مقالات

اليمن.. حقل رماية مفتوح برعاية الحوثيين

25/04/2025, 11:17:16

في زمن تتصارع فيه الأمم على صدارة العالم، هناك دول ترتقي سلالم التقدّم، وأخرى تُسحق تحت أقدام الضباع الكبار.

اليمن، للأسف، يتحوَّل إلى سيرك دموي، حيث تتسابق ضباع الأرض لعرض أسلحتها، وتُصفق القوى الكبرى بينما يتساقط الضحايا.
هذا هو اليمن اليوم: ميدان ضرب نار مفتوح، مختبر لتجارب الأسلحة، ومسرح لتصفية الحسابات الجيوسياسية.

الحوثيون، بسيطرتهم على صنعاء والبحر الأحمر، فتحوا الأبواب لهذا العرض المُرعب، ميسِّرين لأمريكا، روسيا، إيران، إسرائيل، وحتى الصين، لاختبار تقنياتهم وتبادل الرّسائل الخشنة. لكن بينما يُراق الدم اليمني، وتُختطف الدولة كغنيمة حرب، يتساءل المرء: كيف أصبح اليمن حقل تجارب جماعيًا؟ ومن يوقف هذا السيرك؟ ومتى يستعيد اليمنيون وطنًا من أنياب الضباع؟

- الحوثيون .. بوابة الميدان الدامي

الحوثيون ليسوا مجرد جماعة مسلحة، بل أصبحوا بوابة تدويل الصراع في اليمن. سيطرتهم على صنعاء وموانئ البحر الأحمر، مثل الحديدة، جعلت اليمن ساحة مفتوحة للقوى الخارجية.
وفق رويترز، شنّ الحوثيون، منذ نوفمبر 2023، أكثر من 70 هجومًا على السفن التجارية في البحر الأحمر، مستخدمين صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار إيرانية الصُّنع، كما وثّقت تقارير الأمم المتحدة (2024).
هذه الهجمات، التي استهدفت ممرات تجارية حيوية، لم تكن مجرد تحدٍ للغرب، بل دعوة للقوى العظمى إلى اختبار ترساناتها.

من صواريخ 'توماهوك' الأمريكية، التي دمَّرت مواقع في الحديدة، إلى طائرات 'شاهد-136' الإيرانية التي استهدفت منشآت سعودية، وصولًا إلى أنظمة رصد إسرائيلية في البحر الأحمر، يُستخدم اليمن كمختبر حي.

تقرير مجموعة الأزمات الدولية (ICG) (يناير 2025) يشير إلى أن الحوثيين، بتحالفهم مع إيران وبسيطرتهم على ممرات إستراتيجية مثل الحديدة، جعلوا اليمن مختبرًا دمويًا يستفيد منه الغرب لتبرير وجوده العسكري، بينما يُختبر كل شيء - من الصواريخ إلى الأقمار الصناعية - على حساب شعب يعاني أسوأ أزمة إنسانية، حيث يحتاج 18 مليون شخص إلى مساعدات (الأمم المتحدة, 2024).

- الضباع الكبار .. تجارب الأسلحة والرسائل

اليمن ليس ساحة حرب فحسب، بل مختبر للقوى الدولية التي تتباهى بتقنياتها:

الولايات المتحدة: الضربات الأمريكية-البريطانية، التي بدأت في يناير 2024 وتكثفت في مارس 2025، استخدمت أسلحة متطوّرة مثل صواريخ 'توماهوك' وطائرات 'F-35'، كما ذكرت واشنطن بوست. هذه العمليات، التي كلفت مليار دولار، لم تُضعف الحوثيين بشكل كبير، بل اختبرت أنظمة استهداف متطوّرة، مع إرسال رسائل إلى إيران تزامنًا مع مفاوضاتها النووية (بي بي سي).

