مقالات
ترامب ونتنياهو وصفقة القرن
ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.
قد تكون تسمية الصفقة من عند ترامب؛ فهو رجل الصفقات. فالمنطقة العربية، والقضية الفلسطينية، والصراع العربي- الإسرائيلي، وحتى الصراع الروسي - الأوكراني، والأمريكي - الإيراني كلها صفقات؛ شأن مضارباته العقارية. نتنياهو الحاضر إلى جانب ترامب في إعلان الصفقة يدرك أنها اللغم الذي سيفجر الحرب.
فالفلسطينيون -كل الفلسطينيين- لم يقبلوا «البيعة»، والحكام العرب حتى الأتباع سوف يترددون؛ وهو ما حدث؛ فكان طوفان الأقصى. لنعد إلى كتاب «مكان تحت الشمس».
فالكتاب صدر عام 1995 بعد فشل الانتفاضة الأولى، وفي ذروة معارضة الليكود لاتفاقات أوسلو، وما أعقبها من مقتل إسحاق رابين 1995 بعد بضعة شهور من صدور الكتاب. اعتُبِر الكتاب حينها بمثابة برنامج سياسي لليكود، ونقد لنهج حزب العمل، وإدانة لاتفاقات أوسلو، ورفض لفكرة الدولتين التي يقبل بها حزب العمل كمسمى، ولكنها لا تختلف عن الحكم الذاتي تحت السيادة الإسرائيلية، ومنه يتضح أنَّ طموحات نتنياهو أبعد من ذلك بكثير.
تتحدث الصفقة عن إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصاد فلسطين والدول العربية المجاورة، وإنشاء دولة فلسطين بدون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام مصر بمنح أراضٍ إضافية لفلسطين من أجل إنشاء مطار، ومصانع، والتبادل التجاري، والزراعة دون السماح للفلسطينيين بالعيش فيها - كيف؟!
تضيف الصفقة: "وسيتم الاتفاق على حجم الأرض وثمنها، كما سيتم إنشاء جسر معلّق يربط بين الضفة وغزة. وبعد عام من الاتفاق تجري انتخابات ديمقراطية للحكومة، وسَتُفرض عقوبات للرافضين للصفقة".
كما تشير إلى مرحلة انتقالية من أربعة أعوام؛ لإقناع الفلسطينيين بالخطة، وإعلان سيطرة إسرائيل على 30% من الضفة الغربية باسم «منطقة جيم»، وفق أوسلو 1993، وتبقى القدس موحدةً لإسرائيل، وتضم جميع المستوطنات، التي يزيد عددها عن مئة مستوطنة، ومنع عودة اللاجئين، أما الدولة فذات طابع رمزي.
تتحول قضية الشعب الفلسطيني المحتلةُ أرضُهُ لأكثر من نصف قرن إلى قضية إنسانية، ووعود ازدهار اقتصادي مزعوم، وإعلان رفض القرارات الأممية، وطمس القضية الوطنية لشعب يناضل ضد الاحتلال الاستيطاني لأكثر من ثلثي قرن؛ فالصفقة إذن بيعٌ للوهم في سوق النخاسة.
كتاب نتنياهو - بطل حرب الإبادة في غزة، يدلل أنَّ بنود صفقة القرن آتيةٌ منه؛ بل يذهب نتنياهو في مكان "تحت الشمس" إلى ما هو أبعد من الصفقة المغشوشة والكاذبة.
لنقرأ قوله: "وأخيرًا على إسرائيل أن تبدأ فورًا باتخاذ إجراءات كفيلة بضمان وحدة القدس تحت السيادة الإسرائيلية".
ويضيف: "يجب على إسرائيل أيضًا تعزيز حلقة الاستيطان اليهودية، التي تبدأ من «غوش عصيون» في الجنوب، مرورًا بمستوطنات «متسبيه بريحو»، و«معاليه أدوميم» في الشرق، وتنتهي في مستوطنات منطقة «بيت إيل» في الشمال. ويحدد في (ص 394) مناطق جنين، ونابلس، والجليل كمدن للحكم الذاتي، ويبقى الأمن، والأراضي، والمياه بأيدي السلطة المركزية الإسرائيلية".
كما يعيب على اليسار الصهيوني الرضوخ للإملاءات العربية؛ في إشارةٍ منه إلى اتفاقات أوسلو، وما ورد في كتاب شمعون بيريز «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يقبل فيه بدولة في الضفة والقطاع، تحت السيادة الإسرائيلية، وكلاهما يرفض عودة اللاجئين، كما أنَّ ما يميز بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» عن نتنياهو أنَّ بيريز يراهن على الحوار، والاتفاقات عبر المساومة السياسية؛ كما هو الحال في مدريد وأوسلو، وتقديم بعض التنازلات؛ بينما يرى نتنياهو صاحب «مكان تحت الشمس» أنَّ القوة -والقوة وحدها- كفيلةٌ بإحلال وفرض السلام على العرب؛ مستدلاً بحروب: 1948، و1967، ويستذكر ما قاساه اليهود مع الرومان، والفرس، والأشوريين، والأوروبيين، وتحديدًا في الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست).
