مقالات

ترامب وتصفية القضية الفلسطينية

31/01/2025, 18:59:45

مِنْ الخطأ الاعتقاد أنَّ ترامب هو أول مَنْ دعا إلى تصفية القضية الفلسطينية. ربَّما كان ترامب هو الأكثر جهرًا وفجاجةً عمَّنْ سبقه، لكنَّ الأمرَ المؤكدَ أنَّ بايدن هو الأكثر عُدوانيةً وانخراطًا في حرب الإبادة بتوفير كل أدواتها وعُدتِّها وعتادها، 

وقد جرَّ معه قادة الاستعمار الأوروبي لدعم ومساندة حرب الإبادة على غزة، وتوفير الغطاء السياسي لحماية جرائم الحرب الإسرائيلية عليها، وتعطيل القرارات الأممية الداعية إلى وقف الحرب. يحاول ترامب بإدارته الأكثر ولاءً لإسرائيل، والأكثر عدوانيةً ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وخطورةً على أمن وسلام العالم- أنَّ يُقْدِمَ على قراراتٍ لا يقبلها العالم، وتتصادم مع القوانين والعهود والمواثيق التي قام عليها التجمع البشري في القرن العشرين. يتصرف ترامب كتاجر وصاحب صفقات ورغبات كما يصوره الصحفي الأمريكي الأشهر بوب وودورد الذي درسه في أكثر من إصدارٍ له. فهو يصفه برجل الغرائز كطبيعة حيوانية لا علاقة لها بعقلٍ أو خُلُقٍ أو ضمير. أمَّا بايدن ووزير خارجيته بلينكن، وهما الصهيونيان المؤدلجان، فقد أسهما في حرب الإبادة على غزة بتوفير الأسلحة وكل التسهيلات اللازمة لنجاح هذه الإبادة. سردية التهجير، ونهج التطهير العرقي هي جوهر الصهيونية، وقد تجلى في مؤتمر بازل (المؤتمر الصهيوني الأول 1897)، وفي أكذوبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».السردية الأساس للصهيونية قائمة على قاعدة الوعد الإلهي: "لِنَسْلِكَ أُعْطِى هذهِ الأرض مِنْ نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات". 