إيران: زوّدت الحوثيين بصواريخ "قُدس" وطائرات 'شاهد-136'، وفق تقرير الأمم المتحدة (2024). هذه الأسلحة، التي استهدفت السفن والسعودية، تُعدّ اختبارًا لقدرات إيران العسكرية، مع تعزيز نفوذها في المنطقة. حيث استخدموا الحوثيين كمِنصة لتجريب مسيّراتهم وصواريخهم الجديدة، في تكرار مصغَّر لتكتيك حزب الله في جنوب لبنان.

روسيا: قدمت بيانات أقمار صناعية للحوثيين عبر إيران، كما كشفت 'وول ستريت جورنال' (أكتوبر 2024)، مما ساعد في استهداف السفن. هذا الدعم، إلى جانب صواريخ "358"، التي تحمل مكوّنات يُشتبه أن مصدرها روسي (واشنطن بوست)، يُظهر محاولة موسكو لإزعاج الغرب عبر تعزيز قدرات الحوثيين دون مواجهة مباشرة.

إسرائيل: نفذت ضربات محدودة ضد مواقع حوثية في ديسمبر 2024، مستهدفة مخازن صواريخ في الحديدة بطائرات 'F-35' (الجارديان). هذه العمليات اختبرت أنظمة رصد وتشويش إسرائيلية، مع رسالة ردع لإيران.

الصين: دورها هامشي، لكن تقرير مركز صنعاء (2025) يشير إلى بيع طائرات بدون طيار تجارية (مثل DJI Mavic) استُخدمت في استطلاع حوثي.
الصين تراقب الصراع لحماية مصالحها التجارية في البحر الأحمر، دون تدخل عسكري مباشر.

هذه التجارب ليست مجرد استعراض، بل جزء من مفاوضات غير مُعلنة. الضربات الأمريكية تزامنت مع محادثات إقليمية، بينما دعم روسيا يعكس مواجهة مع الغرب، كما أشارت مجموعة الأزمات الدولية (ICG).
اليمن، في هذا السيرك، مجرد مسرح للرسائل الخشنة.

- التخادم الحوثي - الأمريكي .. لعبة النفوذ

رغم الضربات الأمريكية، هناك تناقض يكشف تخادمًا غير مباشر بين واشنطن والحوثيين. في يناير 2024، أعادت الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين"، لكنها أكدت أن الهدف ليس إسقاطهم، بل "تعديل سلوكهم"، حسب تصريحات البيت الأبيض (رويترز). إزالتهم من قائمة الإرهاب في 2021، بحُجة تسهيل المساعدات، عززت قدرتهم على التفاوض (بروكينغز).

 - هذا النهج يخدم أهدافًا أمريكية خفية:

التحكم في الملاحة: التهديد الحوثي يبرر وجود أساطيل أمريكية في البحر الأحمر، مما يعزز النفوذ على التجارة العالمية (واشنطن بوست).

الضغط الإقليمي: الحوثيون أداة للضغط على إيران والسعودية في مفاوضات إقليمية (مجموعة الأزمات الدولية "ICG").

تجارة السلاح: الصراع يحفّز دول الخليج على شراء أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات (بروكينغز).

إدارة الفوضى: استمرار الصراع يمنع صعود مشروع وطني يمني، مما يخدم حلفاء واشنطن الإقليميين (مركز صنعاء).

فكرة "الفوضى الخلاقة"، رغم جاذبيتها، تظل استنتاجًا تحليليًا وليست سياسة موثقة، لكنها تتماشى مع إستراتيجيات أمريكية لإدارة الصراعات (بروكينغز).

- اختطاف الدولة .. اليمن جثة باردة

الحوثيون لم يكتفوا بتسهيل ميدان التجارب، بل اختطفوا الدولة اليمنية، محوّلينها إلى جثة باردة تُنهب تحت شعارات الصمود.
تقرير الجارديان (2024) وثّق قمع الحوثيين للمعارضة، بما في ذلك اعتقال صحفيين وعاملين إنسانيين، وفرض ضرائب غير قانونية على السكان. مؤسسات الدولة، مثل البنك المركزي في صنعاء، أصبحت أدوات جباية، بينما تُعاد صياغة الهوية الوطنية وفق رؤية مذهبية (مركز صنعاء).

