مقالات
"أيوب طارش".. اسم من ذهب
ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه، ولكن لأنه شيخ "مودرن" فقد حوّل منبره وزاوجه مع حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح منبره، الذي يمارس فيه غوايته واهتماماته دون رادع، منبرا لإثارة الفتن، وترك قضايا مهمة ترتبط بمصير الوطن كله؛ مثل الحصار، وتهاوي العملة، والغلاء الفاحش، وانقطاع الرواتب، وانتشار الفقر، والجوع، والجهل والأمية، والبلطجة والفساد المستشري، والقتل والنهب في تعز وغيرها.
يتعرَّض أيوب طارش، منذ سنوات طويلة، لهجمات شرسة كانت بدايتها اعتراض الشيخ محمد سالم البيحاني على انتهاج أيوب طريق الغناء، خاصة أن الشيخ أول من قال لأيوب: إيهٍ -يا أيوب- لقد أو تيت مزمارا من مزامير داوود.
وكان هجوم الشيخ عبد الحميد كشك، في منتصف الثمانينات، بعد أن وصله خبر قصيدة عبد الحميد الشائف "صابر صبر أيوب".
العجيب في كل ما قيل ويقال عن أيوب وفنه أنه يزيده لمعانا مثل الذهب، ويجعله أكثر بريقا وجمالا، بل ويحتشد ويصطف كل اليمنيين حول أيوب، كما يحتشد السوار الذهب حول المعصم الجميل، لمناصرة أيوب ضد أعداء الفن والجمال والحياة.
أيوب طارش -بالنسبة لليمنيين- من عالم الأحلام والمثل العليا، وأشبه ما يكون بالنار المقدسة؛ نار المعرفة "برومثيوس".
أيوب هو المعبِّر عن حب اليمنيين وعواطفهم ووطنيتهم، هذا ليس إلا بتوفيق من الله منحه أيوب، واختصه وحده من بين الناس.
ولذلك حاول الكثيرون، وليس العديني آخرهم، ولم ولن يستطيعوا النيل منه ومن فنِّه.
أيوب، منذ بداية مشواره الفني، يتعرض لنهب حقوقه من قِبل العاملين في مجال التوزيع والنشر الفني، وظل يعاني من احتكار أغانيه، وسرقتها على نطاق واسع، وهو يعيش حياة الزاهدين، ولم يضره شيء، بل والتف كل اليمنيين حوله يطالبون نيابة عنه باستعادة حقوقه الفنية المنهوبة.
اليوم، في عصر النّت والفضاء الرقمي ووسائل التواصل الرهيبة، فلم يعد أيوب خاصا بأصحاب تعز، بل أصبح رمزا مقدسا عند كل اليمنيين، الذين وجدوا أنفسهم في زمن أيوب، ورأوا نور الحياة، ووعوا على الدنيا وهم في زمن أيوب.
لقد زرع أيوب في أرواح ونفوس كل اليمنيين -بدون استثناء- حب الوطن، وزرع فيها أروع الأحاسيس والمشاعر، ما عدا القلة القليلة من المعتوهين والمرضى، وأعداء الحياة والفن والموسيقى .
منذ منتصف التسعينات، تعرض أيوب لعشرات الشائعات حول وفاته، ويبدو أن مطبخ العديني وأدواته هو مصدر تلك الشائعات؛ فهي إشاعات لا تصدر إلا من جماعات ملوثة.
ومازالت الأيام تثبت أن بعض الجماعات الدينية تشبه بعضها حتى وإن كانت محسوبة على أطراف سياسية مختلفة، ويجمع بينها عداواتها للفن والموسيقى والقيم الجميلة؛ جماعات تعشق الحياة في الأقبية المظلمة، وفي الكهوف المعتمة.
ولعلَّ اليمنيين قد اكتفوا من تطرف العديني وهفواته، المحسوب على تعز الحالمة، التي وقفت أمام أعتى المشاريع الظلامية، ولكنها -بكل أسف- مازالت تعاني من عدوانية بعض الشخصيات الظلامية، التي يزعجها حب الوطن، وحب سبتمبر، وحب الثورة، ولذلك نجد هذه الجماعات تتخلى عن القضايا المصيرية، وتهتم "بالبعاسيس" والقضايا الهامشية، التي لا تخدم سوى أعداء الحياة والمستقبل.
خلال الأيام الماضية، عرف اليمنيون القيمة الرفيعة، التي يمثلها أيوب طارش لهم؛ وطنا وإنسانا وأرضا وثورة وقيما وأخلاقا، حيث سيظل أيوب طارش كإنسان بدماثة أخلاقه، وما أنجزه من تركة فنية هائلة وعظيمة، تضيء طريق اليمنيين جميعا، كلما ألمت بهم المحن والحروب، أو تقاطرت أسباب الفرقة ليوحِّد عقولهم وقلوبهم بصوته الوطني، الذي كمزامير داوود، وأعماله الفنية الخالدة، التي سيظل يتباهى بها اليمنيون لمئات إن لم تكن آلاف السنين القادمة.
لكن الجميل في هذا التطرف أنه يعرِّف أيوب طارش -وهو بيننا- قيمته الفنية، ووزنه وقدره بين الناس، ومحبة اليمنيين له بكل فئاته -شيوخا وشبابا، نساء ورجالا وأطفالا- والأهم من كل ذلك محبة الله له من خلال محبة الناس.
ولذلك ينام أيوب كل مساء قرير العين.
أيوب القريب إلى الله، المتعبد القانت، المحب للناس، الحيي الخجول. هذا لمن لا يعرف أيوب.
لقد ترك أيوب فيكم وبينكم ذوقه الرفيع، وموهبته الفذة التي حباه الله إياها. فدعوا الرجل يرتاح، وادعوا الله له بأن يلبسه ثوب الصحة والعافية..
اللهم آمين.