العلمانيون، واليسار الصهيوني كلاهما يتبنى هذه الأسطورة، وحقق جانبًا منها في حروب 1948، و1967، وفي «اتفاقات أوسلو 1993»، وجاء الليكود لينجزَ ما عجزَ اليسار الصهيوني عن تحققيه؛ وهو: يهودية إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر. السردية (الخرافة) استمدت قوتها مِنْ «وعد بلفور»، ومِنْ تبني الاستعمار الغربي وأمريكا لزرعها، ومِنْ ضعف وأخطاء وتواطؤ الحكم العربي. فَشِلتْ حرب الإبادة والتهجير المتكرر على إرغام «الغزيين» على الفرار من جحيم الحرب، ولكنَّ حربَ الإبادة قد وَفَّرتْ الأرضية للمساومة والضغط السياسي، ويظلّ التهديد والاستمرار قائمين. وجاء الرئيس الجديد ترامب؛ لينجز بالضغط على المطبعين وحلفائه من العرب، والتهديد بالجحيم ما عجزتْ الحرب عن إنجازه. ترامب: «الدكتور جيكل- المستر هايد»؛ وهما شخصية واحدة. فالدكتور جيكل الطبيب والإنسان الفاضل والخيِّر، أمَّا السيد هايد فهو الشرير البشع والمجرم، كما في قصة الأديب ستيفنسون. ترامب (الدكتور جيكل) يطلب بأدبٍ جَمّ مِنْ مِصرَ والأردن إنقاذ حياة الضحايا المساكين مِنْ جحيم غزة، وعندما يُلوِّحَان بالرفض؛ يظهر وجهه الآخر المستر (هايد)؛ مذكِّرًا الرئيس المصري بأنَّ أمريكا ساعدت مصر كثيرًا، وهي تنتظر مساعدة مصر. الإشارة إلى المساعدة مغزاها مكشوف، وتحمل في طَيِّها تهديدًا. أمَّا الملك عبد الله، فيبدو أنَّهُ ليسَ بحاجة للتهديد، كما أنَّ أبو مازن قد سَلَّمَ أوراقه -إنْ كان لهُ أوراق-؛ للتنسيق الأمني. الحديث عن الانتصار لا يكفي. ففي كُلِّ حروب الماضي كان ما تحققهُ إسرائيل مِنْ تنازلات الحكم العربي يفوق بكثيرٍ انتصارها العسكري؛ فحتى حرب 6 أكتوبر 1973 التي أنجزَ فيها الجيش المصري والسوري انتصارًا جزئيًّا، كان استسلام السادات أكبر من كُلِّ كوارث هزائم الحروب. يرصد المفكر فوزي منصور في كتابه «خروج العرب من التاريخ» الثمارَ الكريهة لهذه الحروب؛ حيث يبدو أنَّ الدول العربية اِبتُليَت بالعجز أمام الدولة الصغيرة إسرائيل. فقد خاضت معها خلال أربعين عامًا أربعة حروب، كان نصيبها مِنْ كُلِّ ذلك الهزيمة. يقرأ المفكر فوزي تبريرات كل هزيمة. فهزيمة 1948 لأنَّ الحكومات والجيوش العربية كانت خاضعةً لسيطرة الدول الإمبريالية، والعذر في 1956 أنَّ الوقت لم يتسع لاستيعاب الأسلحة الحديثة. وفي 1967 بسبب البيروقراطية الفاسدة والعاجزة التي أغضبتها التحولات الاجتماعية الجذرية، وكانت قد عشعشت في مراكز القيادة العسكرية العليا. ويشير إلى الوعود بأنَّ العرب لن يؤخذوا مرةً أخرى على حينِ غِرَّة، ويرى أنَّ السلم بعد 1973 قد عاد بعواقب أوخم مِنْ كُلِّ الحروب. سرديِّة تصفية القضية الفلسطينية، والتطهير العرقي، والتهجير، وقيام دولة إسرائيل الكبرى، هي الهدف الرائس مِنْ كُلِّ هذه الحروب. سَقطَ اليسار الصهيوني بالتوقيع على «اتفاقات أوسلو 1993»، والقبول التكتيكي بأكذوبة الدولتين، واغتيلَ رابين يطرح الرئيس ترامب في رئاسته الأولى «صفقة القرن» بالتنسيق مع نتنياهو في مؤتمر صحفي في 29 يناير 2020، وتضمنت الصفقة تقديم دعم اقتصادي لفلسطين كقضية إنسانية، وقيام دولة فلسطينية بدون جيش، وقيام مصر بمنح أراضٍ إضافية للفلسطينيين، وإعلان سيطرة إسرائيل على 30% من الضفة الغربية، وتبقى القدس خالصةً لإسرائيل، وتضمِّ جميع المستوطنات التي يزيد عددها عن مئة مستوطنة، ويُمنع اللاجئون الفلسطينيون مِنْ العودة، أّأمّا الدولة الفلسطينية فذات طابع رمزي.