هذا النموذج السلطوي، الذي يرفض المواطنة المتساوية، يُشبه تجارب العراق وسوريا، لكنّه في اليمن اتخذ منحىً فاقعًا. لقد اختُزلت الدولة اليمنية في جماعة مسلحة، تدَّعي تمثيل الشعب بينما تمارس سلطتها بمنطق الغلبة، وتبرر قمعها بغطاء "العدوان الخارجي".
تقرير رويترز (2025) يشير إلى أن فساد الحوثيين ونهبهم المساعدات الإنسانية زادا من معاناة السكان، حيث يعيش 80% من اليمنيين تحت خط الفقر.

- الوكلاء الإقليميون .. صراع على الأنقاض

القوى الإقليمية تضيف طبقة أخرى إلى هذا السيرك:

السعودية: قادت تحالفًا ضد الحوثيين منذ 2015، مستخدمة أسلحة أمريكية؛ مثل صواريخ 'باتريوت'. بعد اتفاق التقارب مع إيران (2023)، خفضت تدخلها، لكنها تدعم قوات موالية للضغط على الحوثيين (رويترز).

الإمارات: دعمت المجلس الانتقالي الجنوبي بطائرات بدون طيار، وتقنيات إسرائيلية (الجارديان). هذا الدَّعم يعزز نفوذ أبوظبي في جنوب اليمن، مع اختبار أنظمتها ضد الحوثيين.

الحوثيون، بانقلابهم على الدولة اليمنية، وإشعالهم الحروب المحلية والإقليمية خدمةً للمشروع الإيراني، وفّروا ساحة مثالية لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية على الأرض اليمنية، بينما يقفون على أنقاض دولة تتفتت بفعل ارتهانهم لمشاريع خارجية، مُصدِرين ادعاءات مضللة ضد "العدوان الأمريكي السعودي - الصهيوني".

- اليمن ضحية الضباع: فمتى يتوقف السيرك؟

اليمن لم يعد وطنًا، بل سيركًا دمويًا تديره ضباع الأرض.
الحوثيون، بابتساماتهم أمام الكاميرات، وتسهيلاتهم في الخفاء، حوّلوا اليمن إلى ميدان ضرب نار مفتوح.
أمريكا تريد الحوثيين أداة، إيران تريدهم وكيلًا، السعودية تريدهم مروّضين لخدمة أجندة قديمة خاصة بها، وروسيا والصين تريانهم ورقة مساومة لتسوية حسابات إقليمية ودولية مع الغرب. لكن الضحايا يمنيون، شعب يدفع ثمن هذا العبث بدمائه وجوعه. فمتى يتوقف هذا السيرك؟ ومتى يستعيد اليمنيون وطنًا من بين أنياب الضباع؟

----
المصادر:

• رويترز: هجمات الحوثيين، تصنيف الإرهاب، مفاوضات عُمان، التقارب السعودي - الإيراني.
• بي بي سي: الضربات الأمريكية، المفاوضات النووية.
• واشنطن بوست: الضربات الأمريكية، أسلحة روسية - إيرانية.
• الجارديان: الضربات الإسرائيلية، قمع الحوثيين، الدور الإماراتي.
• مجموعة الأزمات الدولية (ICG): دور الحوثيين، الدعم الإيراني - الروسي.
• مركز صنعاء للدراسات: الدور الصيني، قمع الحوثيين.
• تقرير الأمم المتحدة (2024): الأزمة الإنسانية، الأسلحة الإيرانية.
• وول ستريت جورنال: بيانات الأقمار الصناعية الروسية.
• بروكينغز: الأهداف الأمريكية، تجارة السلاح.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.