مقالات

تعز.. حين يصير الفشل جسرًا للفاتح المتربص

20/05/2025, 13:44:11

تعز، المدينة التي طالما عُرفت بثقلها الثقافي ونضالها الوطني، تقف اليوم على شفا هاوية تتداخل فيها الخيبات الداخلية مع المخططات الخارجية.

تبدو وكأنها تُدفع عمدًا إلى الانهيار، ليس بمدافع الخصوم فحسب، بل بأيدي أبنائها الذين أضاعوا البوصلة، وبتربّص قوى تُتقن لعبة انتظار السقوط لتُلبس نفسها ثوب المُنقذ.

ففي تعز، لا تكاد تجد سلطة محلية يمكن التعويل عليها أو الرِّهان على صحوتها. المشهد موزَّع بين بقايا نظام فاسد قاد البلاد إلى الهاوية، وكوادر حزبية فاشلة لم تُفلح في المعارضة كما لم تُفلح في الحُكم، تربّت في كنف الفساد حتى صار جزءًا من بنيتها النفسية والسياسية، ونُخب مثقّفة استمرأت دور المتفرِّج المشاكس، لا تُجيد سوى المناكفات والاصطفافات، وكأنَّها تتسلَّى على أنقاض مدينة تنزف.

هذا الخليط البائس لم يُنتج سوى الفشل، والفشل حين يتكرر لا يُفرز سوى الفراغ، والفراغ لا يبقى طويلاً بلا مستغل.

وفي ظل هذا التآكل المستمر، يُفتح الباب واسعًا أمام الفاتح المتربِّص في الساحل الغربي، ذاك الذي لا يُظهر نفسه إلا بقدر ما يسمح به خراب الداخل، ويدير خيوط الفوضى بصمت ودهاء، عبر زبانيته المزروعين في صلب المشهد الحزبي والإداري والنَّخبوي للمدينة.

يتغذَّى على الانهيار بهدوء، ويصبر حتى تنضج لحظة الظهور بمشهد المنقذ الذي جاء يحمل عصا الخلاص.

ما يحدث في تعز لا يمكن اختزاله فقط في فشل عفوي، أو عجز موضوعي. هناك فوضى تُدار بدقَّة، يُترك لها أن تستفحل عمدًا، ويُسمح لها بالاستمرار حتى تصل المدينة إلى الحافة، حيث يغدو الخلاص مرادفًا للقبول بأي بديل، حتى وإن كان ذلك البديل نقيضًا لما نادت به تعز يومًا من حرية وكرامة وسيادة.

والمفارقة المؤلمة أن أدوات هذا الانهيار ليست كلّها مستوردة من خارج أسوار المدينة، بل كثير منها محلي، بوجوه مألوفة، وشعارات فقدت معناها من فرط التكرار.

ومع ذلك، فإن في تعز مَن لا يزال عصيًا على الموت. ثمة بذور لم تمُت، روح جماعية كامنة، ووعيٌ شعبي متراكم لا يزال يُشكّل صمام أمان ولو في الحد الأدنى. غير أن هذه البُذور لن تنبت ما لم تُجتث الأعشاب السامة من حولها: نخبة فقدت مبرر بقائها، وخطاب استهلكته المجاملات والتحزّب، ومشاريع ضيِّقة اختطفت المجال العام وتركته ساحة مُستباحة لكل عابر ومتربّص.

الرِّهان الحقيقي اليوم ليس على سلطة ولا على فصيل، بل على لحظة وعي تتجاوز هذه المرحلة بكل أسمائها، وتُعيد تعريف المشروع الوطني من خارج هذه الدائرة المغلقة.

فتعز ليست بحاجة إلى منقذ خارجي، بقدر ما تحتاج إلى يقظة داخلية تُعيد ترتيب الأولويات، وتُخرج المدينة من عباءة الفوضى المقنّعة.

وما لم تتوقًّف عن إنتاج الفشل وتدوير الوجوه، فستظل تُقدَّم على طبق من ضجيج لمن ينتظر سقوطها بصبر الثعالب.

والسؤال الذي يفرض نفسه في لحظة كهذه: هل تعز على وشك الانهيار، أم على وشك انتفاضة وعي تعيد ترتيب المشهد من جديد؟

مقالات

أكتوبر اليمني.. جذوة التحرير التي أنارت طريق الوحدة

في الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، تستحضر اليمن اليوم صفحاتها المضيئة من تاريخ وطني عريق، ومسيرة كفاح ضد الاحتلال البريطاني الذي سلب الجنوب اليمني من روحه، وهمّش كيانه، وزرع الانقسام بين أبنائه عبثًا بقدرٍ واحد.

مقالات

الاستقرار غير ممكن لليمن!

عندما نضع اليمن في مقارنة تاريخية مع دول الإقليم والعالم، نكتشف حقيقة واحدة: أن هذه البلاد التي كان يُقال عنها إنها السعيدة، أو "اليمن السعيد"، وارتبط هذا الاسم بهذا الركن من جزيرة العرب، إنما كان حلمًا من أحلام التاريخ، وأحلام اليمنيين، وأشبه ما تكون بأحلام اليقظة التي ظلت تسافر لزمن طويل في كتب المؤرخين والرحالة وكتب الجغرافيا والتاريخ.

مقالات

التحالف القبلي–السلالي: البنية التاريخية لدوام الاستبداد

يُشكّل التاريخ السياسي لليمن مثالاً فريداً على تفاعل الدين بالقبيلة في بناء السلطة وتوارثها. فمنذ أن دخل الإمام الهادي يحيى بن الحسين إلى صعدة أواخر القرن الثالث الهجري، نشأت نواة نظام سياسي ديني استند إلى نظرية “البطنين” التي حصرت الحق في الحكم في سلالة بعينها من نسل الحسن والحسين، واعتبرت الإمامة وظيفة إلهية لا يحق لغيرهم تولّيها.

مقالات

إيران وغزة.. نهاية أم بداية نهاية

سواءْ اتفقنا أو اختلفنا مع ما جرى طوال ساعات يوم أمس الأثنين الـ 13 من شهر أكتوبر/ تشرين أول الجاري، من تبادلٍ للأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة حماس، وسط مشاهد مؤلمة ومؤثرة، فإن ما حدث يعني نقطة تحولٍ بالغة الأهمية، رغم كل الصعوبات التي اعترضت سبيل الوصول ألىهذه النتيجة، بل والثمن الباهظ الذي دفعه سكان قطاع غزة وشعوب المنطقة كافة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.