مقالات
ترامب وبايدن يكذبان.. فأيهما الأكذب؟!
المتناظران المتصارعان (ترامب - الرئيس السابق، وبايدن الرئيس الحالي) كلاهما ممثل للاحتكارات الدولية، واللوبيات الكبيرة، ومناظراتهما تكشف سُوء طبيعة النظام، ومدى هشاشة القيم السائدة في أمريكا. فأن يصل إلى الحكم رئيس في مرحلة الخرف، وعدم القدرة على النطق، وفقدان الذاكرة، أمر غرائبي، وأن يحكم ويتصدى مجددًا رئيس متهم في ذمته المالية، ومشكوك في سلوكه، ومطعون في استقامته، ومتهم بالتعدي على النظام والقانون، فأمر أكثر غرابة!
يتهارشان ويتهاوشان على من هو الأقدر على قهر العالم واستعباده، وفرض الجبروت الأمريكي عليه. يتمترسان من حول الأمة العربية، وتكون الحرب على غزة ميدان التناطح والكذب من هو الأكثر ولاءً للصهيونية، والأقدر على حماية إسرائيل وقمع فلسطين.
فضيحة أمريكا- بلد الرأي العام الأقوى في العالم، وبلد الصحافة الأوسع انتشارًا، وموطن القضاء المستقل، والدستور العتيد، والنظم والقوانين يحكمها شيخ دائخ فاقد الذاكرة، لا يفهم ما يُقال، ولا يقدر على المحاججة والدفاع عن رأيه أمام ترامب المُوقف أمام القضاء مُساءلاً عن أكثر من أربعين تهمة كل واحدة توصل إلى السجن أو الغرامة، إضافة إلى تهم التهرب من الضرائب، والشكوك في أدائه، وما يتمتع به من سُمعة كريهة، والعجيب أن كلا المرشحين هما الأوفر حظًا لحكم أمريكا!
فهل لهذه المناظرة الكارثية -كما وصفها البعض- أو الفضحائية -كما وصفها بعض آخر- علاقة بانهيار القيم الديمقراطية والسياسية والقيم الأخلاقية داخل أمريكا؟ وهل لذلك علاقة بأزمة الرأسمالية، وتراجع القطب الواحد، وبروز قوى دولية جديدة منافسة؟
هل العجز عن السيطرة على العالم ينعكس في الصراع الداخلي، والعكس صحيح؟
الرمزان المتنافسان -أو بالأحرى المتهارشان- يكشفان هشاشة الوضع العام، وفساد الأحزاب، وضعف الرأي العام، وافتقار المتهارشين لأبسط قيم اللياقة والمستوى الرفيع من أدب التنافس والتباري؛ فعدم تصافحهما دلالته جد سيئة، وربما يرمز لما هو أسوأ.
يتوقع مراقبون قريبون للبيت الأبيض ومحللون سياسيون احتمالات ومؤشرات جد خطيرة في استمرار تصاعد الخلافات، ووصولها حدًّا يصعب السيطرة عليه؛ فهل مثل هذه التحليلات واقعية؟
انهيار الإمبراطوريات عبر التاريخ يؤكد مرور الإمبراطوريات بمثل هذه الأعراض.
كتاب «الإمبراطورية: إمبراطورية العولمة الجديدة»، لمايكل هاردت، وأنطونيو نيغري، تعريب فاضل حتكر- يدرس عوامل وعلل انهيار الإمبراطوريات، ويكرس جانبًا كبيرًا من الكتاب الضخم للإمبراطوريات المعاصرة، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع لها السقوط.
في الماضي القريب، كان الاهتمام في الانتخابات الأمريكية يتركز من حول دخل الفرد، والازدهار الاقتصادي، والخدمات العامة، وتحسن مستوى المعيشة، والإصلاحات، والإنجازات العلمية، ولا تتصدر القضايا الخارجية أو تنافس الشأن الداخلي، ولكن في المناظرة الأخيرة اتخذت الخارجية: فلسطين، وأوكرانيا، والعلاقات الأمريكية - الصينية، شكل كمائن.
احتلت الحرب على غزة مساحة واسعة، وفضحت الكذب بين المتصارعين، والتباري في مَنْ يكون الأقوى في دعم إسرائيل، وإطلاق يدها في حرب الإبادة إلى النهاية كما دعا ترامب.
الصحافة العالمية، والميديا الإعلامية، والرأي العام الدولي كانت شديدة الاهتمام والمتابعة للمناظرة، ودرست ما دار فيها، وما يمكن أن تترتب عليه.
انفردت الصحافة الإسرائيلية بالابتهاج بأداء ترامب، وربما اعتبره اليمين التوراتي الصهيوني، ونتن ياهو، وحكومة الحرب المسيح المنتظر.
وربما كان الحكام العرب هم الأكثر خيبة وتوجسًا؛ لأن المتصارعين: بايدن، وترامب يعاملونهم بدونية وزراية، ويرغمونهم على الولاء والتطبيع الإبراهيمي مع إسرائيل بدون اعتبار لشعوبهم.