يعود ترامب إلى الرئاسة من جديد، وبعد أنْ حققَ نتنياهو الانتصار بتدمير غزة؛ وتحويلها إلى كومة خراب؛ بحسب توصيف ترامب نفسه، وإعادة احتلال وتدمير وتهجير المواطنين مِنْ الجنوب اللبناني، واحتلال جبل القنيطرة وأجزاء من الجنوب السوري. يطرح ترامب الصفقة في صورة التهجير بدون مُواربة، مُقرًّا التوسع الإسرائيلي في سوريا ولبنان، وإلحاق الضفة بغزة؛ تمهيدًا للتهجير للوطن البديل (الأردن). طلبَ ترامب مِنْ الرئيس السيسي والملك الأردني استقبال مليون ونصف مُهَجَّر فلسطيني، وكانَ الرفض المصري قويًّا. تهجير ما تبقَّى مِنْ أبناء غزة تهديدٌ لمصر وسيادتها ومكانتها؛ بل هو تهديد أمريكي وإسرائيلي لأمن مصر وسلامها. في العام 1993، عقب توقيع بيجن على اتفاقية السلام، خاطبَ الرئيسَ الأمريكي كارتر قائلاً: "لقد قمتم بعملٍ عظيم بماثلُ ما فعله أجدادنا اليهود منذ آلاف السنين في بناءِ الأهرام". أثار تصريحه دويًّا إعلاميًّا. فقد كان تصريحه أمام الكثير من صحفيي العالم ووكالات الأنباء، ومراسلي الصحف، والقنوات القضائية، وكانت الردود المصرية عنيفة واستمرت لعدة أشهر. في كتابه «مكان تحت الشمس» يذكر نتنياهو: أنَّ التوراة (العهد القديم) نزلتْ على موسى النبي في «طُورِ سيناء»، ويستطيع الاستشهاد بالقرآن كما فعل نافون؛ الرئيس الإسرائيلي أثناء زيارة الرئيس السادات للقدس. فعندما تلا شيخ الأزهر عبد الحليم محمود: (وإنْ جنحوا للسلم فاجنحْ لها). [الأنفال: 61]؛ رَدَّ عليه نافون بقراءة: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين). [المائدة: 21]. تحجيم مصر وإضعاف دورها، ومحاصرتها بالحروب من حولها، وإغراقها بالأزمات، وعزلها عن امتدادها القومي- هدف مشترك لِكُلٍّ مِنْ أمريكا وإسرائيل، ومع ذلك، فحكام مصر يدركون المخطط جيدًا، ويعرفون المساعي الامبريالية والإسرائيلية؛ لإضعاف مصر وعزلها. الرفض المصري يُقوِّي الموقف الأردني والعربي. وحقًا، فإنَّ الخطورة على الأردن تعني تفجير الأوضاع، والإطاحة بالنظام، وإشعال الصراع. أكثر من نصف الشعب الأردني ينتظرون العودة إلى وطنهم، فكيف يكون الحال، وهم يجدون أنفسهم يستقبلون ما تبقى من إخوانهم؟! الرفض المصري والأردني له دلالته المهمة، وهو يفضح مخططات اليمين الصهيوني والامبريالية الأمريكية. ما فعله بايدن ووزير خارجيته بلينكن كان بمثابة التعجيز لترامب أو لأي رئيس قادم في أن يفعلَ لإسرائيل أو يقدم لها مِثلَ ما قدَّمَاه. الانتصار العظيم هو صبر وعناد وصمود أبناء غزة، وعودتهم إلى أحيائهم ومنازلهم المُهدَّمَة، وصمود المقاومة في القطاع والضفة، أمَّا الأهم فهو إفشال مخططات التطهير العرقي، والتهجير. الرفض المصري والأردني لمطلب ترامب بالتهجير يُعزِّز ويُقوي الإرادة الفلسطينية، ويُسهِم في احتمالات وقف الحرب. حرب الإبادة لأربعمئة وخمسين يومًا حققت الانتصار المطلق لنتنياهو في تدمير غزة، وقتل وجرح ما يقرب من رُبع سكانها، وتشريد المليونين أكثر من مرة، لكن هذا الانتصار المطلق فَشِلَ في القضاء على المقاومة، وعَجِزَ عن إرغام الغزيين على الفرار والتهجير. يُطلقُ المئات من المعتقلين الفلسطينيين المحكومين بالمؤبد؛ منهم عجزة، ونساء، وثلاثون طِفلاً، ويُصرُّ على انسحاب إسرائيل مِنْ كُلِّ غزة. وقبل ذلك وبعده السمو الأخلاقي للمقاومة والغزيين في التعامل مع الأسرى الإسرائيليين، بحسب قراءة الزميل سامي غالب- رئيس تحرير «موقع النداء»؛ في حين تمنع إسرائيل ضحايا أحكام الإعدام المؤبد، والناجين مِنْ سجون الهولوكست مِنْ الابتهاج ومظاهر الفرح.

مقالات

"المتعة الروحية في السيرة الذاتية"

كنا قد تناولنا ما يتعلق بكتابة المذكرات السياسية، التي تم تحميلها فوق ما تحتمل، وهنا نتناول باختصار المتعة والفائدة الروحية والفكرية والإنسانية فيما يتعلق بقراءة كتب السيرة الذاتية، التي اشتهرت ولمع أصحابها، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصياتهم

مقالات

بين تجربتين (مقاربة أم لا مقاربة).. جنوب اليمن وجنوب السودان

إلى أمدٍ غير معلوم، سيظل الجدل قائماً بشأن مستقبل اليمن، وما إذا كان لا يزال بإمكانه العودة إلى صيغة الدولة الاتحادية، التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني العام 2012، أم أن سيناريوهات التفكك جنوباً وشمالاً ضمن دولة فاشلة هو الأمر الأكثر ترجيحاً في المدى المنظور على الأقل؟

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.