مقالات

الوحدة والاقتصاد المأكول

23/05/2025, 09:55:05

في 22 مايو 1990، خرج اليمنيون إلى الشوارع يحتفلون بوطن واحد.. بجغرافيا لم تعد مقسمة على خارطتين، وبعلم واحد يرفرف فوق سارية الأمل. كان ذلك اليوم إعلانًا لحلم كبير اسمه الوحدة اليمنية، وكان من الطبيعي أن تتعالى الهتافات، وتزغرد الأمهات، لقد عشت تلك الفرحة وأنا في السابعة من العمر، وأشعلنا النار على أسطح المنازل وقمم الجبال، كان لدي شعور بأننا قادمون على فرح عظيم، كيف لا؟ وهو حلم الشعب بأن تختفي براميل الشريجة، ويُمحى ذلك الخط الوهمي بين الشمال والجنوب.

لكن بعد 35 عامًا، يبدو أن المسافة بين الحلم والواقع أصبحت أبعد من أي وقت مضى. نعم، اتحدنا سياسيًا، لكن هل توحدنا اقتصاديًا؟ كان الشمال يسير بنظام السوق الحر، بينما الجنوب متمسك باقتصاد مركزي، وبدلًا من أن نجد وصفة تجمع بين الحالتين، اكتفينا بدمج سريع لا يراعي الفوارق ولا يضع خطة لمعالجة التفاوت.. كانت النتيجة اقتصادًا هشًا، فاقدًا للعدالة ومثقَّلًا بالمركزية والتمييز.

ورغم كل ذلك، ظل هناك بصيص أمل يلوح من بعيد، لكن انقلاب مليشيا الحوثي في سبتمبر 2014، لم يكتفِ بهدم الدولة، بل أعادنا إلى ما هو أسوأ من التشطير الجغرافي.. انقسام نقدي واقتصاد مشطور وعملة تمزقت في الحجم والقيمة، وصار الاقتصاد مرآة لانقسام سياسي خطير.

في صنعاء، منعت المليشيا تداول الطبعة الجديدة من العملة، وفرضت سطوتها على البنوك، حتى أصبح التعامل المالي مسألة أمنية لا اقتصادية، والأسوأ من ذلك، أن النظام المالي تم توظيفه لتمويل صفقات مشبوهة وتهريب السلاح، ما جعل البنوك عرضة للعقوبات الدولية، والنظام المالي برمته يواجه شبح الانهيار.

اليوم، يعيش المواطن اليمني في عالمين ماليين مختلفين. لكل طرف سعر صرفه، وبنكه، وسلطته النقدية، والفاتورة لا يدفعها إلا البسطاء، فالمواطن هو الذي يُصاب بالدوار كلما ارتفع الدولار، هو الذي يراقب خبزه يتبخر، وعلاجه يُحتجز في الموانئ والمنافذ، وراتبه منهوب في صنعاء منذ أكثر من ثماني سنوات، ولا يصل إلا بعد شهور، في عدن وبلا قيمة.

الوحدة لم تكن مجرد وثيقة وُقعت بين زعيمين، بل كانت مشروعًا تنمويًا، إنسانيًا وطنيًا.. مشروعًا يعني أن يكون لكل يمني حق في الماء والخبز والتعليم والصحة.. كانت وعدًا بعدالة تمتد من سقطرى إلى تعز ومن عدن إلى صنعاء، ومن المهرة إلى صعدة، ومن الحديدة إلى حضرموت وعدن والمهرة وحضرموت.

لكن إذا لم نحفظ هذا المشروع من التمزيق، فلن تبقى الوحدة سوى قصيدة وطنية تقرؤها الأجيال القادمة وتبكي وتتحسر على جيل لم يحسن الحفاظ على حلمه الكبير.

مقالات

الفاشلون سياسيًا يحتفلون

في 22 مايو 1990، خرج اليمنيون إلى الشوارع يحتفلون بوطنٍ واحدٍ، بجغرافيا لم تعد مقسّمة على خارطتين، وبعلمٍ واحدٍ يرفرف فوق سارية الأمل. كان ذلك اليوم إعلانًا لحلمٍ كبيرٍ اسمه الوحدة اليمنية، حيث تعالت الهتافات، وزغردت الأمهات، وغمرت الفرحة الجميع. لكن بعد 35 عامًا، يبدو أن المسافة بين الحلم والواقع أصبحت أبعد من أي وقتٍ مضى.

مقالات

الوحدة اليمنية.. لحظة للمراجعة

في الثاني والعشرين من مايو 1990، لم يكن اليمنيون على موعد مع يوم عادي في تاريخهم، بل مع لحظة فاصلة شكلت تتويجًا لمسار نضالي طويل واختزالًا لحلم وطني كان يراود الأجيال منذ عقود.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.