العديد من دول العالم نظرت بقدر من الاستغراب لفشل بايدن وصلف وافتراء ترامب، وربما قال الكثيرون منهم: "اللهم لا شماتة". كل المستعمرين ابتداءً من الإسبان، والبرتغاليين، والهولنديين، والبلجيك، والإيطاليين، والروس، والألمان وصولاً إلى الاستعمار القديم ورمزيته: بريطانيا، وفرنسا- كلهم اقترفوا جرائم وحروب إبادة، وقاموا بنهب الثروات، وطمس الهوية الوطنية، وخصوصًا في القارات الثلاث: آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية؛ وهي جرائم لا تُنسى، ولا يجوز التقليل من شأنها إلا أنها لا تقارن بما فعلته وتفعله الإمبريالية الأمريكية في عالم اليوم، وبالأخص في المنطقة العربية منذ الإسهام في غرس إسرائيل في قلب الوطن العربي، وحرب 1967، وتدمير العراق، ونهب ثروات المنطقة، وحرب غزة حاليًا هي الأكثر بشاعة؛ لأنها تهدف إلى إبادة شعب بكامله وتدميره كوطن، وتهجير أبنائه.
أمريكا كأقوى قوة في العالم سلاحها قوتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية هي دائمًا في أشد الاحتياج للأقوى والأشد فتكًا، والأدهي مكرًا، والأخبث والأكذب.
المناظرة (المهاوشة) بهذه المعاني ترجح كفة ترامب. فترامب هو من أباح لقطعان المستوطنين إعادة احتلال الضفة الغربية، ونقل السفارة للقدس، وبارك وشرعن احتلال الجولان؛ أما بايدن- كبش المحرقة؛ فهو صهيوني دائخ ومخذول بانقسام حزبه الذي يضم مجموعات من الأفارقة والعرب والمسلمين.
اليانكي راعي البقر الأمريكي الذي أباد الهنود الحمر بالأمس هو الأقدر على استعباد العالم، وتهديد الأمن والسلام الدوليين، وطمس قضية الشعب الفلسطيني، وتحويل الأمة العربية بتواطؤ بعض حكامها للقبول بالتطبيع والتحول إلى «عرب إسرائيل».
فشل نتن ياهو في كسر حماس وإرغام الفلسطينيين في الضفة والقطاع على الفرار من أرضهم رغم حروب الإبادة يتحمل مسؤولية الفشل أو يتشارك مع نتن ياهو وقادة الحرب الإسرائيليين الإدارة الأمريكية؛ وتحديدًا بايدن؛ وهو ما أراده ترامب الذي قال كاذبًا أنه لو كان موجودًا لما حصلت الحرب.
حفلت المناطحة بالسخرية والإهانات، وعجَّت بالأكاذيب والتباهي والعدوانية، وتكاد تجمع التقارير والتعليقات وانطباعات المشاهدين على عدوانية ترامب، وفشل وخيبة بايدن، وكان الوصف بالفشل، وغياب اللياقة العقلية والبدنية هو الانطباع العام، وقد أثار تلبكه وتردده وارتباكه مخاوف أنصاره.
صحف العالم فتحت عينيها على مناظرة الرئيسين الذين يقدمان نفسيهما لأمريكا وللعالم، وكانت المناظرة خيبة لآمال أمريكا والعالم؛ وبالأخص أداء بايدن الذي وُصِف بالخائف المرتبك، والمتردد، والباهت، وبالعجز عن الرد على الأكاذيب المفضوحة لترامب، بينما وصف ترامب بالأزعر، والشعبوي المتباهي بالعنصرية.
وصف بايدن بالفلسطيني، وجهره بالكذب والدعاوى الزائفة والعدوانية فضيحة، ويتشاركان في إبراز الولاء أكثر للكيان الإسرائيلي، والعداوة لفلسطين، والخيبة الأمريكية والعالمية في كليهما، كما يتشاركان في الكذب والعدوانية، وإن بَذَّ ترامب بايدن. كما يتشاركان في فساد لغتهما، وإن تفوق بايدن في الأخطاء.
وتكاد تجمع الرؤية الدولية للرئيسين وتوجهاتهما على خطورتهما على أمن وسلام العالم، وبالأخص على منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا الأمة العربية وفلسطين بصورة أخص، وربما كانت صحيفة "نيويورك تايمز" هي الأكثر مقدرة وإفصاحًا عن رؤيتها لما ينبغي على بايدن فعله.
"بايدن كان رئيسًا مثيرًا للإعجاب في ظل قيادته ازدهرت الأمة، وبدأت في معالجة سلسلة تحديات طويلة الأمد، وبدأت الجروح التي فتحها ترامب في الالتئام، لكن أعظم خدمة عامة يمكن أن يؤديها بايدن هي أن يعلن أنه لن يستمر في الترشح لإعادة انتخابه"، وهناك العديد من التساؤلات: عن مدى جدوى استمراره في الترشح؟!
كان الأخطر في المناظرة غير المتكافئة بين رئيس شعبوي مغامر مهجوس بالرئاسة، وهو ترامب، وبين رئيس هالك "أخنى عليه الذي أخنى على لبد"، كما يقول الشاعر العربي طرفة بن العبد- هي حرب غزة.
فترامب -كشعبوي- يرى أنه لو كان موجودًا لما حصلت الحرب؛ وهو يعني قدرته على إبادة غزة أكثر من بايدن، أو إخضاعها قبل الحرب، وهو هنا كذاب أشر؛ لأن بايدن دفع بكل قوة وجبروت أمريكا وبريطانيا وأوروبا الاستعمارية إلى المنطقة مشتركةً في الحرب على غزة، وزوّد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الأكثر تطورًا، وفي حقيقة الأمر لن يستطيع ترامب أن يقدّم لإسرائيل أكثر مما قدّمه بايدن، وقد ظهر ترامب كفاشٍ عنصري عريان.