليست تهمة تحتاج إلى براءة ذمة قومية.

وكل قراءة للنقوش والأسماء والرموز القديمة ليست دعوة للقطيعة مع الأمة، بل مقاومة للنسيان المفروض.

فإذا كانت العروبة مشروع جامع، فعليها أن ترى في جذورها القديمة تعدديةً تسبق مركزيات السياسة وتحرّرها من ضيق القوالب المغلقة.

هذا بعض ما يغيب حين تتحوّل مقدمات الكتب إلى مرافعات استباقية، يعتذر فيها كاتب المقدمة عن كتاب لم يقترف شيئا سوى قراءة أثر الحضارة اليمنية منفوشاً بلغتها المسندية في صخور اليمن.

مقالات

ليلة وقوعي في الحب(4)

كان المجنون علي الزيلعي واحدًا من أشهر مجانين الحديدة. وكان قوي البنية، ضخم الجثة، طويل القامة، شبه عار، وشَعره مشعث ومتّسخ، والوسخ المتراكم فوق جسده كأنه جلد آخر، لكنه كان طيبًا وهادئًا ومُسالمًا، ولم يدخل يومًا في عراك مع أحد. حتى إن الناس، من حبهم له كانوا يودّونه ويعطونه ويتصدّقون عليه ويعتبرونه وليًّا من الأولياء، لذلك كان حظه من الصدقات كبيرًا، وكان "القات" يتوفر له بكميات كبيرة، ويظل مخزنًا من الظهر إلى ما بعد منتصف الليل، ولا ينام إلا بعد أن ينام الجميع.

مقالات

العودة إلى عصا الفقيه السحرية!!

كان الزمن الماضي جميلًا بكل تجلياته ومتاعبه... لا ندري لماذا هذا الحنين إلى الماضي وهو يجتاح النفوس الإنسانية في كل أحوال البؤس أو الرخاء. أطلقوا عليه توصيفًا يسمى بالنوستالجيا

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.