مقالات

المقالح كلمة اليمن الخالدة (3)

29/01/2023, 06:25:12
بقلم : محمد صلاح

من المفارقات في تاريخ اليمن أن مدينة حجة التي جعلها الإمام منفى وسجناً للأحرار، وميدانا لإعدام طلائع التغيير، والتنوير في البلاد، تحولت آنذاك إلى مركز إشعاع فكري، وتعليمي، ذاع صيتها في أرجاء البلاد، وذلك بسبب وجود الأحرار، الذين لم يتوقفوا عن أداء دورهم التنويري، حتى وهم في السجون، والقيود على معاصمهم، والأثقال على أرجلهم.

في مطلع الخمسينات، خرج الاستاذ النعمان من سجن قاهرة حجة، بعد مراسلات جرت بينه وبين الإمام أحمد، وقد تمكن الاستاذ من إقناع الأول افتتاح مدرسة تتبنى التعليم الحديث، واستقدام مدرسين من مصر، وأدخلت مواد جديدة في التعليم، يقول الأستاذ النعمان حول ذلك: "فتحنا مدرسة اسمها المدرسة المتوسطة فكان الإمام يلبي كل طلباتنا؛ لأننا قلنا له إن حجة القاعدة التي انتصرت منها محتاجة إلى مدارس، وخاصة في المناطق المظلمة منها، وإذا بالمدرسة المتوسطة تتأسس ويبدأ التعليم، واستعنا بمعلمين من الخارج لتعليم اللغة الانجليزية والرياضة البدنية والكشافة" [أحمد محمد نعمان مذكرات ص54، مراجعة وتحرير الدكتور علي محمد زيد]

وبسبب المنهج الدراسي الحديث الذي تبنته المدرسة تحت إدارة الاستاذ المناضل أحمد محمد نعمان، الذي سمح له الإمام بالإشراف على التعليم في لواء حجة، -حيث كان يتم إطلاق سراحه نهاراً، وإرساله بصحبة أحد الجنود لمرافقته خشية - أن يهرب - لأداء مهمته التعليمية، ويعاد إلى السجن ليلاً -، ذاعت شهرة هذه المدرسة في أوساط المسؤولين، والوجاهات الاجتماعية في لواء حجة، فكانوا "يرسلون أبنائهم إلى المتوسطة كي ينالوا حظاً تعليمياً وتربوياً في أحدث مدرسة في اليمن" [عبدالوهاب جحاف حقائق ومواقف ص15]

غير أن المنهج التعليمي الحديث للمدرسة المتوسطة التي تم افتتاحها، لاقى هجوما عنيفا من قبل أتباع الإمامة، وأنصارها، فتم إغلاقها بعد ثلاث سنوات، بسبب نقاش بين طفل صغير وصهر الإمام حول الرئيس المصري آنذاك محمد نجيب، وحول الثورة المصرية التي قامت في يوليو 1952، ووصل تأثيرها إلى تلك المنطقة المعزولة بين الجبال، يقول الاستاذ النعمان "بدأت هذه الثورة تحدث ردود فعل ونقمة على الوضع القائم، وإذا بالإمام يتأثر هو نفسه، وبدأ يتنكر حتى للأسلوب الذي سمح به بفتح المدرسة، لذلك أمر بإغلاق المدرسة المتوسطة، لأن هذا الطالب لقي مرة صهر الإمام، فظل يتناقش معه، صهر الإمام يحمل على (الرئيس المصري آنذاك) محمد نجيب، فرد الطالب قائلاً إن محمد نجيب رجل مسلم حرر مصر من الرجعية، رد صهر الإمام قائلاً: هذا كافر يلبس (برنيطة) و(البرنيطة) ليست لكم بل يلبسها النصارى، قال الطالب: طيب إذا لبس النصراني العمامة هل يصبح مسلماً؟ فلما رأى الطالب الصغير قد أخرسه بالمنطق في حين عجز عن الرد رغم تقدمه في السن، ذهب إلى الإمام ينبئه بأن حجة ستشهد ثورة مفسدة للدين، عندئذ أمر الإمام بإغلاق المدرسة المتوسطة، حاولنا إعادة فتحها ولكن ذلك كان متعذراً"[أحمد محمد نعمان مذكرات ص54، مراجعة وتحرير الدكتور علي محمد زيد].

لقد صدقت نبوءة صهر الإمام، وتخرج من تلك المدرسة، على يد الأحرار، وتأثر بهم، سواء من أبناء حجة، أو أبناء المناطق الأخرى الكثير من الطلائع، فضلاً عن أبناء الأحرار أنفسهم الذين انتقلوا إلى جوار آبائهم، ورضعوا منهم النضال، والمعرفة، أمثال الدكتور عبدالعزيز المقالح، وعبدالله عبدالسلام صبره، وعلي عبدالله السلال وغيرهم، وأصبح أولئك التلاميذ الصغار فيما بعد ثواراً، لعبوا دوراً مهماً ورئيسياً، في قيام ثورة سبتمبر المباركة عام 1962م، وفي كسر حاجز العزلة التي فرضها النظام الإمامي على البلاد، وسعوا لنشر التعليم في كل ارجاء الوطن، وخلق ثقافة وطنية جديدة تربط اليمن بالعصر، وتسعى للتخلص من عبء التخلف، والجهل، الذي أطبق على البلاد خلال النصف الأول من القرن العشرين.

مقالات

شهيد الحرية والربيع أمجد عبد الرحمن

صدر كتاب جديد عن الشهيد الخالد أمجد عبد الرحمن. في صدر الكتاب وفي الغلاف الأخير وبالخط الأحمر: "اغتيال أمجد جريمة مستمرة". ويقينًا، جريمة اغتيال الناشط المدني وداعية الحق والحقيقة، الشاب: أمجد عبد الرحمن، تبقى حيّة ومؤرِّقة ما دام قتلته يسرحون ويمرحون، وربما يستطيعون استمرار الاغتيال، الأخذ بالقصاص مهم.

مقالات

السودان.. هل من فرص لاستعادة وحدة البلاد حرباً أو سلماً؟

كلما اعتقدنا أن الحرب في السودان اقتربت من نهايتها حتى تعود إلى مربعها الأول، وتتغير قواعد الاشتباك من جديد، لدرجة أننا صرنا اليوم نكاد لا نعرف السودان كما كنا نعرفه بالأمس القريب، فالانقسام السياسي والتناحر العسكري اللذان ينهشا لحمه وينخران نخاع عظمه يجعلانا كل يومٍ أمام مشهد جديد لمأساة هذا البلد الكبير، المترامي مساحةً، والمعقد تكويناً عرقياً وثقافياً إلى حدٍ يصعب معه القول بهويةٍ واحدةٍ للسودان إن كان عربياً خالصاً أو إفريقياً تماماً، أو مزيجاً متجانساً من هذا وذاك.

مقالات

فلسفة تثير الغثيان 3

كنت في كل اجتماع حزبي أشعر أن الحزبية لا تليق بي ولا تصلح لي، ذلك لأن مزاجي وطبيعتي يتعارضان مع الانضباط الحزبي ومع الحياة الحزبية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.