ويحدد في "ص 398": "يجب على العالم الغربي أن يعلن بصورة لا تقبل التأويل أنَّ قرارات الأمم المتحدة، التي مضى وقتها والمتعلقة باللاجئين أصبحت ملغاة، وعليه أن يضع الفلسطينيين والعالم العربي أمام الأمر الواقع".
فالعرب غير قادرين على القول مثلاً أنهم يوافقون على مشروع التقسيم لعام 1947، الذي رفضوه قبل خمسين سنة تقريبًا. ويحدد ثلاثةَ عناصر لمشروع السلام؛ وهي المتضمنة في صفقة القرن، وقد شرعن بعضها ترامب في ولايته الأولى، وهو في صفقة القرن إنما يريد قبول العرب والفلسطينيين بها، ويريد نتنياهو فرضها، وما هو أسوأ منها بعد حرب الإبادة في غزة، والاجتياحات شبه اليومية من قبل المستوطنين لمدن وقرى الضفة الغربية، والحرب المدمّرة ضد لبنان.
عناصر نتنياهو لمشروع السلام -اتفاقيات ثنائية بين إسرائيل والدول العربية بما فيها تحديد رسمي للحدود بينها، وتسويات سلمية.
-تقديم مساعدات دولية من قبل بقية دول العالم. (لاحظوا بقية دول العالم!).
-اتفاقيات ثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين يتحدد فيها كيف يمكن أن يعيش العرب واليهود معًا، ويتم الاتفاق على مسائل الحكم الذاتي، والأمن، وكل واحد من هذه العناصر الثلاثة يتطلب بلورة صيغة دقيقة ومفصلة تأتي نتيجة لمفاوضات متعمقة. (ص 398).
يضع نتنياهو دعامتين أساسيتين للسلام من قِبل العرب، الأولى: وجود نوايا مخلصة للسلام من جانب شركائنا العرب.
والثانية: هي أن الشروط أو الأوضاع الأمنية التي ستحمي إسرائيل يجب أن تثبتها تلك النوايا. (مقدمة المؤلف، ص 11).
فالنوايا مطلوبة من العرب، والالتزام بالشروط والأوضاع الأمنية مسؤولية العرب وحدهم.
في الكتاب، ورغم توقيع «كامب ديفيد» مع مصر، و«اتفاق وادي عربة» مع الأردن، يرى صاحبه أن الأردن ومصر تمثلان تهديدًا مستمرًا لإسرائيل، وأنَّ الأردن هي الوطن الفلسطيني؛ بل يطرح ما يردده ترامب، فيقول في "ص 386": "إنَّ الأنظمة العربية تملك مساحاتٍ كبيرة من الأرض تبلغ 500 ضعف مساحة إسرائيل، يتوجب عليهم الآن تقديم تنازل ضئيل مقابل التنازلات الكبيرة، التي قدمها اليهود للمرة الأولى في تاريخهم، الذي امتاز بالاحتلال، وعدم المعاناة. يتوجب على العرب التخلي عن مطالبهم الإقليمية. ومن أجل السلام أيضًا، يُطلبُ منهم التنازل عن أربعة أجزاء من عشرة آلاف جزء (00004) من المناطق الواسعة، التي يسيطرون عليها. وهذا التنازل يجب أن يكون عن منطقة الضفة الغربية - قلب الوطن القومي اليهودي، والسور الواقي لدولة إسرائيل، التي تشكل استمرار الجدار الواقي في هضبة الجولان".
ويشير في الكتاب عن تخلي إسرائيل عن سيناء؛ حيث تَلقَّى موسى رسالته، كما يشير أيضًا إلى التخلي عن مياه الليطاني. إنَّ الكتاب- شان كتاب «الشرق الأوسط الجديد» - بحاجة للقراءة، وهناك دعاوى في الأردن، وما هو أبعد.
الظريف أنَّ نتنياهو -رغم الدعاوى العريضة في الكتاب- يورد اللقطة التالية: "ففي حين يشكو لدبلوماسي بريطاني الدعاوى العربية: "قلتُ: إنَّ إسرائيل لا تعتزم إعادة المناطق التي احتلتها في حرب الأيام الستة؛ خشيةَ أنْ تتعرض لهجوم آخر من هذه المناطق".
وكان رد الدبلوماسي البريطاني قد أدهشني؛ إذ قال باستهزاء: أوه حقًّا! أعتقد أنَّك لا تتوقع مِنَّا أخذ هذا القول على محمل الجد؛ لأنكم أنتم الذين بدأتم الحرب". (ص 163).
ويبدو أنَّ الدعاوى في سيناء لا تقل عن الدعاوى في مكة، والمدينة، واليمن، والعراق؛ فتلكم أقل إيغالاً في الخرافة من دعاوى أرض الميعاد، وألواح موسى قبل ثلاثة آلاف سنة، وقيام الدولة الحِميرية الثالثة في اليمن، وربما زواج سليمان من بلقيس.
يخلط نتنياهو عامدًا بين المقاومة والعنف والإرهاب. فالعنف حسب «المعجم الفلسفي»، لمراد وهبة هو: استخدام القوة استخدامًا غير مشروع. ولا علاقة للمقاومة بالإرهاب؛ فكل القوى الاستعمارية والمستبدة تسمي المقاومة التحررية والشعبية "إرهابًا وعنفًا".